حينما يتكلم السفهاء والمرجفون في الأسواق نلتزم فيهم قول الله عز وجل: (وأعرض عن الجاهلين). وحينما يتكلم أهل العلم نسمع لهم ونجيبهم ونسلم لهم حقهم في الحوار والنقاش، لأن الحوار بين أهل العلم أمر ضروري وطبيعي، أما الانتقادات التي تصدر من غير العلماء فهي لا تصدر إلا من جاهل أو فاسق يريد إباحة الحرام وتطبيعه في المجتمع. وقد اطلعت على تصريح للفقيه السيد محمد التاويل ذهب فيه مذهب التحريم للاستمناء الذي كنت قد صرحت بإباحته وقلت فيه بقول طائفة من أهل العلم من السلف والخلف، وطالبني بالدليل على الإباحة كما ورد في التصريح وقد أجبته إلى طلبه، وإن كانت القواعد تقتضي المطالبة بالدليل على التحريم لا على الإباحة التي هي الأصل. فقلت إن الاستمناء هو استنزال المني بدون جماع ويكون من الرجل ومن المرأة، ويسميه الناس (العادة السرية) وهو غير محرم لأنه ليس بزنا، وإنما هو مس الرجل فرجه أو مس المرأة فرجها كما قال ابن حزم وليس ذلك بحرام، وأجازه الإمام أحمد وقال إنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة وأصله الفَصْد والحجامة، يعني أن استنزال المني مثل استخراج الدم من البدن فكل منهما يلجأ إليه الإنسان للتخفيف عن جسده وترويحه، وكل ذلك جائز، وأباحه ابن عباس والحسن وبعض أئمة التابعين، وقال مجاهد كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك، وقال الحسن كانوا يفعلونه في المغازي، وذهبت طائفة أخرى إلى تحريمه مستدلين بقول الله عز وجل: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وقالوا إن الله أمر بحفظ الفروج إلا من الزوجة والأمة، فإذا جاوَز المرء زوجته وأمته واستمنى بيده كان من العادين، وهو استنباط ضعيف لا يقوم دليلا مقنعاً على ما ذهبوا إليه، لأن المفهوم من نصوص القرآن والسنة الآمرة بحفظ الفروج هو النهي عن الزنا فتارة يذكره القرآن بحفظ الفرج كما في قوله سبحانه: (والحافظين فروجهم والحافظات) وتارة يذكره باسمه الصريح فيقول: (ولا تقربوا الزنا) أو يقول: (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون). والاستمناء لا يسمى زنا ومن استمنى بيده لا يعتبر خائناً لزوجته والمرأة إذا استمنت لا تعتبر أيضاً خائنةً لزوجها، والإشارة في قوله تعالى فمن ابتغى وراء ذلك، إلى الزوجة والأمة أي من طلب من النساء غير زوجته وأمته...الخ فالزوجة والأمة استثناء من النساء المحرمات، ومن استمنى بيده لا يكون مبتغيا امرأة سوى زوجته وأمته، كما أنه إذا استمنى بيد زوجته لا يكون قد أتى زوجته وأدى لها حقها الجنسي، بل إن الاستمناء يستعان به على حفظ الفرج من الزنا، ومن أجل ذلك ذهب الحنفية إلى القول بوجوبه إذا خاف المرء على نفسه من الوقوع في الزنا جرياً على قاعدة ارتكاب أخف الضررين.