بعد فوزه في انتخابات شبيهة باستفتاء شعبي٬ يواجه ماكي سال الرئيس الرابع للسنغال الذي أدى اليمين الدستورية الاثنين 2 أبريل الجاري٬ تحدي تحسين الأوضاع ببلاده التي تعد نموذجا للديمقراطية بغرب إفريقيا٬ والتي تتطلع إلى تحقيق نمو حقيقي يضمن ولوجها إلى مصاف البلدان الصاعدة. فبدءا بتحقيق إقلاع فلاحي إلى إحداث تغطية صحية٬ مرورا بتوفير الماء الصالح للشرب والكهرباء للجميع٬ وبين الحكامة الجيدة ومحاربة الفوارق الاجتماعية والفقر٬ تنتظر الرئيس السنغالي تحديات في ظل ظرفية سوسيو اقتصادية صعبة. فماكي سال الذي جاب البلاد منذ أربع سنوات في إطار حملة منظمة قادها بنفس طويل٬ واع بالانتظارات وتنوع الأوراش التي ينبغي عليه فتحها على وجه الاستعجال٬ حيث قال في أول تصريح له بعد إعلان فوزه بالرئاسة "إن حجم هذا الانتصار الذي يشبه الاستفتاء يعكس حجم انتظارات الساكنة٬ وأنا واع بذلك تماما٬ معا سننكب على العمل". وبالنظر لتوجهه الليبرالي٬ لن يتراجع ماكي سال عن الخيار الاستراتيجي لانفتاح الاقتصاد السنغالي الذي انطلق بقوة منذ تولي الليبراليين الحكم سنة 2000 بعد أربعة عقود من النظام الاشتراكي. ويتوخى مهندس الجيولوجيا البالغ من العمر 51 سنة٬ من خلال برنامجه٬ اعتماد إصلاحات٬ حيث حدد أولوياته على الخصوص في محاربة الفقر في بلد يعيش معظم سكانه البالغ عددهم 13 مليون نسمة تحت عتبة الفقر. ويعتبر خفض أسعار المواد الأساسية في هذا البلد٬ الذي لا يسير بشكل جيد كما أكد سال خلال حملته الانتخابية٬ في مقدمة الإجراءات التي وعد بتفعيلها. وإلى جانب النساء والشباب٬ يشكل العالم القروي أحد الأولويات الكبرى لماكي سال لوضع عجلة البلاد على طريق التنمية٬ فالعالم القروي ينبغي أن تخصص له استثمارات مكثفة بقيمة ثلاثة ملايير أورو. وحسب الرئيس الجديد فإن النموذج الاقتصادي للبلاد "ليس منتجا بما يكفي لتمكيننا من إحداث مناصب شغل وإنتاج الثروات الضرورية لتنميتنا". كما تمت برمجة استثمارات كبرى سترى النور من خلال بناء ستة أقطاب للتنمية الاقتصادية بفضل صندوق سيادي يخصص له 380 مليون أورو٬ لتعزيز إمكانيات المقاولات والصناعات ذات المؤهلات العالية (الإسمنت والبناء والأشغال العمومية والصناعة الغذائية والاتصالات والتأمين ...) إضافة إلى إيلاء اهتمام خاص لقطاع الكهرباء لتفادي انقطاعات التيار التي تكبل اقتصاد البلاد. وخلافا لسلفه عبدولاي واد الذي كان قد ركز خلال حملته على البنيات التحتية٬ فإن ماكي سال يشدد بشكل واسع على الجانب الاجتماعي. واقترح في هذا المجال إحداث صندوق مستقل للحماية الاجتماعية العامة تخصص له 183 مليون أورو لتأمين التغطية الصحية العامة٬ ومنحة السلامة العائلية يمول بشكل تام من مدخرات الدولة. وخلال حملته الانتخابية٬ تطرق ماكي سال كثيرا للحكامة الجيدة وتقويم المالية العمومية٬ حيث وعد بترشيد نفقات الدولة وإعادة توفير الإمكانيات للقطاعات ذات الأولوية. ولبلوغ ذلك٬ يعتزم ماكي سال إعادة النظر في الحكامة بشكل سريع لرصد اعتمادات مالية لهذه القطاعات٬ خاصة من خلال تخفيض ميزانية التسيير عبر تقليص التمثيليات الدبلوماسية للسنغال بالخارج٬ وتقليص عدد أعضاء الحكومة التي تضم حاليا حوالي أربعين وزيرا إلى النصف. وعلى مستوى المؤسسات والديمقراطية٬ وعد الرئيس الجديد بتقوية دستور الدولة وتحصين المقتضيات الضامنة لأسس الديمقراطية. كما التزم خلال حملته بتعديل القانون الأسمى للدولة لتقليص مدة انتداب الرئيس من سبعة إلى خمس سنوات مع حصرها في ولايتين متتاليتين. ويمكن القول بأن السنغال٬ بعد الانتخابات الرئاسية لسنة 2012٬ أكد تكريسه للديمقراطية بتناوب سلمي على السلطة حظي بإشادة كافة مكونات المجتمع الدولي. وإذا كان السنغال يشكل الاستثناء في غرب إفريقيا بتعاقب ثلاثة رؤساء على السلطة عن طريق الانتخابات٬ فإن الرئيس الجديد سيواجه رهانا حقيقيا يكمن في إرساء هذه الديمقراطية على أسس اقتصادية متينة من شأنها أن تحصينه ضد الأزمات٬ والتي غالبا ما يشكل الفقر والفوارق الاجتماعية مهدا لها.