يخلص المتتبع الموضوعي والمحايد لأطوار متابعة السيد عمر محب في مقتل الطالب عيسى أيت الجيد إلى أن الملف تحكمت فيه اعتبارات سياسية بامتياز، ذلك أن ملف السيد عمر محب مخضرم بين حقبتين سياسيتين: عهد سنوات الرصاص و"العهد الجديد"، بل إن الملف يشكل الجسر الذي يربط بين "العهدين"، ويجسد استمرارية العقلية التحكمية في القضاء وتسخيره لتصفية الحسابات مع الخصوم والمعارضين السياسيين. فخلال مختلف مراحل الملف منذ 2006 أي بعد حوالي 13 سنة على حادث قتل الطالب وإلى حدود خريف سنة 2012 اجتهدت هيئة دفاع السيد عمر محب وأبلت البلاء الحسن مبرزة خلو الملف من عناصر المتابعة وكاشفة الخروقات الشكلية والقانونية التي طفحت بها المحاكمة؛ بل إن قرار المجلس الأعلى الأخير لم تحترمه غرفة الجنايات الاستئنافية الذي كان سيفضي لإسقاط ملف المتابعة بسبب التقادم. في الواقع، أشفقت لحال الأستاذ حسن هاروشي عضو هيئة دفاع السيد عمر محب أثناء عرضه عبر تسجيل مرئي أطوار الملف وتذكرت المقولة الساخرة: "لمن تحكي زابورك يا داود؟"، القضية محسومة يا أستاذ والإدانة مطلوبة، وإذا لم تسعف الحجج والأدلة لا ضير من فبركتها، وإلا، ألم يكن قرار المجلس الأعلى واضحا وقرارته ملزمة؟ فكيف تخرق قراراته من طرف هيئة قضائية أدنى؟ ولماذا تم التواطؤ على هذا الخرق السافر للقانون؟ أذَكر الأستاذ حسن هاروشي ومن خلاله السادة الأساتذة أعضاء هيئة دفاع السيد عمر محب وسائر السادة المحامين الفضلاء المؤازرين في الملفات الحقوقية لضحايا التعسف المخزني بقولة للأستاذ المرشد عبد السلام ياسين حفظه الله أثناء استقباله لتمثيلية من قطاع محامي العدل والإحسان إبان انطلاق مسلسل المتابعات القضائية ربيع 2006، حيث نبه إلى أن معركتنا الجماعة مع المخزن ليست قانونية تتطلب إلماما بالمساطر والقوانين ومهارة في الترافع والمحاججة، بل إنها قضية سياسية يسخر النظامُ القضاءَ ويورطه فيها. وعليه، فما يبله السادة المحامون الأستاذان حسن هاروشي وسعيد بوزردة نموذجين من مجهود لكشف الخروقات والتناقضات التي بموجبها تصبح متابعة السيد عمر محب باطلة تفيد ولا شك في تنوير الرأي العام وإشاعة ثقافة قانونية وفضح زيف شعار استقلالية القضاء، ليس إلا. ذلك أن رأس الجماعة هو المطلوب؛ فمثلما طُلب في ملف وجدة حيث توبع إثنا عشر طالبا من فصيل العدل والإحسان بدم طالب كذبا وزورا وقضوا في "ضيافة" المخزن 18سنة من ربيع أعمارهم، وطُلب رأسها في ملفات "التجمعات غير القانونية" التي لم ترددت هيئات قضائية كثيرة في الحكم ببراءة المتابعين، واكتفت بقية الهيئات بالغرامة المالية، تتجدد المطالبة برأسها من خلال ملف السبعة بفاس حيث تم اختطاف قياديي الجماعة ل"تستضيفهم" الفرقة الوطنية أياما قصد تثبيت "istaller" برامج المخزن الجديدة في التعامل مع المعارضين، قبل عرضهم على نظر المحكمة بتهمة الاختطاف والتعذيب، ثم استهدفت الجماعة فيما يشبه الاستدراك من خلال اختطاف الأستاذة هند زروق منسقة أهالي مختطفي فاس وفبركة ملف الخيانة الزوجية، حتى إذا ضاقت بالمخزن السبل استدعى ملفا من أرشيف "منجزاته" وحرك ملفا طاله التقادم قانونا، لكنه ما يزال صالحا للتوظيف مخزنيا، فزج بالسيد عمر محب في السجن لَيّاً لذراع الجماعة في محالة يائسة للإخضاع، وأنى له ذلك. أبعْد هذه الكرونولوجيا لخروقات المخزن في حق جماعة العدل والإحسان يستقيم الحديث عن استقلالية القضاء وإصلاح منظومته التي تزامن إطلاقها مع محاكمة من اتهم بتسريب معلومات عن نهب المال العام بوزارة المالية وتلكأت النيابة في فتح التحقيق مع المتهميْن المباشريْن بالنهب؟ وأخيرا، ما دلالة إصدار وزير العدل والحريات قبيل أيام مذكرة للسادة الوكلاء العامين ووكلاء الملك تقضي بعدم متابعة أشخاص في ملفات تقادمت؟ أليست مسطرة التعامل مع الملفات المتقادمة منظمة قانونيا؟ ما الغاية من هذا التذكير وفي هذا التوقيت بالذات؟ ترى من المقصود حمايته من المتابعة بملفات تقادمت؟ ثم أليس ملف السيد عمر محب كذلك، أم أن التقادم يسري على ملفات معينة وينتفي على ملفات أخرى؟ وما هذه الانتقائية المقيتة في تطبيق القانون؟ واضح أن للمخزن معاييره وفلسفته التي تلخصها مقولة: "ولو طارت معزة"، لذلك وجب الهمس في أذنه: أيها المخزن، اعمل ولفق التهم وفبرك الملفات وناور كما شئت، أما الجماعة فمتمسكة بنهجها، ماضية في دعوتها، موقنة في موعود ربها، أن بعد العسر يسرا، وأن بعد حلكة ظلام ليل الاستبداد فجر العزة ونور الحق. "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" صدق الله العظيم.