منذ أن تولى السيد مصطفى الخلفي وزارة الاتصال التي هي وزارة الإعلام تخفيفا مع منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة، وكل هم الرجل منصب ومتوجه إلى ميدان الصحافة الإلكترونية ومحاولات ترويضها؟ في خطوة تثير العديد من التساؤلات حول سر الاهتمام الزائد بالصحافة الإلكترونية عوض الاهتمام بملف الصحافة ككل؟ سيما المناطق المظلمة وعلى رأسها مشكلة حرية الصحافة في المغرب ؟ و إشكالية متابعة الصحفيين و حبسهم كما هو حال مدير نشر يومية المساء رشيد نيني ،من دون أن ننسى أغرب قضية في العالم و هي حكم بالمنع على الصحفي علي لمرابط ل10 سنوات من مزاولة المهنة بالمغرب على ذمة قضية المقدسات ؟علما بأن الدستور الجديد لا يتحدث عن مقدسات ولا هم يحزنون على الأقل على المستوى الشكلي و الظاهري؟ ما يجعل سقوط الحكم على علي لمرابط مسألة تلقائية! لن نحاسب النوايا، ولكن بحكم تتبعي وانشغالي بملف الإعلام الوليد، والمقصود به الإعلام الإلكتروني. فإنني سأقف على عدد من القضايا الجوهرية و منها مستشرفا تجربة الوزير المتحمس للإعلام الإلكتروني أكثر من اللزوم، عبر الخلفية السياسية، ثم خلفية البنية التحتية للقطاع. لعل الكل يتذكر أنه منذ سنتين، حين كان حزب الأصالة والمعاصرة الحزب القوي بالبلاد وكان يتهيأ للتربع على كرسي الوزارة الأولى، فإنه أول ما فعل فتح نقاشا حول الإعلام والمجتمع، مع محاولة متدحرجة لتقنين و تسييج الصحافة الإلكترونية المزعجة! ثم بعد أن تولى حزب العدالة و التنمية رئاسة الحكومة وزارة الاتصال تحديدا، ها هو ذا يسير في الاتجاه نفسه مع تركيز واضح و غير مسبوق على الصحافة الإلكترونية؟ لعمله و إدراكه لأهمية الإعلام الإلكتروني و شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير و صناعة و استقطاب الرأي العام المغربي.ناهيك عن محالاوت سابقة للعم سام عبر سفارته بالرباط و مشتقاتها بعية التعرف عن قرب على الخارطة الإعلامية عبر الدعم و التكوين.. فهل يملك مصطفى الخلفي مقومات التجربة الإعلامية الكافية ما يؤهله لحمل لواء تنظيم و التنظير لهذا القطاع الشائك؟ و معها سؤال الرؤية الواضحة و الهدف ؟ ولا شك أن الخبرة تفرض نفسها سيما إذا كان المجال خصبا و يتميز بالعذرية القانونية و التنظيمية ! كما هو شأن التجربة المغربية و التي لا تختلف كثيرا عن باقي التجارب العربية الأخرى؟ السيد مصطفى الخلفي وإن شغل مدير نشر يومية التجديد المغربية فإنه يظل باحثا متحزبا أكثر منه صحفي أو إعلامي!و هنا لا بد من الوقوف على إشكالية بالأهمية بمكان، ألا وهي تعثر إعلام الحزب نفسه و معه حركة السيد الوزير، و التي أضحت في أدبيات الحزب الشفهية بعقدة إعلام الحزب ! فبالنسبة للحزب الذي يعد الوزير أحد قياداته و مدير حملاته الإعلامية أثناء الانتخابية البرلمانية و قبلها البلدية، فإن المفارقة العجيبة و بالمقارنة مع الحكومات السابقة يمكن وصفه في أنه أول حزب "حاكم" نسبيا يدير الحكومة و لا يملك يومية ناطقة باسمه! و هذا من أغرب المفارقات ! فكل الأحزاب التي تولت الوزارة الأولى كانت لها منابر يومية ورقية تنطق باسمها على غرار حزبي الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بل و بلسانين عربي و آخر عجمي فرنسي نتيجة الفرنجة اللغوية و السياسية بالمغرب؟ إلا حزب العدالة و التنمية الذي له باع طويل في التعثر الإعلامي. إذ على الرغم من المحاولات العديدة التي حاول فيها الحزب إنجاح أسبوعيته العدالة و التنمية ثم المصباح، سواء عبر التعاقد مع صحفيين من خارج النطاق الإيديولوجي و السياسي.. إلا أن النتيجة كانت هي هي: تعثر ثم إغلاق؟ و هو ما يجعلنا نقول كيف لحزب لم يستطع أن ينجح تجربته الإعلامية الأسبوعية و ليس اليومية بأن يتولى ملف إصلاح الإعلام في المغرب بكل تلاوينه السمعي البصري و الورقي و الإلكتروني؟ و أكثر من ذلك التنظير و التأطير للمجال الإلكتروني ؟ و حتى يومية التجديد اليومية الناطقة باسم حركة التوحيد و الإصلاح الحليف الاستراتيجي للحزب، و التي يتولى إدارتها الوزير الخلفي لم تكن أحسن حالا و توزيعا و لا أداء ! و يكفي أنها تصدر خمس مرات في الأسبوع إذ تجمع أيام الجمعة و السبت و الأحد في عدد واحد لا يتجاوز 12 صفحة؟ في أقصى الحالات لا تتجاوز مبيعاتها 4 ألاف نسخة ؟علما أن معظم اليوميات المغربية لا تقل صفحاتها عن 16 و هناك من تتعدى هذا بكثير مضيفة لها الملاحق الأسبوعية!ناهيك عن عدد النسخ التي تفوق 120 ألف نسخة؟ و على الرغم من محالاوت استقدام الراحل حسام تمام رحمه الله قبل خمس سنوات قصد إدخال تعديلات على اليومية، و التي لم تتجاوز تغيير الماكيت إلى الأحمر و الشكل من دون أن تمس الجوهر و المضمون الذي بدا جامدا. بحيث يصعب كثيرا على القارئ تحديد الهوية التحريرية للجريدة هل هي سياسية؟ أم دعوية؟ أم إخبارية؟ أم كوكتيلية؟ والظاهر أن الحزب عوض أن يستدرك مسألة الكبوة الإعلامية على المستوى الورقي ها هو ذا يفتح دهاليز الصحافة الإلكترونية ، بغية تقنينها و تسييجها. فما المراد من هذه الخطوة ؟ الجواب سهل و لا يحتاج إلى وقت طويل للإجابة : و هي ببساطة ترويض مارد الصحافة الإلكترونية عبر آلية التقنين و التنزيل إلى الأرض عبر قانون أرضي لتنظيم المجال أو بالأحرى للتحكم في مجال النشر الإلكتروني الفضائي، هذا ببساطة الهدف البارز من وراء عملية التقليم و التحجيم باسم التقنين و التنظيم للقطاع؟ ولكن هل الإعلام الإلكتروني قابل للتنظيم و للتقنين؟ ببساطة شديدة ففضاء الإعلام الإلكتروني عصي وغير قابل للتقنين إلا في حالة واحدة على الأقل في الحالة الراهنة، و هي حالة أن يكون للجريدة و الورقية موقع إلكتروني مواز، بحيث يعمل كل من القسم الإلكتروني و الورقي بتنسيق تحت سقف نفس الجريدة، و التي يكون لها المجال الورقي منظم تحت قانون النشر و الصحافة و فضاء متنفس إلكتروني من أجل مواكبة دينامية الإعلام الإلكتروني، و التواجد في الفضاء الجديد. و هكذا ، يمكن ضمنيا تمويل الموقع الإخباري عبر الموارد الأرضية من دعم مباشر و إشهار. وقد تتاح إلى درجة ما تطبيق ضغط مقنع و خفي عبر آلية الأرضي. أما كون أن ينشأ موقع في الفضاء السيبيرنيتي ثم يراد بعد ذلك تنزيله إلى المجال الأرضي من أجل تقنينه عبر آلية التحكم عن بعد، كالدعم و الإشهار و ورقة الامتيازات التي تلوح بها الوزارة من بطاقة مهنية و تخفيضات النقل عبر القطار و الطائرة الموجهة للصحافة الإلكترونية و الانتقال إلى مقاولة اقتصادية ، فهذه عملية فاشلة قبل التجريب. و ذلك لأن معظم المواقع الإخبارية لا يمكنها التحول إلى مقاولات تشغل عددا من الصحفيين و المتعاونين و الفنيين و التقنيين و