القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    حادثة سير مروعة بطنجة تودي بحياة فتاتين وإصابة شابين    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    تمارة.. حريق بسبب انفجار شاحن هاتف يودي بحياة خمسة أطفال    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط تهريب مفرقعات وشهب نارية وتوقيف شخص في ميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعا عن التعليم الخصوصي
نشر في هسبريس يوم 23 - 04 - 2020

أغلبية المرتبطين بالتعليم الخصوصي في المغرب، سواء كانوا مؤسسات أو جمعيات، تعتقد أن الأغلبية الساحقة من المتحدثين عن التعليم الخصوصي يتكلمون أو يكتبون بدون معطيات، وبدون حقائق وبدون أرقام، وكذلك بدون الاستماع إلى أصحاب الشأن، بل هناك من يكتب بحقد وكراهية وبغض، هكذا لوجه الله.
وفي أحسن الأحوال، هناك من يجترّ ويعيد ترديد ما يُكتب وما يقال هنا وهناك، بدون تمحيص وبدون تحليل أو بحث أو استقراء.
المرتبطون بالتعليم الخصوصي يعتقدون أن الأغلبية الساحقة مما يكتب عن التعليم الخصوصي ينطلق من الهوى ومن النفس التي غالبا ما تكون أمارة بالسوء.
أول ما يجب الانطلاق منه، في كل تحليل سليم أو رؤية موضوعية للتعليم الخصوصي، هو استحالة اعتباره كتلة واحدة أو صنفًا واحدًا أو نوعًا واحدًا.
قبل ذلك يجب التمييز الأولي والإجباري بين مؤسسات التعليم ومؤسسات التكوين، لأن هناك من لا يميز بين التعليمين ويتحدث عن الموضوع باعتبار التعليمين شيئًا واحدًا، هذا في الوقت الذي توجد بينهمارفوارق جوهرية وعميقة، سواء في الخلق أو الانتساب أو الدراسة أو الشواهد.
محدد آخر يجب الانطلاق منه، هو أن مؤسسات التعليم الخصوصي في كليتها تتأرجح بين المدارس الكبرى، وهي قليلة معدودة، والمدارس المتوسطة، وهي مرتبة ثانية من حيث الكم والكيف، ومدارس صغيرة، وهي الأغلبية الساحقة من مدارس التعليم الخصوصي في المغرب.
إن كل تحليل أو رؤية أو دراسة أو موقف لا يعتمد على هذا الإجراء التصنيفي الأولي سيكون ناقصًا مبتورًا في أحس الأحوال، وفي أسوئها
سيكون تعديًا وإساءة للتعليم الخصوصي بدون بينة وبدون علم.
كل ذي عقل سليم يستطيع، أو هو ملزم بضرورة تصنيف المدارس في نوعين:
_ المدارس المصنفة، وهي التي بنيت على شكل مؤسسات تعليمية، وهي الأخرى فيها أصناف، من 5 نجوم إلى نجمة واحدة، المهم أنها مصنفة.
_ المدارس غير المصنفة، وهي الأخرى درجات، وإن كان هناك محدد واحد يجمعها هو البساطة، سواء في شكل البنايات أو العدة البيداغوجية أو عدد التلاميذ ونوعيتهم.
إضافة إلى هذا، تصنيف مؤسسات التعليم الخصوصي يعتمد كذلك على القدر المالي الشهري لكل مدرسة، ولوازم التسجيل والنقل المدرسي والإطعام وغير ذلك، إذ ليس هناك مقياسا واحدا يلزم سائر المؤسسات، وبالتالي تحديد هذه السومة يخضع لقوانين أخرى يختلط فيها التربوي بالبيداغوجي بالتجاري، ويحددها قانون العرض والطلب و(زوق تبيع) في بعض الأحيان.
وزيادة في توضيح الفارق الصارخ بين المؤسسات، يتحدد الواجب المالي إجمالا، لمؤسسات التعليم الخصوصي، وليس التكوين، في المغرب بين 400 درهم و4000 درهم، ولنا أن نتخيل الفرق والفارق الشاسع بين هذه المؤسسات إذا كنا نخضعها لمنطق واحد، ونضعها كلها في سلة واحدة.
ليس يخفى على المتتبعين أن وجود مؤسسات التعليم الخصوصي في المجتمع المغربي مر بعدة مراحل، وانتقل من مستويات ومراتب عدة، في غالبيتها لم تخرج عن الارتباط بالتربية والتعليم، وحتى ( أصحاب الشكارة) الذين حاولوا استغلال طفرة التعليم الخصوصي لم يستطيعوا الاستمرارية في هذا القطاع، لعدم ارتباطهم بالتعليم أو لعدم قدرتهم على التكيف مع الوسط الاجتماعي الذي يتحرك داخله القطاع.
ربما لذلك ظل نجاح التعليم الخصوصي رهين الارتباط بالتعليم بدرجة أولى، وليس بالاستثمار التجاري، مع الاعتراف بوجود تداخل بينهما، هذا النجاح مرده إلى، إما الانتساب إلى التعليم في مرحلة من المراحل، أو بالإيمان به كرسالة مجتمعية، أو الاقتناع به كمشروع تجاري نظيف، الاجتهاد والنية فيه لهما أجر واحد على الأقل.
لا يخفى على أحد كذلك، أن طفرة التعليم الخصوصي في 20 سنة الأخيرة جعل بعض المتابعين للمتغيرات المجتمعية والاجتماعية في المغرب يلتفتون إليه، إما بنقاش وتحليل ومساءلة نقدية لحاله وأحواله، أو باستقصاده وتبخيس عمله واحتقاره.
هذا مع العلم أن كل طرف من الأطراف المتابعة والمتناولة للتعليم الخصوصي تعترف بوجوده وتطوره، وتعتبر وجود تجاوزات وأخطاء وهفوات ممكنة في ممارساته، ناتجة عن الواقع الذي يوجد فيه، أو مرتبطة بعقليات وثقافة وفكر ورؤية وفلسفة أصحاب المؤسسات، والتي غالبا ما تعتبر هي المفصل في تقييم المؤسسات ونقدها وانتقادها.
اليوم، ومع بروز آفة كورونا، طفت إلى السطح قضية التعليم الخصوصي، وأصبح حديث الساعة بالنسبة للعديد من الفاعلين السياسيين والإعلاميين والفايسبوكيين، وذلك بسبب رسالة أرسلتها إحدى الجمعيات المنظمة للتعليم الخصوصي إلى رئيس الوزراء المغربي، تطلب منه الأخذ بعين الاعتبار الوضعية العامة للتعليم الخصوصي والتي تؤشر إلى وجود أزمة داخل القطاع يجب الانتباه إليها.
هذه الرسالة، بغض النظر عن وجاهتها أو اختيار التوقيت المناسب لإرسالها، أو السلطة التقديرية لكاتبها، أو استشارة المؤسسات التعليمية الخصوصية من عدمه، هذه الرسالة أحدثت زلزالا في الحقل التداولي الذي يتحرك فيه قطاع التعليم الخصوصي، وخلفت رجة عنيفة في الصورة الاعتبارية للتعليم الخصوصي داخل المجتمع، بالرغم من حسن نية الجهة التي كتبت الرسالة، وبالرغم من الاجتهادات التي تلت الرسالة، كالمساهمة في الصندوق الوطني للوباء ب 200 مليون سنتيم، جمعت من تبرعات مؤسسات التعليم الخصوصي.
في ذروة اشتعال معركة الرسالة المعلومة، تشتعل معركة أخرى، هي معركة تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
في بداية الأحداث، كان هناك خلط وسوء فهم للأمور، فبلاغ الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لم يكن واضحا، والدولة، من خلال وسائل التوضيح والتبيين، لم تشرح الأمر للمتعلقين بالموضوع، وكل مؤسسات التعليم الخصوصي اعتقدت أنها معنية بأمر التعويض، لأنها سدت أبوابها، وبالتالي صرحت بالعاملين فيها من أجل التعويض، عن حسن نية.
التناولات التالية لهذا الموضوع، من قبل بعض المسؤولين الحكوميين المغاربة زادت في تأجيج الوضع، عندما اتهمت مؤسسات التعليم الخصوصية بتزوير تصريحات الصندوق، وأنها تطمع في أموال ليست من حقها، مفردة أرقامًا وحيثيات، بدون تمحيص أو تدقيق أو تحليل.
تصريحات المسؤولين الحكوميين هذه، حتى وهي تتراجع عن بعضها، لم تستطع الإجابة عن السؤال:
لماذا صرح التعليم الخصوصي بالعاملين فيه؟
وهل بالفعل هناك أجراء متوقفين عن العمل في التعليم الخصوصي؟
وإذا كان هناك تصريح بأساتذة التعليم عن بعد، هل يعتبر هدا جريمة تستوجب العقاب؟
الخطير في الأمر أن تصريحات بعض المسؤولين الحكوميين أعطت الانطباع بأن مؤسسات التعليم الخصوصي أخذت تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بغير وجه حق، لأنها استفادت من أداءات شهر مارس بدون الإعلان عن ذلك، الأمر الذي جعل المجتمع المدني والإعلام والسياسيين ينظرون إلى التعليم الخصوصي باعتباره وباء وعلة وعالة على المجتمع.
هذا في الوقت الذي لم تستفد مؤسسات التعليم الخصوصي ولم بدرهم واحد من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبشكل عام ومطلق.
لم ينتبه المتناولون لقضية التعويض، أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نبه المرتبطين به إلى أن التعليم الخصوصي غير معني بأمر التعويض، لأن العاملين فيه لم ينقطعوا عن العمل، وأنهم لازالوا يمارسون عملهم بالتدريس عن بعد.
في نفس الوقت لم ينتبه الصندوق الوطني ولا المسؤولون الحكوميون إلى أن مؤسسات التعليم الخصوصي ليست أساتذة فقط.
مؤسسات التعليم الخصوصي فهمت الرسالة، واعتبرت هذا الإجراء دعوة لها لتحمل مسؤوليتها، وأن علاقاتها المالية لها ارتباط بأولياء الأمور وليس مع صندوق الضمان.
وهذا هو الذي أدى بكثير من المؤسسات إلى مطالبة الأولياء بالأداء على اعتبار أن الصندوق لم يؤدي لمستخدميه شيئًا، وعلى اعتبار أن الأساتذة لازالوا يقومون بمهمة التدريس عن بعد.
هنا ظهر التمايز بين المؤسسات، وكل مؤسسة مارست سلطتها التقديرية مع الوضع الذي هو استثنائي بكل المقاييس، فهناك مؤسسات تعاملت بمرونة وحكمة وهناك مؤسسات تعاملت بنوع من الصرامة الزائدة الشيء الذي أدى إلى التصادم والصدام، واستغلال منصات ومجموعات التعليم عن بعد كوسيلة للمفاصلة والتهديد، إن لم يكن الابتزاز، فكانت البلبلة مع أولياء الأمور ومع الجهات المتعلقة، لتأخذ أزمة التعليم الخصوصي مجرى آخر، ولتجد المؤسسات نفسها وجها لوجه مع أولياء الأمور بدون وسيط وبدون تدخل من الدولة، في مرحلة هي استثنائية بكل المقاييس.
بناء عليه، يمكن اعتبار أصل المشكل بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبين مؤسسات التعليم الخصوصي هو في اعتبارها مقاولات أو شركات لا يسري عليها قانون التوقف عن العمل، الجزئي أو الكلي.
السؤال الذي يجب طرحه، بكل التجرد والموضوعية الممكنين، هو :
هل العمل توقف في مؤسسات التعليم الخصوصي أم لا؟
الجواب، نعم، توقف، ومن يعتبر أن التعليم عن بعد هو دليل على عدم التوقف تنقصه المعطيات.
وهذه بعض التوجيهات العملية التي يمكن أن تفيد في هذا المجال.
الإطار الوظيفي العام الذي تعتمد عليه أغلبية مؤسسات التعليم الخصوص يتكون من مراتب تنظم كل العاملين فيها؛
_ الإدارة (المدراء، الحراس العامون، المعيدون).
_المحاسبة.
_التدريس.
_ النظافة.
_الحراسة
_النقل المدرسي.
_ الإطعام المدرسي.
الآن، أين هم هؤلاء العاملين في مؤسسات التعليم الخصوصي؟
بدون مبالغة، وأخذا بعين الاعتبار التمايز بين المؤسسات، بين 50% و 70٪؜ من هؤلاء توقفوا عن العمل، لأن التدريس عن بعد خاص بالأساتذة وبعض الإداريين فقط.
الباقي لا يزاول أي عمل في هذه المرحلة، وهو بالتالي في عداد المتوقفين عن العمل، على الأقل بشكل مؤقت.
ننتقل إلى مسألة أخرى تتعلق بمبررات عدم التعويض، وهي أن المؤسسات الخصوصية استفادت من أداءات شهر مارس.
فيما يتعلق بهذا الموضوع، تناول هذه الجزئية يحتاج هو الآخر إلى معطيات ومعرفة بالسير العادي للمؤسسات، والعلاقة التواصلية التي تجمع إداراتها مع أولياء الأمور.
هل هناك نموذج تواصلي واحد يحدد العلاقة بين إدارة المؤسسات وبين أولياء الأمور؟
بالتأكيد، لا
لذلك يبقى التواصل مبنيًا على مزاج ولي الأمر وطبعه وثقافته ووعيه، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار منهجية عمل كل مدرسة وقانونها الداخلي الذي غالبًا ما يصطدم مع الواقع، وبالتالي تبرز تناقضات وصراعات بين إدارة المؤسسات وأولياء الأمور، تحتاج لحنكة ودراية واجتهاد للخروج بأقل الخسائر الممكنة، هذه الصراعات تصل شظاياها في بعض المناسبات إلى المديريات والأكاديميات وردهات المحاكم.
بناء على هذا التفصيل البسيط، أداء الواجب المالي لا يوجد أي محدد ينظمه، وبالتالي هو يخضع لمزاجية وظروف ولي الأمر، مهما كانت صرامة القانون الداخلي للمؤسسات.
هل هناك مدة زمنية محددة لأداء الواجب المالي الشهري؟
نعم، يوجد، ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو، هل يحترم ولي الأمر الزمن المحدد لأداء الواجب الشهري؟
وكم هو عدد أولياء الأمور الذين يحترمون الزمن المحدد للأداء؟
حقيقة، ليس هناك معيارا محددا في هذا المجال، ولكن يمكن التأكيد أن القلة هي من تحترم المدة المحددة، الشيء الذي يجعل آجال الأداء مفتوحة طيلة الشهر.
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت والتمايز الممكن بين المؤسسات في هذا المجال، والتي تنبني على تصنيفها، كبيرة أو صغيرة، غنية أو فقيرة، في مدينة كبيرة أو مدينة صغيرة، وهل تؤدى الواجب المالي بالشهر أم بالدورة أمربالسنة، وكذلك على تصنيف أولياء الأمور، إلى أي طبقة اجتماعية ينتمون.
نرجع إلى السؤال المحوري.
هل أدى أولياء الأمور في المدارس الخصوصية واجبات شهر مارس؟
ليس هناك تدقيق محدد في الرقم، ولكن بإطلاقية شديدة، واعتمادا على محددات العلاقة التواصلية التي تحدثنا عنها، لا يمكن أن تصل نسبة الأداء إلى 50 في المائة، في أحسن الحالات.
في هذا السياق لابد مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدراسة عن بعد لم تنقطع في كل مؤسسات التعليم الخصوصي، بغض النظر عن نسبة جودتها، وكذلك احترام هذه المؤسسات للمذكرات الوزارية التنظيمية المختصة بالتدريس عن بعد، وخضوعها للمراقبة من طرف المديريات الإقليمية ومطالبتها بتقارير أسبوعية إجبارية.
بعد كل هذا، الأسئلة التي لها راهنينها، والتي يجب أن تطرح هي:
أمام تنصل الدولة من مسؤوليتها اتجاه التعليم الخصوصي كشركات ومقاولات، بغض النظر عن التصنيف، أي باب يمكن أن تطرقه هذه المؤسسات؟
أمام رفض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إدخال مؤسسات التعليم الخصوصي ضمن منظومة المقولات المتضررة، ما هو مصدر دخل المؤسسات للحفاظ على وجودها؟
هل من حق العاملين في مؤسسات التعليم الخصوصي التعويض إذا كانوا مسجلين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟
ما هو المانع الذي يمنعهم من التعويض إذا كان المحدد هو الانقطاع عن العمل، دائما أم مؤقتا؟
هل المانع هو انتماؤهم للتعليم الخصوصي؟
ثم، هل سيؤدي أولياء الأمور الواجب المالي لشهر أبريل وشهر مارس إذا كان لايزال في ذمتهم؟
وإذا أدى بعض الأولياء واجباتهم، هل سيكفي ذلك لاستمرار تقديم خدمات الدراسة عن بعد؟
الكثير من الأسئلة التي يمكن أن تطرح في هذا الإطار، ولكن أغلبيتها سيظل معلقا إلى حين.
ولكن، المؤكد أن واقع التعليم الخصوصي على كف عفريت، أمام ضبابية عودة التلاميذ إلى المؤسسات.
وكل المؤشرات تسير في اتجاه غلق أبواب العديد من المدارس وإفلاسها التام إذا استمرت الأزمة.
يبقى السؤال عن مصير العدد الكبير من العاملين في مؤسسات التعليم الخصوصي، وعن مصير التلاميذ الذي هو رهين بتوقيت العودة إلى المؤسسات، ويكفي أن نعرف أن عدد العاملين في التعليم الخصوصي يبلغ ما يناهز 136 ألف عامل ينتمي لقطاع الخدمات، نسبة كبيرة جدا منهم مسجلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأن عدد تلاميذ القطاع الخاص يبلغ في مجمله ما يناهز مليون و45 ألف تلميذ، هل تستطيع الدولة التكفل بأغلبيتهم.
أين سيذهب هذا الجيش من العاملين والتلاميذ المنتمين لقطاع التعليم الخصوصي في حالة إفلاس مؤسساتهم؟
الذي يمكنه أن يلعب دور المنقذ هو الدولة، ماعداها سيكون انتظارًا لموت محقق سيصيب الأغلبية الساحقة من مؤسسات التعليم الخصوصي.
هل ستتدخل الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
الكثير من المستبصرين يعتقدون أن الوضعية العامة التي أحدثها فيروس كورونا هي مناسبة للتخلص من العبء الاجتماعي الذي أضحى يمثله التعليم الخصوصي.
وأن مناعة القطيع، لابأس عن تعم التعليم الخصوصي كذلك، وبالتالي من يستحق البقاء هو من له مناعة قوية، ويستطيع المقاومة من أجل البقاء.
هل حتى في مؤسسات التعليم الخصوصي ستطبق مقولة (البقاء للأقوى)؟
هل هذا المنطق سليم في طرحه؟
الله أعلم، أما المؤسسات وجمعيات التعليم الخصوصي، فما هي إلا مسببات، لا تعرف ماذا تخبئه لها الأقدار، ومن خلالها كورونا.
يجب أن يعترف الجميع، التعليم الخصوصي في أزمة، وأزمته حقيقة وكبيرة تحتاج لتدخل عاجل من طرف واحد هو الدولة.
غير هذا سيكون تضحية مجانية بقطاع تعليمي قدمت كثيرا من مؤسساته الوطنية الصادقة، الكثير لهذا الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.