انطلاقا من مقتضيات الدستور الجديد ( التصدير الفقرة الثانية، الفقرة الرابعة الالتزام الثامن، الباب الأول أحكام عامة الفصل الأول الفقرة الرابعة والفصل الخامس) يتبين اعتماد التعددية اللغوية من خلال أربع مستويات متباينة : الرسمي (التمثيلية الدولية : العربية و الأمازيغية)، الوطني (التراب الوطني: العربية المغربية و الأمازيغية المغربية)، الجهوي (التراب المحلي: الجبلية، الحسانية، التريفيت، العروبية، التشلحيت،التمازيغت،المدينية، العريبية) و الدولي (اللغات الأجنبية: الفرنسية، الانجليزية، الاسبانية، الايطالية، الهولندية...). سينتج عن هذه المقتضيات التحاق المغرب بمصف الدول ذات التعددية الرسمية و الدستورية على شاكلة بلدان مثل سويسرا، الهند، كندا و بلجيكا. سينتقل إذن المغرب من بلد أحادي اللغة إلى بلد مزدوج اللغة ذو هوية مزيجة. فلغة الدولة لا ترتبط بلغة بعينها أو بمجموعة معينة ولكن بالمجموعات التي تتعايش داخل ترابها. النسق الجديد للتعددية في حقل ذا أهمية قصوى مثل العلاقة بين اللغة والحياة الاجتماعية، يبدو أن الدولة تمتلك السلطة و الوسائل للانتقال من التخطيط إلى التنفيذ الواقعي للاختيارات السياسية (الوظائف والوضعيات الاعتبارية للغات).في هذا الصدد يتمثل دور الدولة في اعتماد الإجراءات المناسبة لتدبير التعدد اللغوي داخل نفس اللغة وبين اللغات المختلفة. من الأهداف المباشرة لهذه الإجراءات تحقيق فعل على اللغات والثقافة من قبيل إصلاح الكتابة، تقويم المصطلح، المعيرة، التقنين، اختيار الثقافة و اللغات الرسمية و الوطنية، استرجاع والمحافظة على جميع أشكال الثقافة المحلية،.... إن استمرارية حالة التنوع الثقافي و التعدد اللغوي ليست رهينة بالأوضاع الثقافية و اللغوية بل تحكمها عوامل غير بنيوية مثل المقومات الاقتصادية و الموارد المالية التي تتوفر عليها الدولة لتفعيل التعددية و التنوع. إن ترسيم التعددية و التنوع من طرف الدولة يمكن من ترسيخهما ولا يلزمها المساهمة فيهما و تحملهما ( مثال دولة الهند التي تعترف دستوريا بلغات الجهات دون تحمل أعباء تقعيدها و تقنينها) لهذا فإن التدبير الحكومي يمكن أن يتعارض مع المشاعر اللغوية والثقافية للمجموعات و الأشخاص ذلك لأن تحليل الأوضاع الثقافية و اللغوية مرتبط بالاختيارات الممكن تطبيقها. تطرح إذن السياسة الثقافية و اللغوية إكراهات المراقبة الديمقراطية التي تنتج عنها مفارقة بين ا لتحليل الحكومي للحالات و التحليل العفوي للمجموعات. الجهوية اللغوية والثقافية أولا يمكن الإقرار بأن الازدواجية الرسمية سوف تهم اللغات المعيارية ولن تأخذ بعين الاعتبار اللغات الأم. لهذا وجب تسريع مسلسل تقعيد و معيرة اللغة الأمازيغية. في المقابل سيقتضي تقنين التنويعات اللغوية المحلية سياسة ترتكز على تقسيم جهوي لغوي و ثقافي تتبوأ من خلاله هذه التنويعات (الريفية، الجبلية، الحسانية، العروبية،الشلحة،العريبية،المدينية،الزيانية ) دور لغة التواصل المؤسساتي داخل الترابات الجهوية. إلا أن هذا النوع من التدبير لا يمكن تحققه إلا عبر إنشاء و خلق أكاديميات محلية لتشجيع و تأهيل الثقافة والتنويعات اللغوية الجهوية. وستظل العربية و الامازيغية - اللغتين الرسميتين- لغات الدولة المركزية و لغات التواصل بين مختلف الجهات. كما تتشكل هويات الجهات المرتقبة في مشروع الجهوية الموسعة عبر حدود لغوية ( انظر، سعيد بنيس 2011) تسهل اندماجها وتفاعلها مع اللغات الرسمية للدولة على اعتبار أن هذه الأخيرة ستعتمد مبدأين أساسيين هما مبدأ الحياد اللغوي و مبدأ ترابية الهوية. في هذا الخضم يمكن أن نطرح عدة تساؤلات منها: - إلى أي مدى يمكن للمقتضيات الدستورية و المؤسساتية الراهنة أن تغطي و تستجيب لمكونات السوق الثقافية و اللغوية المغربية و الرقي بالتوجهات الإستراتيجية للبلد؟ - كيف يتمثل الفاعلون المؤسساتيين و الاجتماعيين اللغات الأم و الثقافات المحلية كعنصر من عناصر المسألة الاجتماعية و السياسية؟ - ماهي السياسات المرتقبة فيما يتعلق بالخدمات العمومية (التعليم، الإعلام، الثقافة، التأطير الإداري، ...) لتدبير العلاقة بين الجهات اللغوية و الثقافية والجهات المعتمدة في إطار مشروع الجهوية الموسعة؟ تجدر الإشارة إلى أن التحقق الفعلي للسياسة اللغوية للدولة رهين بالتكامل بين السياسة الثقافية و التدبير اللغوي الذي سطر له دستور 2011 في الفصل الخامس من الأحكام العامة للباب الأول مدخلا عبر إحداث المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية. هل سيتوجب إرساء أسس جديدة لإعادة بناء المشهد اللغوي والثقافي المغربي أم الشروع في تفعيل القوانين للبث في التدابير اللغوية و الثقافية المنصوص عليها في الدستور الجديد؟ الشرط اللغوي والثقافي للجهوية الموسعة تجدر الإشارة إلى أن الشرط اللغوي والثقافي يرتبط بتدبير التعددية و التنوع من خلال صيرورة تمفصلات المأسسة و الدسترة التي من نتائجها إقرار: * شرط الترابية اللغوية(territorialisation linguistique) التي ستمكن من رسم حدود الجهة على أسس لغوية و ثقافية وتساعد كذلك من نزع و إفراغ بعض التوترات الثقافية و الهوياتية من محتوياتها * شرط ثنائية الجهوي و المحلي كمقومات للديمقراطية: يرتهن هذا الشرط بالاعتراف بالتعددية اللغوية و التنوع الثقافي والتدبير الاستراتيجي الجهوي الذي يرتكز على مقولة أن التنمية الاقتصادية و الاجتماعية تمر أساسا باللغة و الثقافة * شرط تفاعلية الاندماج المحلي بالاندماج الوطني: ستمثل الجهوية الموسعة مقاربة كيفية لتدبير الدينامية الهوياتية بالمغرب * شرط إعمال الاختيارات التربوية التي تتلاءم مع تطلعات الجهة في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و البشرية : بالإضافة إلى اللغتين الرسميتين، يمكن للجهات خلق معاهد اللغة و الثقافة المحلية وأن تختار لغتها المحلية و الأجنبية (مثال جهة الصحراء التي ستتبنى إضافة للحسانية الاسبانية كلغة أجنبية أو جهة الريف التي يمكنها ان تدمج الهلندية أو الالمانبة إلى جانب الريفية، ...) * شرط الخصوصيات اللغوية والثقافية الجهوية كعناصر أساسية في التقطيع الترابي: وذلك عبر الانتقال بالجهة من جهة ذات هوية تقتصر على ثنائية اقتصادية و إدارية إلى جهة متعددة الأبعاد ( لغوية، ثقافية،تاريخية ورمزية) تحتضن وحدات ذات استقلال اقتصادي و إداري في شكل عمالات و أقاليم. من هذا المنظور، يمكن أن نسوق مثال جهة جبالة التي يمكن أن يغطي ترابها عمالات طنجة و تطوان و إقليما العرائش و وزان، ... *مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية إحالة: Bennis, Saïd 2011 : Territoire, région et langues au Maroc. Le cas de la région linguistique du Tadla. Ed. Imprimerie Lina- Editions, Rabat, 173 pages.