لا ندري هل ما قاله القيادي الاستقلالي ووزير التربية الوطنية السيد محمد الوفا، هو ما كان جاري به العمل داخل الأحزاب السياسية المغربية عامة وحزب الاستقلال بشكل خاص، أم أن الأمر محض صدفة أو محاولة اقترفها محمد الوفا لإقحام الملك في الشأن الداخلي لحزب علال الفاسي آملا في الحصول على منصب الأمين العام لأقدم الأحزاب المغربية؟. بالعودة إلى كلام محمد الوفا المنشور على صفحات الجرائد، والذي تناول فيه مضمون المكالمة التي أجراها مع الملك، طالبا وراجيا منه أن يأذن له من أجل الترشح لمنصب الأمين العام لحزب الاستقلال، أن السيد الوزير يصر على ضرورة أن يأذن له الملك من أجل الترشح لمنصب الأمين العام، إذ قال" نعم لقد اتصلت بالملك لأن الأعراف والقيم المغربية تفرض علي ذلك، وأفضل أن يعلم مني الملك مباشرة من أن يعلم ذلك من الغير". لا نفهم لماذا يحتاج قيادي حزبي لإذن من الملك لكي يترشح لمنصب أمين عام حزب سياسي، ألا ينضبط الحزب للوائحه الداخلية وقوانينه التنظيمية وديمقراطية أعضائه؟ فهل حزب الاستقلال حزب للملك حتى يحتاج احد أعضائه لرخصة ملكية للترشح؟ وهل لدينا في المغرب منصب المرشد العام للدولة الذي لا يسمح لأي صغيرة ولا كبيرة بان تقع دون علمه أو إذنه؟. كل هذه الأسئلة وغيرها، لا يمكن لأحد أن يجيب عنها، ماعدا المعنيين بالأمر، ونقصد بالمعنيين بالأمر هنا، الأحزاب السياسية المغربية والقصر الملكي، لأننا نجزم بأن وضعا حزبيا على هذه الحال لا يمكن أن ينتج لا ديمقراطية ولا إنتقالا ديمقراطيا، وإنما يسهم في تأزيم المشهد السياسي وتعميق الهوة بين المواطن وبين أحزاب تدور في فلك السلطة وتأتمر بأوامرها. فمن يقرأ التصريحات التي أطلقها قادة حزب الاستقلال مؤخرا، لا يمكن له إلا أن يخرج بخلاصة تحرض على العزوف عن الأحزاب السياسية والكفر بالسياسة والساسة المغاربة. وحتى لا نستغرق في العموميات يمكن أن نستدل للقارئ بهذا المقطع الذي جاء على لسان محمد الوفا، الوزير المسؤول عن تربية أبناء المغاربة، لقد قال" "توصلت بمكالمة هاتفية من السيد عباس الفاسي يقول لي أن جلالة الملك كلمه الآن، وقال له (أنا معنديش مرشح للأمانة العامة، وأنا معنديش علاقة بهذا الموضوع)، فكان جوابي فورا على عباس الفاسي أن جلالة الملك لا دخل له في هذا الموضوع، وإن جلالة الملك منزه على ما تقوله، فرد علي عباس الفاسي بأنني قلت له (أنا مرشح تاع جلالة الملك)، فقلت له أنت كذاب، فرد علي بأنه سيستدعي اللجنة التنفيذية، فقلت له إذا استدعيت اللجنة التنفيذية سأقول لها حقيقة الموضوع، منذ انطلاقه إلى غاية هذا الحوار معك." فهل يصلح، من يصدر عنه هذا الكلام، لأن يكون وزيرا للتربية الوطنية، وهل قادة حزب سياسي بهذا المستوى الهزيل في التخاطب، يصلحون لقيادة الشعب المغربي؟ وعندما نطرح هذه الأسئلة على حزب الاستقلال وقادته فإننا نطرحها أيضا على أغلب الأحزاب المغربية. إن إقحام الملك في الأمور الداخلية للأحزاب وفي السياسات اليومية، التي هي من اختصاص الحكومة، لا يمكن أن يجلب للمغاربة إلى المزيد من النكوص والارتداد نحو خلف الديمقراطية والانتقال الديمقراطي وبعث روح سنوات الضياع والتيه وإهدار الزمن السياسي، ومن تم تكريس اللامبالاة التي تنتج بدورها هدوءا غالبا ما يسبق عاصفة والتي تأتي، في الأعم، على الأخضر واليابس أو تأتي فقط على اليابس وتترك الأخضر، تأتي على اليابس وتودعه السجون أو تقتله عبر المشانق، وتترك الأخضر ينتعش ديمقراطيا ويؤسس لمستقبل أفضل. بالأمس القريب( قبل أشهر)، قرأنا وسمعنا خبرا غريبا يصب في نفس المسعى الذي نحن بصدده، مضمون الخبر عبارة عن رسالة من أعضاء مجلس المستشارين يطلبون فيها من الملك ويتوسلون إليه من أجل الإبقاء على مجلسهم (مجلس الشعب في الأصل) وعدم تجديده كما ينص على ذلك الدستور، فالأخير ينص في فصله ال 176 على " إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان، المنصوص عليهما في هذا الدستور، يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحياتهما، ليقوما على وجه الخصوص، بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين" وهو ما تم بالفعل فيما يتعلق بمجلس النواب، وكان من المفترض أن يتم بخصوص مجلس المستشارين. إلا أن السادة مستشاري الشعب كان لهم رأي آخر عندما أرسلوا توسلا للملك لكي لا يحل مجلسهم، بدعوى أن لديهم أبناء في المدارس وديون ونفقات لا طائلة لهم بها في حالة حل المجلس، وبالتالي يجب الإبقاء على مجلس المستشارين الذي يتكون من أكثر من 270 مستشارا بدل 90 مستشارا الذي ينص عليهم الدستور الحالي في الفصل 63، أي بفارق 180 مستشارا. وهو ما يكلف ميزانية المغاربة أكثر من 650 مليون سنتيم في الشهر. ويسألونك عن الحكامة الجيدة قل موطنها المغرب، ويسألونك عن الأحزاب المغربية قل هي للأوامر منتظرة وشعارها "إئذن لي ولا تغضب علي، فإذنك يوصلني إلى منصب الأمين العام وغضبك عن الأمانة العامة هو مانع".