سعد الدين العثماني قائد سياسي لا طعم له ولا لون، في أغلب المواقف، وقد أثبت في أكثر من مناسبة رغم أنه رئيس حكومة كونه آخر من يعلم.. ولا يزعجه ذلك، فهو يجمع بين الانتماء إلى التيار الدعوي المتمثل في حركة التوحيد والإصلاح والتكليف السياسي المنوط به في حزب العدالة والتنمية من طرف إخوانه. بل إن المؤسس القديم لجمعية "الشباب المسلمين"، ومؤلف كتاب "أصول الفقه في خدمة الدعوة"، كان قد "طلق" العمل السياسي بعد مغادرته وزارة الخارجية، وعاد إلى ممارسة النشاط الدعوي داخل الحركة، وترشح لرئاستها سنة 2014 لولا أن شعبيته داخل التنظيم لم تسعفه في التغلب على منافسين آخرين أمثال أحمد الريسوني وعمر بن حماد، وعبد الرحيم شيخي.. وقتها حصل الدكتور سعد الدين في الدور الثاني على صوت واحد، بمعنى أنه الوحيد الذي بقي مقتنعا بقدرته على قيادة الحركة، وصوت على نفسه. أنقذت الأقدار العثماني بعد تكليفه برئاسة الحكومة، خلفا للأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، ومنذ ذلك الحين وهو يواصل استعمال أسلوبه البراغماتي، مختبئا وراء ظاهرة السكوت، حيث يتم الجمع في العمق بين الدعوة والسياسة لتحقيق "التراكم الإداري"؛ ولكن ذلك لم يكن لينقذ صورته أمام بعض أعضاء حزبه، الذين باتوا ينتظرون الفرصة للانتقام التنظيمي، والنموذج من محطة المجلس الوطني التي انعقدت نهاية الأسبوع المنصرم. لم يكن أمام العثماني، باعتباره رئيس حكومة غير متجانسة، إلا مسايرة التوجه الوطني، وتوقيع اتفاقية التعاون بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، غير أن ذلك لم يكن ليمر بسهولة بين بعض أعضاء الحزب "المتواطئين" و"المتطرفين". وقد تم استغلال المجلس الوطني الأخير لإشهار ورقة الرفض في وجه تصريحات العثماني، خاصة عندما قال: "لم يصدر عن الحزب أي تصريح أو تلميح يتعلق بالتخلي عن مبادئه المذهبية والسياسية وفقا لما أقرته وثائقه التأسيسية أو الدعوة إلى مراجعتها أو التراجع عنها، وخاصة في الموقف من القضية الفلسطينية ومن الاحتلال الإسرائيلي". هكذا تحدث العثماني بمنطق تبريري، ولكن بعض أعضاء الحزب قالوا إن التخلي عن مبادئ الحزب كان عنوانه التوقيع "مع العدو الصهيوني". والخطير في الأمر أن بعض خصوم العثماني داخل الحزب لا يعترفون بما تحقق لقضية الصحراء من دعم أمريكي. إن عدم وضوح حزب العدالة والتنمية، ومحاولة الاستمرار في لعب دور "إداري" مقابل احتضان المنتمين إليه في الأنشطة الدعوية لحركة التوحيد والإصلاح، لا يمكن إلا أن يسبب مزيدا من التطرف في المواقف.. أليست حركة التوحيد والإصلاح، التي ينتمي إليها العثماني، هي التي أشارت إلى ما سمته "الموقف المؤسف"، ودعت إلى "الانخراط في التصدي لخطر الاختراق الصهيوني"، متسببة في الإساءة للجنة القدس..؟ ألم يدع أعضاء من حزب العدالة والتنمية رئيسهم العثماني إلى التمرد على الملك، وعلى مهمة رئاسة الحكومة، ورفض التوقيع؟. إن الوضوح يقتضي اليوم أكثر من أي وقت مضى إما التفرغ لممارسة العمل السياسي أو ممارسة الدعوة. أما الحديث عن "التمييز" بين "مصالح الدنيا" و"مصالح الآخرة"، وهي إحدى نظريات العثماني، فلم يعد إلا مبررا لاستمرار التناقض المعرقل لكل جهود "الوضوح السياسي والتنمية"، لأن سكوت "المتطرفين" في مرحلة معينة لا يعني سكوتهم للأبد.