هذه تفاصيل مرسوم الحكومة لتفعيل الإعانة الخاصة بالأطفال اليتامى    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | وزارة الداخلية تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة موجات البرد    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    مقتل رئيس أركان الجيش الليبي ومسؤولين كبار في حادث تحطم طائرة    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    الذهب يسجّل مستوى قياسيا جديدا    كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2025 ): المنتخب التونسي يفوز على نظيره الأوغندي (3-1)    أمسية ثقافية تكرس التقاطعات الثمينة بين القفطان المغربي والساري الهندي    ليكسوس العرائش لكرة السلة بين تصفية الذمم المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة... أسئلة جوهرية في قلب الأزمة    مديريتان تمددان "تعليق الدراسة"    ضبط مطلق للنار على أمن ورزازات    تعيين ناصر الصديقي مديرا عاما جديدا لبورصة الدار البيضاء    تكريم الفنان عبد الكبير الركاكنة في حفل جائزة النجم المغربي لسنة 2025    دار الشعر بمراكش تواصل برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    ريدوان يكشف تفاصيل الألبوم الغنائي المرتبط بأجواء كأس إفريقيا للأمم    بلاغ بحمّى الكلام    مدرب السنغال: من الجيد تحقيق الفوز في المباراة الأولى ولدينا مجموعة قوية تلعب بأساليب مختلفة    اتفاقية تجلب ميناء جديدا للصويرة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (الجولة 1/المجموعة 4).. منتخب السنغال يفوز على نظيره البوتسواني (3- 0)    فجيج في عيون وثائقها    وزير العدل: "القانون لا يسعف دائما" لتنفيذ أحكام الأجراء ضد شركات في أزمة    منتخب الكونغو الديموقراطية يستهل مشواره بفوز على نظيره البينيني (1-0)    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء قريب من التوازن    الهيئة الوطنية للمعلومات المالية.. تقديم التقرير السنوي برسم 2024 لرئيس الحكومة    تقتسم صدارة المجموعة الثانية رفقة جنوب إفريقيا .. مصر تنجو من كمين زيمبابوي بفضل خبرة صلاح    164 ألف صانع مسجلون بالسجل الوطني للصناعة التقليدية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من المناطق    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        منصة رقمية للطلبات والسحب عند الرشد .. تفاصيل الإعانة الخاصة لليتامى    فتح تحقيق مع 8 أشخاص متورطين في المضاربة في تذاكر الكان    الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    "أكديطال" تستحوذ على مجموعة تونسية    الصحافة الإسبانية تشيد ب"كان المغرب" وتبرز جاهزية المملكة لكأس العالم    تشجيعات المغاربة لمنتخب "الفراعنة" تحظى بإشادة كبيرة في مصر    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    كأس إفريقيا .. برنامج مباريات الثلاثاء    اضطراب جوي قوي يهم عدداً من مناطق المغرب والأرصاد تدعو إلى الحذر    "البيجيدي" ينبه إلى الأزمة الأخلاقية والتحكمية في قطاع الصحافة ويحذر من مخاطر الاختراق الصهيوني    اليوم العالميّ للغة الضّاد    بستة أصوات مقابل خمسة.. مجلس المستشارين يمرّر مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة وسط انتقادات لغياب البرلمانيين    ارتفاع أسعار الذهب إلى مستوى قياسي    بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم ببلادنا    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ديوان المائدة" -2- .. عرش الخبز المُكَرم وبذخ اللحم وترف الشحم
نشر في هسبريس يوم 26 - 04 - 2020

في شهر رمضان الكريم ينسحب الطعام من الموائد في النهار، فيعوّض نفسه بأكثر من صورة، وحيثما أمكنه أن يفعل.
وهكذا تنبعث وصفات من الراديو، وبرامج تبث على القنوات التلفزية، وصفحات خاصة بمختلف "الشهيوات" تنشرها الجرائد والمجلات، وصور لأطباق شهية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنه بات موضوعا يثار في المكالمات الهاتفية بين الأهل والأحباب.. ولا يعود إلى نفسه من جديد إلّا بحلول مائدة الإفطار.
جريدة هسبريس الإلكترونية ارتأت أن تتحف قراءها خلال شهر رمضان المبارك بحلقات من كتاب "ديوان المائدة" للشاعر والكاتب المغربي المتألق سعد سرحان، وهو يقدم صورا غير مألوفة للطعام .. شهية طيبة:
المائدة 2
يكاد الخبز أن يكون محض كناية. فما من صورة له تبدو واضحة منذ أن بايعته معظم الشعوب رمزا لكل طعام. فبسبب تواضعه وأوجه البساطة التي يكتسيها، استطاع أن يتصدر الموائد من مختلف الأجناس، إذ لا يضاهيه حضورًا سوى صنوه الماء. فهما معًا يتبادلان الملامح مع توأم آخر: الجوع والعطش.
