في الأيام القليلة الماضية أجرى الشيخ الفزازي لقاءين هامين؛ أثارا ردود فعل كبيرة؛ الأول كان مع الأستاذ سعيد الكحل في لقاء جمع بينهما على منبر "كاب راديو" بطنجة، والثاني مع الأستاذ أحمد عصيد؛ في شكل مناظرة جرت في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط. وقد كان اللقاءان واعدين كما كان متوقعا، حيث أكد المتدخلان الممثلان للتيار العلماني موقفهما اتجاه الدين وطريقة فهمه والمشروع المجتمعي للجماعات الإسلامية بصفة عامة، والسلفية منها بشكل خاص. وأحببت بهذه المناسبة أن أقف -وبعجالة- وقفتين مع كل من الأستاذين المذكورين. وقفة مع الأستاذ (سعيد الكحل) أكد الأستاذ الكحل خلال لقائه بالشيخ الفزازي أنه لا يحارب الإسلام كما يدعي الإسلاميون!! وأنه يصلي ويصوم كباقي المسلمين؛ و"أن مقالاته أو انتقاداته تركز على مواقف سياسية؛ وعلى مشروع سياسي مجتمعي يحمله الإسلاميون أو السلفيون". واعتبر أن "في هذا المشروع المجتمعي مصادرة لحقوق الإنسان، ومصادرة لما راكمه المغاربة أو الشعب المغربي أو لما حققته الإنسانية في مجال حقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو بالطفل أو الحرية السياسية أو حرية الاعتقاد أو غيرها، فالمشروع المجتمعي لهؤلاء الناس لا يتماشى مع العصر مع ظروفنا مع تطلعاتنا كشعب". ونبه الأستاذ الكحل أنه "على الإسلاميين أن يردوا عليه بالفكر والتوضيح لا بالاتهام، وأن يحاسبوه على أفكاره ومقالاته ولا يحاسبوه على ما ينشره منبر معين، ولا يدرجوه أيضا ضمن صنف معين: أنت علماني أو أنت حداثي"..اه. الأستاذ الكحل كما يعلم كل متابع للمجال الإعلامي والفكري منهجه واضح أشهر من أن يعرَّف؛ فهو إنسان يعتز بعلمانيته ويعمل من خلال مقالاته وأبحاثه للتمكين لهذا الفكر، ولا يلتزم النزاهة والأمانة العلمية التي يدعيها؛ فدون الحديث عن اجتزاء الكلام واقتطاعه من سياقه؛ فهو يَعمَد قصدا إلى التحريف والكذب الصراح على العديد من العاملين في الحقل الدعوي. وكمثال على ذلك نذَكِّر القراء الكرام بصنيعه مع الدكتور المغراوي حين أراد أن يورطه ويدخله السجن ظلما وعدوانا؛ فنقل عنه كلاما كان من الممكن في إطار قانون الإرهاب أن يودي بالشيخ في غياهب السجون إلى أن يتوفاه الله تعالى؛ فترك القول الواضح البيِّن للدكتور حين قال: "فنحن برآء من التكفير، ونحمد الله أن هذا الأمر لا يخطر لنا ببال، ونرى أن التكفير من منهج الخوارج والمنافقين.." (أهل الإفك والبهتان 44، وانظر ص: 40-41-42- 43 وما بعدها) .ونقل عنه كلاما هو في أصله لأحد مشايخ الحجاز؛ ذكره الدكتور المغراوي في مقام الإلزام والرد على الشيخ المذكور وتحذيره من سلوك سبيل التكفير؛ ونسبه الكحل بدم بارد إلى الدكتور المغراوي!! وتفانيا في خدمة (المشروع العلماني) فالأستاذ الكحل لا ينتقد السلفيين وحركة الإصلاح والتوحيد والعدل والإحسان فحسب؛ بل يهاجم أيضا المجالس العلمية والأئمة والخطباء وعلماء العالم الإسلامي قاطبة، وكل من يعارض المخطط العلماني ويحول دون التمكين له في المجتمع. وذلك راجع بالأساس إلى مفهومه للتطرف والغلو؛ إذ التطرف بالنسبة له (لا ينحصر في حمل السيوف أو التمنطق بالأحزمة الناسفة، كما لا تجسده اللحى المنفوشة أو الجباه المقطبة؛ ..بل التطرف هو عقائد ورؤى تخفيها البدلات العصرية واللحى المشذبة أكثر مما يظهرها اللباس الأفغاني الخشن والمنفر). (الكحل؛التطرف عقائد واحدة غايتها فرض الوصاية على المجتمع). فالتطرف عنده يشمل كل شخص أو جماعة أو طائفة تتخذ من الشريعة الإسلامية مرجعية لها؛ أو تعمل على نشر عقيدة التوحيد؛ وتدعو إلى العودة إلى الحجاب الشرعي؛ ومنع العري في الشواطئ وبيع الخمور؛ والحد من المهرجانات الموسيقية التي تبذَّر فيها المليارات وتستقطب الشواذ والمفسدين؛ وتطبع النموذج الغربي المتحلل من القيم التي تنصُّ عليها شريعتنا. فالمدافعون عن هذا المشروع أعداء بالنسبة للأستاذ الكحل؛ لأنهم -وفق نظره- دعاة (للتشدد) و(التطرف) و(الانغلاق) و(التحريم الطالباني) و(فِقه البدونة) الذي يحاربه. وقد عبر عن خطه هذا بكل وضوح حيث قال: "اتفاق دعاة التطرف، رغم تباين منطلقاتهم، عند التحريض ضد الأنشطة والفعاليات الفنية والثقافية التي تنظمها الجمعيات أو المجالس المحلية. فالمواقف الصادرة عن حزب العدالة والتنمية هي نفسها التي اتخذتها جماعة العدل والإحسان وكذا التيار السلفي الوهابي. فجميعهم يسعون إلى فرض الوصاية على المجتمع من مداخل شتى: أ - اتهام الجهات المنظمة بإفساد أخلاق الشباب عبر تنظيم مهرجانات الميوعة.. ب ادعاء الحرص على تحصين الشباب من الانحراف والميوعة.. ج التظاهر باستنكار تبذير المال العام.. ..الأمر يتعلق برفض عقدي للمهرجانات والمواسم الفنية والثقافية؛ أكانت تتعلق بحب الملوك أو كناوة، أو الفلكلور أو العيطة أو تذوق الخمور. كل هذه الأنشطة يسري عليها حكم التحريم الطالباني! وما يثير التساؤل عن خلفيات هذه الفتاوى والمواقف هو كونها تصدر عن أشخاص أعضاء في المجالس العلمية، مما يوحي بوجود مخطط ممنهج يستهدف مؤسسات الدولة عبر اختراقها، ومن ثم تحويلها إلى أداة لتمرير عقائد التطرف والتشدد والانغلاق دون أن يتعرض الفاعلون للمحاسبة أو المساءلة". اه (انظر مقاله بعنوان: التطرف عقائد واحدة غايتها فرض الوصاية على المجتمع). فالمشكلة بالنسبة للأستاذ الكحل تكمن في "الإسلاميِّين الرجعيين المتعصِّبين" الذين يرفضون المشروع العلماني؛ أما الإسلام كدين فهو -بالنسبة له- لا يعارض فن العيطة وتذوق الخمور ومهرجان موازين وستوديو 2M ومسابقة ملكة الجمال..!! وهلم جرا.. والغريب في الأمر أن الأستاذ الكحل الذي طالب من الإسلاميين ألا "يدرجوه ضمن صنف معين: أنت علماني أو أنت حداثي" لا يتوانى في وصف الحركات الإسلامية بشتى أنواع السب والقذف والعبارات القدحية (أئمة الظلام؛ فقهاء الدماء؛ الرجعيين؛ الماضويين..). إضافة إلى ذلك فالأستاذ الكحل: - يتأسف على غياب الدولة العلمانية في العالم العربي على اعتبار أن "قوانين هذه الدول تعتبر الإفطار في رمضان جنحة/جريمة، كما تمنع فتح حانة بالقرب من المسجد" (الكحل؛ انظر منشور قدر العلمانية في العالم العربي؛ ص:85). - ويطالب بمنع مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد في شهر رمضان؛ لكون هذا العمل يعد "استغلالا سياسويا من طرف الجمعيات الدينية المتحزبة"!! (الحكل؛ متى يمنع المغرب مكبرات الصوت لإذاعة الصلاة خارج المساجد). - أما المرأة ف"هي بوابة الغزو التي تجتاح منها قيم الانحطاط وفقه البداوة لتشل فعالية المجتمعات وتشد حركتها إلى تيار الردة الحضارية الذي يعادي قيم التحضر والانفتاح والأنسنة" (لحكل؛ معارك الإسلاميين والوهابيين ضد الأرداف والصدور). - و"النقاب الدخيل ليس مجرد قماش، بقدر ما هو حزمة من العقائد المتشددة التي تفتك بالانسجام المجتمعي.. وهذا ما أدركته الحكومات الغربية فسارعت إلى وضع تشريعات تمنع النقاب حماية للتماسك الاجتماعي وحفاظا على أمن المواطنين" (لكحل؛ النقاب الدخيل والنقاب الأصيل). ومنه يتضح أن (المشروع المجتمعي للإسلاميين)؛ الذين يطالبون بتحكيم الشريعة الإسلامية؛ والتصدي للمخططات الغربية؛ والقطيعة مع قيم العلمانية؛ وبناء وطننا وأمتنا انطلاقا من مورثنا الديني والثقافي والحضاري، يبقى مشروعا مرفوضا بالنسبة للأستاذ الكحل يجب التصدي له وبقوة؛ لكونه يرى أن هذا المشروع الذي يتبناه (الإسلاميون) غير قابل للتحقيق، على اعتبار أن: "الأحكام التي يتضمنها النص الديني لا تتجاوز الستة أحكام"! كما قال الأستاذ الكحل. (انظر:قدر العلمانية في العالم العربي؛ ص:85). أظن أن المسألة واضحة؛ لا تحتاج منا إلى مجهود ولا إلى مزيد بيان؛ لتوضيح أن المشكلة ليست في (الحركات الإسلامية) بشتى أطيافها؛ ولا في نظرة الإسلاميين لحقوق الإنسان والمرأة والتسامح والتعايش والانفتاح.. التي أشبعت بحثا وتوضيحا؛ بقدر ما أن دعاة العلمانية حريصون غاية الحرص على محاصرة الدعاة إلى الله؛ وكل ما من شأنه أن يسهم أو يشارك في انتشار التدين في المجتمع. بدليل أن هؤلاء الذين يحذِّرون من "الإسلام الوهابي"!! و"التطرف الطالباني"!! ويظهرون الغيرة على "الإسلام المغربي السمح"!! يهاجمون بالأساس الأحكام الشرعية المتفق عليها بين علماء السلف والخلف؛ والمشرق والمغرب.. وفي الأيام القادمة بحول الله وقوته سنقف مع الأستاذ عصيد..