مؤلم هذا المشهد، سفينة أشبه بحصان طروادا تحاول "غزو" الأراضي المغربية، من أجل نجدة طغمة من اللواتي وقعن في الخطأ، ومن يحاولن التهرب من "الفضيحة" والتخلص من الأجنة، وفجأة يتفجر النقاش مجددا حول الإجهاض، وينقسم الوطن إلى فريقين، مناصر ومناهض، وتُحمل الرايات إلى الشوارع العمومية ويبدأ الكل في إبداء وجهات نظر، أشبه بالسوق أحيانا، صراخ دائم وحوار الطرشان، الكل يسمع فقط ما يقول، ولا يستطيع سماع الآخرين بسبب الضوضاء، في انتظار يوم ما، قد يأتي وقد يندم على التفكير في المجيء، يوما ما يستطيع هذا الشعب تنظيم ذاته في نقاشات عمومية متحضرة وبناءة... لكن لا يمكن وضع البيض في سلة واحدة، باستدعاء موضوعية واهمة ومبتذلة، وقبل الانتقال إلى تفكيك معطياته، أبقى على ظهر السفينة، لأراها قد حققت إحدى الغايتين، فالسفينة لم تكن ترى في نفسها قادرة على خلق "معركة بدر" مع المغاربة، بقدر ما كانت تنوي استفزاز ما يعتبره الصديق العلماني "طابوها" يجب استفزازه، وحتى وإن لم نكن مؤمنين بنظرية المؤامرة بشكل مطلق، لكن لجمعياتنا الحقوقية وجمعيات الدفاع عن الحريات الفردية يد طولى في علاقاتها الخارجية، لا تستبعد إذن دعوة من هؤلاء لسفينة "الإنقاد"... والمعطى الثاني في مسرحية السفينة، يكمن في هذا التناقض الذي يظهر ويختفي، مشابها لثعلب محمد زفزاف في روايته، لكنه صار جليا في خطاب جمعيات حقوقية وهيآت يسارية وعلميانية، تكاد لا تعفي أوتار حناجرها من اللغو في كل ما له علاقة بالحق في الحياة، باعتبارها ذروة القداسة، إلا إذا تعلق الأمر بالإجهاض، هنا يصبح مباحا، والرجعية فقط هي التي تلجأ إلى نقده وانتقاده ورفضه، والسند في تبرير إباحيته يكمن في كونه تتمة وتكملة في الدفاع عن الحريات الفردية، وبالذات الحرية الجنسية، هذه الأخيرة يؤدي ترك حريتها المطلقة إلى تزايد أرقام الأمهات العازبات، وأعداد المقبلات على الإجهاض، فكيف سيدافع الصديق العلماني عن الحرية الجنسية دون الدفاع عن حرية التخلص من النتائج السلبية لهذه الحرية ؟، ثم صدق تعبير بليغ لأحدهم، حين اعتبر أن "اللبراليين" لا يريدون حرية المرأة، بل حرية الوصول إليها"، وهو ما ترجمته الأفعال، والبرامج السياسية على الأرض، في يوم ما انطلقت الدعوة من نقد الواقع، ورفض ما توجد عليه المرأة من حيف، وهو حق أريد به باطل، ثم تحول إلى الدفاع عن حقوقها، وبعدها حريات واسعة طالت حتى ما يناقض الشريعة الإسلامية كالمساواة في الإرث، لتبلغ ذروتها يوم بدأت الدعوة إلى الحرية الجنسية !!!!!!! يحتاج موضوع الإجهاض إلى العمل على العديد من الأصعدة، يبدأ من تدقيق المعطيات، وتحديد الأرقام باعتبار 600 حالة في اليوم رقما جزافيا، لم ينبني على دراسة دقيقة، وكان محكوما بسياقات معينة، أريد خلالها تمرير العديد من القوانين في مجالات الأسرة والتضامن، بصبغة معينة، وحتى حين تم استدراج الرقم إلى دائرة النقاش كانت الصيغة المعتمدة تبني الفعل "يُعتقد" إلى المجهول، باعتبار أن الوزارة الوصية على قطاع الصحة لا تتوفر على آلية لمراقبة الإجهاض السري. بعد تدقيق المعطيات والانتهاء من الوصف الدقيق يحتاج المغرب إلى تدبير تنوعه الإديولوجي والسياسي في حوار وطني هادئ، بعيدا عن الانتهازية واللجوء الجبان إلى المنظمات الدولية وتقاريرها في الضغط قصد تمرير القوانين... لقد أعادت السفينة طرح الاسئلة عن موضوع الاجهاض، لكنها في مقابل ذلك أعادت طرح الأسئلة حول طريقة تدبير الأقطاب السياسية والمدنية لملفات عديدة مختلف بشأنها، خاصة تلك التي تخص الهوية والقيم، وهو ما يعيد إلى الأذهان الصراعات التي عرفها الشارع المغربي كتلك التي صاحبت "خطة إدماج المرأة في التنمية"، وهي دورات من التدافع أثبتت أن الاحتكام إلى الشارع أو الضغط بالمنظمات الدولية اسلوبان لا يسهمان في التوافق بقدر ما يوسعان الفجوات ويزيد من التقاطبات، وبالتالي والضرورة يعني أن ملفات الاختلاف الحاد تحتاج إلى آليات جديدة، تسهم في تنمية الوعي السياسي وتوسع من إشراك مختلف الشرائح، بحوارات وطنية بعيدة عن لغة الخشب. [email protected]