المصورين، لأنها تعتمد في معظمها على المدير المؤسس الذي يتولى مهمة رئاسة التحرير، ثم يلحق به شخص أو شخصان عادة ما يكون من الشباب الهواة أو قطاع رجال التعليم أو غيرهم. لذا، فلا تجد في موقع من المواقع الإعلامية هيأة إخبارية مكونة من صحفيين محترفين لأن الموقع لا يستطيع تغطية نفقاتهم. و بالتالي لن يستطيع الإعلاميون المحترفون العمل طول الوقت كصحفيين متطوعين. ما يجعل الموقع ينفتح على فئة الشباب الهاوي المتعاون، و الذين غالبا يكونون من غير أجر أو تعويض. و إن حدث فالتعويض غير مسترسل و رمزي و جد هزيل. لأنه مهما يكن تبقى إمكانيات الموقع المالية جد جد محدودة. لذا، فمن ميزة الموقع الإخباري في صيغة المغربية أنه : أولا : لا يمكنه أن يوظف صحفيين مهنيين بأجرة محترمة و تعويضات سفر و تنقلات و عطل سنوية و خلافه. ثانيا : أنه محكوم عليه أن يتعامل مع فئة المتعاونين و من دون أجر،أو أجر هزيل، و في كل مرة يستغني عن فئة، لتعوضها بفئة أخرى و هكذا دواليك. ثالثا : أنه لا يمكنه أن يلتزم بقانون النشر، و لا حقوق الملكية بما فيها مثلا حق ملكية الصور المنشورة رفقة المواد التحريرية، أو حق الفيديوهات التي دائما ما تنشر من دون ذكر اسمها! و هو الذي يتنافى مع مسألة حقوق الملكية. بل و في الكثير من الأحيان ما يقع الاقتباس و النقل من بعضهم البعض للأخبار من دون أدنى إشارة إلى الجهة المالكة للخبر! رابعا: أنه يحتاج إلى تجدد كل خمس أو أربع ساعات أو أقل من ذلك، ما يجعله لا يتوان في مسألة الرقابة على النشر لأنه لا يمكنه أن يفوت الفرصة و السبق ، في انتظار التحقق من الخبر! و عليه يجب أن تكون له أكبر قاعدة من المتعاونين المجانيين عامة، ثم أكبر حضور تجددي في اليوم. و هذا ما يتنافى مع مسألة الرقابة الذاتية و انتظار التأكد المطلق من الخبر .... خامسا: إشكالية الموقع و ارتباطه بالمهنة، فعدد من المواقع مؤسسوها لا علاقة لهم بالصحافة كمهنة رسمية! إذ يزاولون مهنا أخرى، فكثير منهم رجال تعليم في الأصل ! و يظهر هذا بوضوح في المواقع الإخبارية الجهوية التي تكاد حكرا على فئة رجال التعليم. والخلاصة: أن محاولات وزارت الاتصال الجديدة في شخص السيد مصطفى الخلفي محاولات فاشلة سلفا.ولا تعدو مناسبات للإغراء وارتشاف كوب شاي وأخذ صور تذكارية بغية احتواء الإعلام الإلكتروني وتحويله إلى مقاولات اقتصادية يحكمهما منطق المقاولة والربح والخسارة عبر القرب أو البعد من السلطة. و يبقى المقياس الوحيد هو مدى إرضاء أو إغضاب السلطة، هذه المحاولة التي أكيد ستجد لها من يتهافت إليها على اعتبار أنها فرصة سانحة للتمويل وتخفيف العجز المالي تحت يافطة التقنين! بيد أنه وأمام حرية الانتشار وتسارع الأحداث ونهم المتصفح الذي اعتاد على مستوى مرتفع من الجرأة والتعبير، سيصبح تغير مزاج المواقع الممولة عملية انتحارية ، ما سينتج عنها هجرة المتصفح إلى مواقع جديدة، أكيد أنها لم تنل نصيبها من كعكة الوزارة! وما زالت تحتفظ بعذريتها الإعلامية المرتفعة الجرأة من دون سقوف موضوعة سلفا. وهكذا ستضيع أموال الوزارة في دائرة مفرغة، من لقاءات ومأدبات الغداء والعشاء ، وتجارب دعم و .. و كلما قننت و حدت من صوت موقع ما ظهرت هناك عشرات المواقع الجديدة! ناهيك عن المواقع الاجتماعية العصية على التقنين أو التسييج من أساسه.