اعتبر الفلاسفة أن التاريخ بشكل عام عبارة عن حركة جدلية تتجلى أساسا في ظهور فكرة أو رأي أو قضية مضادة للأولى و تنقدها ثم بذلك تكون نتيجتهما الحتمية إما اندماج القضيتين أوقضاء إحداهما على الأخرى ليكون بذلك التاريخ عبارة عن سلسلة من الثورات بشكل من الأشكال في إطار استمرارية. وحيث أن الطبقات في الأنظمة الاشتراكية هي محور النظام الاجتماعي و أن مقياس التفرقة بين طبقة و أخرى يقوم على أساس الانتاج، فهناك دائما طبقة مستغلة و أخرى مستغلة، و الصراع لابد منه بين هاتين الطبقتين لأنه قوام حيوية و تقدم المجتمع؛ غير أن هذه النظرية كان هذه النظرية كان من أبرز الانتقادات الموجهة إليها غياب طبقات متوسظة، و يبدو أن من آمن بالنظرية دون النظر إلى جزئها الناقص ظل لعقود يجانب حقيقة الواقع الطبقي للمجتمعات و طريقة تدبير التنافس حوله. والمنافسة في العادة تأخذ مظهرا سلميا حتى إذا ما تغير الوضع و أحذت مظهرا عدائيا سميت صراعا و ذلك عندما يصبح المقصود منها ليس الشيء موضوع المنافسة فحسب ، بل أيضا الرغبة؛ و تتميز المنافسة بسيادة العامل الشخصي عند المتنافسين و الرغبة في التشفي، و تتدخل العاطفة بشكل واضح ثم تتحرك إلى شعور بالغضب و الكراهية، و لعل المتتبع لمجريات أحداث التنافس الانتخابي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يقف على مجموعة حقائق تعتبر توصيفا للحالة الحزبية بتيار اليسار بالمغرب، فالخلاصات الأولية لانتخاب الأستاذ ادريس لشكر كاتبا أولا للحزب خلفا للسيد عبد الواحد الراضي، أظهرت و أبانت أن الكاتب الأول الجديد غير مرحب بنجاحه أو ربما به هو شخصيا لما ناله من تعليقات و انتقادات صبت كلها في التشكيك في نجاحه و في حالات كثيرة عبر السخرية. قد يكون الأستاذ ادريس لشكر ينتمي إلى الطبقة المفقودة في حلقة المرجعية الاشتراكية و التي كانت تعتبرها يوما الطبقة البورجوازية عاملا من عوامل الانتاج بل عاملا مكملا و مؤثثا للصورة اليسارية بالمشهد السياسي المغربي؛ و لعل أغرب ما سيتذكره المواطن المغربي من الذكريات السياسية خلال سنة 2012 ، هي انكشاف الصورة الحقيقية لعينات لطالما أوهمت الشعب المغربي بأنها منه و إليه و أنها وجدت لتكريس المساواة بين المواطنين و إن اقتضى الحال عبر صراع طبقي قد ينتج ثورة ما. إن سماح شخصيات اتحادية لأهوائها الشخصية بربط فوز مناضل اتحادي بقيادة الحزب، بالاستقالة من الحزب تعبير قوي على التجزيئ الكبير للديموقراطية في مفهومها الصحيح الذي اعتقدوا لعقود أنهم يؤسسون له بالمغرب عبر مرجعية لم تكن إلا بورجوازية احتكارية تؤمن بالبقاء بالبرج العاجي و استكمال الصورة بالأخرين. وحتى بالابتعاد عن التحليل السياسي العميق لما يعرفه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من خلال التصريحات و المواقف المستاءة من فوز الأستاذ ادريس لشكر إلا تعبيرا على النظر إلى الجزء الفارغ من الكأس الذي يصور الديموقراطية على أنها كل متقاسم لكنها في زاقع الأمر كل سمحوا لأنفسهم أن يجزؤوه؛ فالطبيعي في الحلقة التي فقدت في بوصلة التائهين عقب فرز النتائج هي أن الفائز بالكتابة الأولى ليس إلا منتوجا اتحاديا خالصا لم تقطر به السماء على الحزب و لا هبط على رأس قيادته بالمظلة، فالرجل كما في أبجديات اليسار شق طريق و عرا عبر كل هياكل الحزب من القاعدة إلى القمة؛ فكيف قبل بالمناضل مرشحا منافسا على مقعد الكاتب الأول، و رفض كاتبا أولا؛ شيء طبيعي أن الأطراف الأخرى كانت تعتبر فوزها أمرا محتوما لكنها في واقع الأمر لم تستوعب جدول الضرب الجديد الحافل بتحولات الطرفية التي أفرزها الحراك و الذي كان جزء كبير منه ينتمي إلى العائلة الاتحادية. قد يقول المرئ بالشيء و هو لا يؤمن إلا بنقيضه ، فيتيه بين مفهومي السياسة إما بمعنى الفضيلة و إما بمعنى المكر و الخديعة و كلاهما تعبير واقعي عن مفهوم السياسة بأخلاق و السياسة بدون أخلاق؛ فرغم تغير المجتمع المغربي في مختلف المجالات، إلا أن المرتكزات الجوهرية لنخبة من طينة معينة ظلت ثابتة تواجدا و ممارسة و لم ترغب في الايمان بأن الثقافة القائمة على العلاقات الخاصة و التبعية و الخضوع و إقصاء كل معارض لتوجهاتها و مهدد لمصالحها، هي ما يحرم التجربة من مراكمة الجهود و من ترسيخ ممارسة حزبية ديموقراطية. إن ظاهرة شخصنة الأحزاب و اختزالها في شخص أو ثلاثة كمركز و مرتكز لكل العمليات السياسية ، و أن الورثة هم المدافعون عن المشروع و حماته من الانشقاق و التصدع ، تجد اليوم نفسها أمام جدار منيع اسمه الديموقراطية الكل الذي لا يتجزأ و الذي يتطلب اعتقاد الجميع بأن السلطة مجسدة في هياكل الحزب لا في أشخاصه التاريخيين. في هذا الاطار أستذكر خطابا للمرحوم الحسن الثاني عند افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الثانية للبرلمان بتاريخ 11 أكتوبر 1985:" يحب أن تعلموا أن السياسة المغربية هي بيدنا يمكن في كل وقت و حين أن نقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، و نقف هنا، ولكن السياسة المغربية العالمية يجب أن لا تتسم بنزواتنا و خصوماتنا و أحلافنا، يجب أن نطرحها بإرادة و بكيفية علمية متجردة عن كل انتقام أو انعزال."