بدا مرفأ بيروت أشبه بساحة حرب، بعد وقوع انفجار ضخم قرابة الساعة السادسة في المكان: مستوعبات تحولت إلى ركام، ونيران مشتعلة في باخرة ركاب في البحر، وهلع في كل مكان. عند أحد مداخل المرفأ، وقفت شابة عشرينية تصرخ وتسأل عن شقيقها الموظف داخله، فيما كان عناصر الأمن يحاولون ثنيها عن الدخول. قالت لهم باكية: "اسمه جاد وعيناه خضراوان اللون"؛ لكنها لم تنجح في الدخول. على بُعد أمتار من الشابة العشرينية، لم تتمالك امرأة أخرى أعصابها. كاد أن يُغمى عليها وهي تسأل عن شقيقها أيضاً، بينما سيارات الإسعاف تدخل مسرعة ثم تخرج محملة بالضحايا. داخل حرم المرفأ الذي استحال القسم الأكبر منه دماراً وبدت مستودعاته أشبه بعلب ملتوية تقيأت محتوياتها إلى الخارج، فوضى عارمة وألسنة نيران لم تستكن وسحب دخان ازدادت سواداً. وكانت مروحيات الجيش تحاول إطفاء النار. وفي غضون ذلك كان مسعفون يبحثون عن ضحايا بمعاونة رجال أمن، فصرخ أحدهم في وجه الصحافيين قائلاً: "ماذا تصورون؟ الأشلاء في كل مكان؟". وقال عنصر أمني آخر: "هناك أشلاء على الأرض وعمليات انتشال الجثث لا تزال مستمرة". لكن القوى الأمنية منعت الصحافيين من الاقتراب. في مكان قريب من موقع الانفجار، بقيت حقائب سفر مبعثرة على الأرض. نظارة طبية مرمية هنا وحذاء هناك. قرب الركام، جثة مرمية على الأرض، وقربها حقيبة. على بُعد أمتار عديدة، كان رجال أمن يعملون على نقل قتيل من رفاقهم. يبكي أحدهم تأثراً، ويظهر آخر على هاتفه صورة لرفيقه في يوم زواجه. على بُعد عشرات الأمتار، سيارات جديدة مستوردة من الخارج تقف خلف بعضها في صفوف متراصة. لم تسلم أي منها. أجهزة إنذار بعضها لا تتوقف وتمتزج مع صفير سيارات الإسعاف. انتشر رجال الإطفاء بالمئات في المكان، وبدوا منهكين. بعضهم يبحث عن زملاء لهم كانوا يعملون على إطفاء حريق اندلع قبل دويّ الانفجار، على ما يقول أحدهم. لم تتوقف سيارات الإسعاف عن نقل الضحايا على مدى ساعات. وأعلنت وزارة الصحة أن حصيلة الضحايا خمسون قتيلا و2750 جريحا. بين المصابين عمال سوريون ومصريون كانوا قد وصلوا إلى المرفأ اليوم على متن باخرة أوكرانية تنقل قمحاً إلى سوريا. وقال أحدهم، وهو سوري، من دون أن يفصح عن اسمه: "منذ ستة أشهر كنا ننتظر لحظة عودتنا إلى سوريا. نحن 13 شاباً. أصيب سبعة منا ونجونا نحن الثلاثة". وقال عامل مصري بأسى: "كنت أنوي السفر غدا إلى بلدي؛ لكنني لن أتمكن من ذلك. لا أعرف ماذا أفعل". وروى أحد أفراد طاقم الباخرة: "ننتظر منذ الظهر هنا. سمعنا أصوات مفرقعات، ورأينا دخانا يخرج من مستودع. سألنا أحدهم قال إنه مستودع، وبعدها بدقائق حصل الانفجار". على الطرق المؤدية إلى المرفأ، وفي محيطه، زجاج متناثر في كل مكان. وقالت مكروهيه يرغانيان، وهي معلمة مدرسة متقاعدة تقيم في منطقة المرفأ، لوكالة فرانس برس: "كان الانفجار أشبه بقنبلة ذرية. لم أشهد في حياتي مثل هذا. كل الأبنية من حولنا انهارت. أنا أسير وسط الزجاج والركام في كل مكان".