في القرن السابع الميلادي خرج رجل من جزيرة العرب عرف بالصدق و الأمانة حتى سمي "الأمين" و قال أنه رسول من الله إلى العالمين، و بأن بينته التي جاءهم بها كدليل على صدقه هي القرآن الكريم، و حذرهم من مغبة تكذيبه فيكون مصيرهم كمصير الأمم الماضية التي كذبت الرسل، فأخذهم الله، و ترك الله لهم (لنا) آيات بينات تثبت تعرض هذه الأقوام للهلاك، و قد استطاعت الحفريات الحديثة من اكتشاف مخلفات في الكثير من هذه المواقع تشهد على تعرض هذه الأقوام للدمار حقا. ومن الدعاوي التي جاء بها هذا النبي و صدق فيها ختمه للنبوة، فهو خاتم الأنبياء و المرسلين، لا نبي بعده. و من هنا نفهم لماذا كانت حجة هذا النبي كتاب قد تعهد منزله بحفظه حتى يتسنى لمن جاء بعده من الأجيال النظر في هذا الكتاب المسطور و التأكد من صدق نبوة محمد، من هنا كذلك نفهم لماذا لم تكن لمحمد (ص) معجزات حسية كباقي الرسل عليهم السلام، إذ أن هذه المعجزات لن تنفع الأجيال القادمة، بل إن انتشار الفكر المادي في العصور الأخيرة سيجعل الناس يفرون نفورا من هذا الدين بعد وقوفم على هذه المعجزات و سيعتبرونه ضربا من الخرافة، اللهم إلا معجزة حسية واحدة لنبينا عليه السلام، و لكن سبحان الباري فقد تركها الله تعالى لنا آية، يتعلق الأمر بانشقاق القمر في عهد النبي عليه الصلاة و السلام، و قد تمكن العلم الحديث من اكتشاف آثار هذا الانشقاق كما ذكر أحد المواطنين البريطانيين المسلمين الذين أسلموا بعد وقوعه على برنامج في "بي بي سي" يتحدث عن آثار واضحة للانشقاق كما ذكر علماء من وكالة "ناسا"، و لأنه كان قد وقع على سورة في القرآن تتحدث عن هذا الانشقاق –فنفر منه نفورا في بادئ الأمر، و امتعض من هذه الخرافة- فقد سارع بتوفيق من الله لإعلان إسلامه، فهذا القمر انشق مرة واحدة، في عهد المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه كما في نصوص بلغت كما يسمى في علم مصطلح الحديث "التواتر"، و هو ما رواه جماعة يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب. و مما جاء في هذا الكتاب "سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق من ربهم"، فهذا الكتاب يشهد أنه يضم آيات بينات في الآفاق و الأنفس تثبت أنه –أي الكتاب- لا يمكن أبدا أن يكون من تأليف محمد، بل من تأليف خالق عظيم حكيم عالم بالغيب و الشهادة لا تدركه الأبصار، بل في تحد كبير جدا قال "سيريكم آياته فتعرفونها"، و هذا التحدي و الله لن يصدر من رجل أمي، كيف لرجل كان يرعى غنما أن يجرأ على مثل هذا التحدي الخطير، فتأملوا هذه العبارة أنار الله قلوبكم و عقولكم "سيريكم آياته فتعرفونها". إلا أن إدراك هذه الآيات يحتاج أولا اتخاذ موقف من التفاسير المأثورة، فمن الأخطاء التي وقع فيها المفسرون في الماضي تفسيرهم لكل الآيات، كما لو كانوا وسائط بين الله و عباده، و هذه من الزلات التي لم ننتبه لها، و أقصد هنا بالضبط "التأويل"، أي فهم مقصد الله تعالى من كل آية، أما البيان اللغوي فلا إشكال فيه، و كذلك لا إشكال في تفسير القرآن بالقرآن، أو القرآن بالحديث، و مما يشهد على صدق ما نذهب إليه عدم تفسيره عليه السلام للقرآن الكريم إلا النادر منه، و ذلك لأن القرآن معين لا تنضب حقائقه، إن القرآن هو الكتاب الخالد الذي لا يشبع منه العلماء، بل إن فيه من الحقائق و البينات التي تتوافق مع كل جيل. إذا كان الأمر كذلك، و علمنا أن البضاعة الرائجة في زماننا هي العلم التجريبي و الحقائق العلمية، فلابد أن يكون في القرآن إشارات لقضايا علمية. و هنا لا بد من الانتباه لمسألة فالقرآن الكريم ليس كتابا علميا، إنه لم يكتب بعبارة علمية، بل إن هذه الحقائق جاءت موجزة بما يتوافق مع بيانه المعجز، لكن مع توظيف كلمات دقيقة تعبر تماما عن الحقيقة العلمية. و لا بد من الانتباه لمسألة أخرى غاية في الأهمية و هي