وكأنهم كانوا في سجن لم يرتكبوا ذنبا ليقبعوا فيه، انطلق الباريسيون إلى الشوارع التي حرموا طوال أسابيع من الخروج إليها إلا بتصريح خاص بعد فرض الإغلاق لمواجهة تفشى فيروس كورونا المستجد. فبعد تخفيف القيود، انطلق قاطنو باريس وهم يرتدون الكمامات، وأياديهم معقمة بالجل، واصطف بعضهم؛ كل منهم على بعد مسافة آمنة من الآخر أمام محال التسوق، التي لم تفتح كلها، ربما لاستمرار خوف أصحابها من الإصابة بكورونا. وعلى أي حال، أخيرا بدأ السكان يشعرون بالحرية لممارسة الرياضة في الشوارع، أو التوجه لمصففي الشعر، أو زيارة إحدى المكتبات لتصفح الكتب واختيار ما يروق لهم منها؛ فالباريسيون، بل معظم الفرنسيين، يعشقون القراءة. لا شك أنها حياة جديدة غريبة بالنسبة للناس، وواقع فرضه فيروس كورونا عليهم؛ فهم بإمكانهم الآن ممارسة بعض مظاهر حياتهم الطبيعية، لكن مع مراعاة ضوابط لا يمكن تغاضيها. ومازالت الحانات والمطاعم والمسارح ودور السينما مغلقة، حيث أعلنت الحكومة الفرنسية أنها سوف تظل كذلك حتى شهر يونيو على الأقل. بالنسبة لباريس، مثل ما هو الحال بالنسبة لكثير من المدن الأخرى التي تم تخفيف الإغلاق المفروض عليها في أنحاء العالم، هناك مخاوف من احتمال زيادة حالات الإصابة بكورونا، الأمر الذي يستلزم المزيد من الحذر. وتم وضع أسهم مختلفة الألوان أمام المحال تشير إلى ممرات الدخول والخروج لتجنب أي تلامس بين روادها، كما تم تنظيم حركة الركاب في محطات المترو؛ فمازال التباعد الاجتماعي مهما، والحذر مطلوب، فقد شهدت باريس 40% تقريبا من إجمالي حالات الوفاة بسبب كورونا في فرنسا. ومثل بقية دول العالم، عانت فرنسا اقتصاديا بسبب جائحة كورونا، فقد انكمش إجمالي الناتج المحلى، الذي تمثل باريس ثلثه، بنسبة 8,5% في الربع الأول، وتتوقع وكالة بلومبرغ للأنباء أن ينكمش بنسبة 4,16% في الربع الثاني. وتشير التقارير إلى أن احتمال عودة الاقتصاد الفرنسي إلى ما كان عليه قبل الإغلاق بعيد للغاية. وتقول بلومبرغ إنه إذا كان الباريسيون قادرين على التسوق في هذه الظروف، فإن الفضل يرجع للدولة، التي تحملت أعباء أجور 12 مليون من العاملين الفرنسيين الذين توقفوا عن العمل، أو 6 من بين كل 10 من العاملين في القطاع الخاص. ولن يستمر هذا للأبد. ففي مرحلة من المراحل عندما يمر أسوأ ما في أزمة كورونا، ويبدأ الجميع التعايش مع هذا الوضع الطبيعي الجديد، سوف تتوقع الدولة تحمل الشركات المزيد من أعباء الأجور. وأظهرت إحدى الدراسات أنه من المتوقع في ظل الحالة الاقتصادية المتوقعة مستقبلا أن ينفق حوالي 40% من المستهلكين أقل من إنفاقهم الطبيعي. وكان تدفق السياح إلى باريس في الظروف العادية يدعم المستهلكين ويساعدهم في الإنفاق، لكن لم يعد هناك سياح الآن. فليس من المتوقع رؤية المليونَي صيني الذين كانوا يزورون فرنسا سنويا وينفقون حوالي 4,4 مليارات دولار. *د.ب.أ