ولأن الأجيال الجديدة تجترح استعاراتها الخاصة بنفس الذوق الذي تختار به الملابس وتسريحات الشعر والأغاني وباقي أَكْسِسْوارات الحضور المتميز، فقد ارتأت أن تخلع الخبز عن عرشه المتقشف لصالح رمز آخر يجمع بين بذخ اللحم وترف الشحم ولذة العظم. وهو الرمز الذي استساغته الألسنة حَدَّ أن ولَّدت لأجله حاشية من الفعل والفاعل والمصدر والحال وهلمَّ قصًّا، مضيفة بذلك صفحة شهية إلى معجم الغذاء.
هكذا أصبح الجيل الجديد من المغاربة يطلق اسم "القصّ" على كل طعام.
هو انقلاب، إذًا، ضدّ الخبز. أما من قاده، ومتى تمّ ذلك، وكم تطلب الأمر من الوقت وأسئلة أخرى كثيرة، فنترك جانبًا أمر طرحها ومحاولة الإجابة عنها، فيما سنتوقف فقط عند عبقرية الاختيار، اختيار القَصِّ رمزًا متوجًا لكل طعام.
لا يحتاج الخبز إلى تعريف، وإلا سنكون كمن يشرح الخبز بالخبز. فهو مألوف وواضح وعار. الدقيق والملح فيه شديدا التشابه. والماء فيه حيلة العجين إزاء بطش النار.
أما القصُّ فغريب وغامض ويحتاج إلى لسان العرب حيث: هو المُشاش المغروز فيه شراسيف الأضلاع عند وسط الصدر.
من القمح حتى آخر كسرة مهملة، يحظى الخبز باحترام يشبه التقديس. ففي البوادي التي مازالت تسودها أساليب الزراعة التقليدية، لا يطأ الفلاحون أي بيدر قبل أن يخلعوا نعالهم.
وهم بذلك يعاملون البيدر كبيتٍ من بيوت الله. فإذا كان المسجد مكانًا لإقامة الصلاة، فإن البيدر مكان لإقامة الأود.
ولعلهم يُزكُّون فقط المعاملةَ تلك حين يرفضون قطعًا إعمال السكين في الخبز، مفضلين تكسيره بأيديهم، كما لو أنهم يعملون بوصية توارثوها أبًا عن جدّ. وهي، لا بد، مدوّنة في كتب الأسلاف.
وإذا كان بعض الناس يحترمون الخبز حتى وهم يقسمونه، فإن كثيرين يقدسونه حين يُقسمون به. كما أن منهم من يحفظون الودّ لبعضهم بسبب جزء يسير منه: الملح.
وحتى الآن، إذا وجدت كسرة خبز على قارعة الطريق، فإن الحكمة تقتضي تقبيلها ووضعها بمنأى عن الأقدام. ففي ذلك تقدير لشيء نحن مدينون له ببعض لحمنا. فأبو جابر، وهذا أحد أسماء الخبز كون كسوره تجبر كسور الجوع، يستحق منَّا ذلك وأكثر.
أما القصّ فلا يمكن الوصول إليه باليد المجردة، إذ لابد من سكين للذبح والسلخ والتقطيع... فأي احترام وأي تقدير بعد هكذا عمل دموي؟
يحظى القصّ بالاشتهاء، بالاشتهاء فقط.
ولعل شهوتنا للحم دفينة فينا منذ الإنسان الأول الذي خبر الصيد قرونًا قبل الزراعة، ذلك الذي كان يمشي إلى الطريدة صَدْرًا حيث لا أثر للنبال.
إذا كان الأنف صنو الأنفة فإن الصدر شقيق الصدارة.
فمنذ الصرخة الأولى تبدأ علاقة الإنسان بالصدر، صدر الأم حيث حليب الحياة، تلك التي يقضي سحابتها في البحث عن مكان في صدر الخيمة أو صدارة المجتمع. فما دون ذلك ليس سوى رغام يأباه الأنف قبل الأنفة. ولعل شاعرنا القديم لخص الأمر كله في هذا الشطر:
لنا الصدر دون العالمين أو القبر.
الانقلاب ضد الخبز لصالح القص استبدال للنبات بالحيوان. فالخبز سليل القمح والشعير والذرة...
أما القَصُّ فينحدر من الضأن والبقر والبط والدجاج... وهو أيضًا استبدال للهامش بالوسط، هامشِ المائدة حيث الخبز بوسطها حيث الطبق الرئيس المكون في العادة من اللحم. فاللحم يتوسط المائدة ويتصدر الطعام مثلما يتوسط القص الصدر.
إن استبدال الخبز المتقشف بالقص الباذخ استبدال لرمز محترم حدَّ التقديس برمز يلخص معظم الشهوات. فاللحم كان دائما عنوانًا للترف والجموح واللذة، وهي الأثافي التي تأججت بينها نار جدّنا الجاهلي فأشاد بأكل اللحم وركوب اللحم ودخول اللحم في اللحم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.