أن بعض العلماء توسعوا كثيرا في الإعجاز و تعسفوا فحملوا بعض الآيات ما لا تحتمل، و هذه آفة خطيرة قد تكون مدخلا للشيطان فيوحي بأن كل هذا الإعجاز باطل، و كعادة الشيطان لعنه الله في التلبيس قد يعمي بصيرة الإنسان عن رؤية الحق و إظهاره في صورة الباطل، و يأتي بما تُعُسف فيه حجة و آية على صدق ما أفضى به. الإعجاز العلمي في القرآن : السماء. كلمة السماء تعني كل ما علا الأرض، و القرآن نفسه يسجل هذه الحقيقة، فهو عندما يتحدث عن نزول المطر يشير إلى نزوله من السماء، و معلوم أن المطر لا ينزل من إحدى السماوات السبع التي لا نعرف شيئا عن حقيقتها، و قد كان من بعض العلماء كموريس بوكاي أن حمل معنى السماوات محملا مجازيا، و المقصود بها في رأيه سماوات عدة، لكن هذا القول فيه نظر، ففي نصوص كتلك التي تتحدث عن معجزة المعراج ما يوحي بأن هذه السماوات السبع حقيقية. و هنا قد يستشكل مشكك فيقول لم لا يكون المثال الذي ضربناه على أن المطر ينزل من السماء شاهد على خطأ في القرآن نفسه، فلعل محمد ظن بأن المطر نزل من تلك السماء الأولى المتخيلة، و الجواب عن هذه الشبهة نقدمه من القرآن نفسه، فهو يصف لنا كيفية نزول المطر بدقة، و يثبت بأن المطر ينزل من السحاب، حيث يقول تعالى " ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله و ينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء"، فالآية واضحة وضوح الشمس، بل و تحمل معلومة لم تعرف إلا بعد تطور آليات البحث العلمي، فمن يلحظ أن السحاب الذي يتسبب في نزول المطر متراكم؟ و يسمي العلماء ظاهرة التراكم هذه cumulus. من هنا فليس المقصود بالسماء، الطبقة الأولى من السماوات السبع بل تأتي بمعان مختلفة، و في الغالب بمعنى الكون و الفضاء، لننظر الآن في الآيات الدالة على إعجاز القرآن الكريم، مستحضرين المناخ الفكري الذي جاء فيه القرآن و كذلك التطور التكنولوجي الذي كلف بلوغ هذه الحقائق العلمية. سنضرب ثلاثة أمثلة على إعجاز القرآن الكريم، و كل آية من هذه الآيات كفيلة بأن تجعل المرء يعيد النظر في معتقداته، إن كان من أهل التجرد و الموضوعية، بل إن آية من هذه الآيات لحري بها أن تجعل المرء يؤمن بأن النبي محمد كان موصولا حقا بخالق هذا الكون، فرجل أمي لا يمكن أن يأتي بهذه الحقائق. 1- توسع الكون : لقد كان الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية أن المادة أزلية، و قد ألف صادق جلال العظم مثلا من المفكرين العرب كتابا يثبت فيه أزلية المادة، لكن العلم جاء لينقض هذا الادعاء، و أثبت أن العالم بكل أبعاده الزمانية و المكانية مخلوقة و لها بداية، و قد تشكل العالم إثر انفجار عظيم، ليس هذا فحسب بل إن العلم الحديث اكتشف أن الكون في توسع، و قد تبين العلماء ذلك بعد أن لوحظ تباعد المجرات عن بعضها البعض، و مثلوا لذلك بنقط موضوعة على بالونة، فلو قمنا بنفخ هذه البالونة سنرى أن هذه النقط تتباعد عن بعضها البعض، و قد حصل العالمان المكتشفان لهذه الظاهرة جائزة نوبل لسنة 2011 . و قد ذكر القرآن هذه الحقيقة بكل وضوح حيث قال : " و السماء بنيناها بأيد و إنا لموسعون". 2- الدخان الكوني تحدث القرآن الكريم عن وجود دخان في بدايات تشكل الكون، و قد اكتشف العلم الحديث بقايا هذا الدخان، لكن سماه في بادئ الأمر "غبار كوني"، و هكذا كان بعض الملحدين يشغبون، و يقولون أن هناك فرق بين "الغبار" و "الدخان"، لكن استطاع العلم الحديث أن يصحح هذا الخطأ، يقول العالم الذي أشرف على تحليل هذا الدخان من وكالة "ناسا" : "إن هذه الجزيئات التي كنا نسميها غباراً كونياً لا تشبه الغبار أبداً، وإذا أردنا أن نصف بدقة فائقة هذه الجزيئات فإن أفضل كلمة هي كلمة (دخان) وباللغة الإنكليزية تعني Smoke ". وقد ورد في القرآن الكريم : "ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ ".