الإحصائيات القادمة من إيطاليا تصيب العقول بالذهول، وتحزن القلوب وتدمع لها العيون. فمع غروب شمس كل يوم، تفاجئنا حصيلة فيروس قاتل لا نراه بالعين المجردة لكنه يرانا جيدا ويستهدفنا ليخطف أرواحنا. الوفيات تقدر بالألوف، والإصابات تجاوزت الحدود، والوضع ينذر بكارثة ستعصف بالحياة والوجود. الأرقام المتسارعة مخيفة للغاية، والواقع هناك فاق الخيال، فأصبحت خطابات الساسة غير قادرة على إخفاء الحقيقة ووقف مسلسل رعب استنزف كل طاقات وإمكانيات الدولة، وانتزع من شعبها متعة الحياة. إلى أين المصير يا لؤلؤة القارة العجوز؟ تنكر لك سكان الجوار وأغرقتك الكورونا في الظلام. أغلقت الحدود في وجهك، فلم يعد لك أصدقاء. اختفت ابتسامتك المعهودة، وخيم الحزن على محياك. ماذا جرى وماذا سيجري؟ إيطاليا قوية بالأمس القريب، ضعيفة اليوم وبالغد القريب. فهل ستجود عليها السماء بالمعجزات في الساعات القادمة؟ وهل سيمنحها القدر فرصة ثانية للحياة تعيد البهجة والحيوية لشوارع ميلانو وأزقة الروم؟ الأمل تأخر قليلا فهل سيعود؟ واليأس استعمر القلوب وبدأ يقودها إلى المجهول. لقد أصبحت كورونا مصممة على حصد المزيد من الأرواح، وتسجيل المزيد من الإصابات، فماذا يقع بحق السماء؟ لم يعد التفكير في من اخترع الوباء وماذا أراد من وراء تسريب هذا الداء؟ ولم نعد ننتظر تطوير اللقاح وإجراء التجارب والتحليلات. أصبح الجميع متشوقا لعرض الحلقة النهائية لمسلسل خلق الهلع والرعب في نفوس الإيطاليين، عبَر القارات واخترق الحدود، وأعلن التمرد على كل بلدان وجزر هذا الكون. يقولون في أرض الفاتيكان، التي تحولت بين عشية وضحاها إلى بؤرة للفيروس: "يا ليت ما يقع كان مجرد سيناريو تمثيلي سيتوقف مخرجوه قريبا عن التصوير، ويا ليته كان قصة حزينة من وحي الخيال ولا أصل لها في الوجود". لكن التوقعات تسبح ضد التيار، فمتى سيتوقف زحف شبح الداء الذي حول إيطاليا إلى حمام دماء صارت معه رائحة الوفاة تقض مضجع الأحياء. حتى المقابر تنكرت للأرواح، ورفضت استقبال الأموات وحرمت الأهالي من توديع الجثث إلى مثواها الأخير. ماذا حل بك فجأة يا عروس الأوروبيين؟ وما الخطأ الذي ارتكب وجعل الجائحة تستقر فوق أراضيك؟ فضلك علينا كثير وسخاؤك في العطاء غير محدود. استقبلت الكثير من مهاجري القارة السمراء، وصوبك توجهت قوارب الموت منذ سنين وأعوام. فوق أرضك تحققت أحلام المعطلين العرب، وعاد للباحثين أملهم المفقود. إلى متى سيستمر الوضع على ما هو عليه؟ وهل انكشفت خدعة الاتحاد الأوروبي وأكاذيب وهم التضامن؟ وهل اختفت قيم التآزر بين البلدان وأصبحت الأنانية تنخر الأجساد وتفرض نفسها في رسم السياسات واتخاذ القرارات؟ من دول خارج القلب الأوروبي قدمت الإعانات، ومن بلدان ليست بالصديقة ولا الحليفة أرسلت المساعدات. تخلى الجيران عن إيطاليا في عز الأزمات، وتركوها لوحدها تصارع المصير المجهول. إيطاليا لا تستحق الخذلان، وإن كان ما تعيشه اليوم فيلم رعب بمشاهد حقيقية، فسينتهي طال الزمن أو قصر، وستسعد بنهايته كل القلوب، وستعود الفرحة إلى الوجوه، لتعلن عن نهاية زمن الكورونا الأليم وطرد شبح الداء المخيف. *صحافي مغربي