استمرأ حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، إلقاء حِممه الساخنة فوق رؤوس الجميع دون هوادة، فلم يكتف ب"خرجاته" المثيرة للجدل إزاء حكومة عبد الإله بنكيران التي يشكل حزب "الميزان" طرفا فاعلا فيها، بل أصابت أضرارُه المُدمرة أيضا البلدَ الجار الجزائر التي غضب مسؤولوها الكبار من شباط بشكل لم يستطيعوا كتمانه. البعض اعتبر "خرجات" شباط بأنها لرجل يتوهم بأنه هو "دون كيخوت دي لا منشا"، بطل رواية الأديب الاسباني "ميغيل دي سرفانتس"، والذي قضى خلال القرن 16 ردحا من الزمن وهو يحارب طواحين الهواء، حيث بلغ به الهوس حد اعتقاده بأنه يسير على نهج الفرسان النبلاء في نشر العدل ونُصرة الضعفاء والدفاع عن الفقراء.. أما البعض الآخر فقد وجد في "الخرجات" الإعلامية الأخيرة لشباط بأنها تؤشر على قوة وجرأة الرجل في قول الحق دون أن يخشى في ذلك لومة لائم، فلم تُخِفْه تداعيات جهره بانتقاد وزراء الحكومة التي يشارك فيها، كما لم يتردد في الإعلان عن مواقف حزبه من قضية أراضي تندوف وبشار وغيرهما، حتى لو أفضى ذلك إلى هجمة شرسة عليه من طرف الجيران الجزائريين. شباط يهاجم "إخوانه" شباط قال في بعض وزراء حكومة بنكيران، قبل أيام قليلة، ما لم يقله مالك في الخمر حيث اتهم وزيرا بأنه دخل الأسبوع الفائت إلى قبة البرلمان وهو في حالة "غير طبيعية"، فقد كان "مخمورا" وهو يجيب على أسئلة نواب الأمة، ملمحا إلى أنه وزير ينتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية. ووصف شباط أيضا محمد الوفا وزير التربية الوطنية بأنه وزير "قاصر"، ولا يتحرك إلا تحت وصاية رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أو رفيقه عبد الله باها"، مستدلا بالزيارة التي قام بها بنكيران مع الوفا لرجل التعليم الذي تعرض للطعن بالسكين من طرف تلميذ بإحدى مدارس مدينة سلا. شباط لم يكتف بكل هذه الأوصاف والتهم التي أمطر بها أرض الحكومة التي هو طرف فيها، بل نال بنكيران هو الآخر نصيبه من الأضرار، إذ اتهمه شباط بكونه يحاول "تونسة" المغرب و"مصرنته"، لكونه "يقود البلاد إلى مستقبل مظلم"، متابعا بأن "حكومة بنكيران نصفها تماسيح". اتهامات شباط و"دخوله وخروجه" في الحكومة جهارا نهارا جعلتها عوض أن تفكر في سُبل حل الازمة الاقتصادية الصعبة التي تمر منها البلاد تضطر للرد على مثل هذه الاتهامات الساخنة، فقد تحدثت أنباء صحفية عن كون بنكيران خيّر شباط بين "سحب وزرائه من الحكومة، أو اللجوء إلى ملتمس رقابة من أجل إسقاطها". شباط يهاجم "جيرانه" شباط حاول "تدويل" خرجاته المثيرة للجدل حيث فاجأ الكثيرين بتصريحات، خلال تجمع خطابي يوم فاتح ماي الجاري، قال فيها إن "الشعب المغربي يطالب باسترجاع المناطق والأقاليم المغتصبة من طرف الجزائر، والمخابرات العسكرية الجزائرية: تيندوف، وبشار، والقنادسة، وحاسي بيضة، وكل المناطق المغتصبة من طرف الجزائر". تصريحات كهذه لم تكن لتمر مرور الكرام بالنسبة لحكومة الجزائر التي غاظها أن يتفوه بها زعيم حزب سياسي كبير يحظى بمكانة هامة داخل المشهد السياسي بالبلاد، بل هو أحد الأطراف المؤثرة في تشكيلة الحكومة الحالية وسابقاتها أيضا، فاختلط الأمر على الجزائريين هل ما قاله شباط يُلزمه وحده وحزبه، أم يعني موقفا رسميا من الحكومة. دوائر القرار في قصر المرادية انتفخت أوداجها غضبا، واعتبرت تصريحات شباط بأنها "غير مسؤولة، وتشكل انحرافا خطيرا يُدان بكل قوة"، محذرة إياه من تكرار مثل تلك المطالب و"عدم التمادي في الاستفزاز والمغامرة، في اتجاه رفض الاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود". جريدة العلم، الناطقة باسم حزب الاستقلال، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام ردة فعل مؤولي الجزائر، حيث أوردت في عددها اليوم بأن "خطوة الأمين العام للحزب ليست انفعالية أو انفرادية كما تحاول بعض الجهات تسويقه، بل إنها تعبر عن تراث و مواقف حزب الاستقلال المبدئية و المتواصلة منذ أزيد من سبعين سنة". وزادت الصحيفة ذاتها بأن "جميع البيانات الختامية لمؤتمرات حزب الاستقلال، منذ ما لا يقل عن نصف قرن، تجدد مطالبة الحزب باسترجاع تلك المناطق المغربية المقتصة من جنوب شرق المملكة، وتعتبر أن الحزب يدعم بناء المغرب العربي الكبير الذي تغيب فيه الحدود".