في خطوة تنتهك بوضوح روح ومبادئ العملية السياسية التي تقودها الأممالمتحدة، وكذلك اتفاق وقف إطلاق النار والاتفاق العسكري 1 وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عقدت جبهة البوليساريو مؤتمرها الخامس عشر في تيفاريتي بالمنطقة العازلة في الصحراء خلال الفترة بين 20 و23 ديسمبر الجاري. إن صمت الأممالمتحدة على هذه الخطوة الاستفزازية التي أقدمت عليها البوليساريو في تجاهل للعملية السياسية التي تشرف عليها يلقي بظلال من الشك على مستقبل العملية السياسية، ويثير تساؤلات جدية حول حياد موظفي الأممالمتحدة المشاركين في الإدارة اليومية لهذا النزاع. على المغرب التحرك بسرعة ومطالبة الأممالمتحدة بتوضيحات بخصوص تقاعسها عن تأدية واجبها بموجب اتفاق إطلاق النار لعام 1991 ومقتضيات قرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 2414، الذي عبر فيه مجلس الأمن عن انشغاله لتواجد عناصر البوليساريو في المنطقة العازلة في الكركرات وطالبها بالانسحاب منها، كما طالبها بالامتناع عن نقل أي منشآت إدارية إلى بير لحلو. بالإضافة إلى ذلك، فإن القرار 2440 طالب البوليساريو باحترام التزاماتها بعدم اتخاذ أي إجراءات في بير لحلو وتيفاريتي والكركرات من شأنها زعزعة استقرار المنطقة. كما على المغرب مطالبة الأممالمتحدة بتقديم توضيحات حول ملابسات حضور ممثلين من بعثة المينورسو في المؤتمر الذي عقدته جبهة البوليساريو في المنطقة العازلة. إن صمت الأممالمتحدة وعدم إدانتها لهذه الخطوة الاستفزازية الصادرة عن البوليساريو المتمثلة في عقد مؤتمر في المنطقة العازلة، بل حضور ممثلين لبعثة المينورسو في هذا المؤتمر، ينم عن تواطؤ المنظمة الأممية مع البوليساريو وعن خروجها عن الحياد الذي ينبغي أن تتقيد به بموجب ميثاقها وبموجب المقتضيات المنظمة لعمل بعثات حفظ السلام الأممية. كما أن تقاعسها عن الضغط على البوليساريو ومطالبتها بالالتزام بمقتضيات قرارات مجلس الأمن، يحمل في طياته دعماً ضمنياً للجبهة للتمادي في ادعاءاتها الباطلة بأن المنطقة المتواجدة خلف الجدار الرملي تدخل ضمن ما تطلق عليه "المناطق المحررة" التي توجد تحت سيطرتها المزعومة. على المغرب استعمال هذا الانزلاق الذي وقعت فيه البوليساريو لصالحه، ومطالبة الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتدخل بحزم من أجل إجبار الجبهة على التقيد بمقتضيات القرارات الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن، خاصة القرارين سالفي الذكر. ومن بين الخطوات التي ينبغي للمغرب اتخاذها مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار بيان يدين فيه أولا تنظيم البوليساريو لمؤتمرها في المنطقة العازلة، ثانياً تقديم اعتذار للمغرب عن حضور ممثلين لبعثة المينورسو في هذا المؤتمر وإدانة هذا الخطوة المتهورة، والتأكيد على حياد الأممالمتحدة وحرصها على عدم التعاطف أو الميول لأي طرف من أطراف النزاع. وفي هذا الصدد، على المغرب التأكيد أن البيان المقتضب الذي أدلى به الناطق الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة يوم الإثنين 23 ديسمبر الجاري، والذي قال فيه إن حضور ممثلين عن بعثة المينورسو في هذا المؤتمر لا يعكس موقفهما ولا موقف الأممالمتحدة، غير كاف ولا يشكل أي ضغط على البوليساريو. فأن يقر الناطق الرسمي للأمم المتحدة بتنظيم البوليساريو في المنطقة العازلة دون التعبير عن انشغال الأمين العام بهذه الخطوة وتأثيرها السلبي على العملية السياسية، فهذا في حذ ذاته يعتبر إشكالاً كبيراً ينم عن عجز الأممالمتحدة أو عدم رغبتها في فرض الاحترام التام لقرارات مجلس الأمن على جميع الأطراف. كما على المغرب مطالبة الأمين العام بالتأكيد بشكل لا يدع مجالاً للشك أن البوليساريو لا تمتلك أي سيادة على المنطقة العازلة المتواجدة شرق حائط الدفاع المغربي في الصحراء، والإشارة بشكل واضح إلى هذه الانتهاكات في التقرير السنوي الذي سيقدمه لمجلس الأمن في شهر أكتوبر 2020. وعلى المغرب بعث رسائل إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وإخبارهم بكل حيثيات هذا المؤتمر وحضور ممثلين عن المينورسو فيه، وتوضيح مدى الخطورة التي يشكلها على استقرار المنطقة، والتأكيد على أن المغرب لن يدخر أي جهد لحماية حقوقه ومنع أي جهة كانت من فرض سياسة الأمر الواقع أو تغيير الوضع القائم في المنطقة. من جهة أخرى، ينبغي للمغرب ربط موافقته من عدمها على هوية الممثل القادم للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء بمدى التزام الأممالمتحدة بالإعلان بشكل رسمي أن الخطوات الاستفزازية التي أقدمت عليها البوليساريو في الآونة الأخيرة مخالفة لقرارات مجلس الأمن وقد تعرضها لعقوبات في حال التمادي فيها، بالإضافة إلى دحض ادعاءات البوليساريو بأن المنطقة المتواجدة خلف الجدار الرملي توجد تحت سيطرتها. على المغرب تذكير المنتظم الدولي بأنه حينما قرر إخلاء المنطقة العازلة عام 1991 لم يقم بذلك على أساس إهدائها لجبهة البوليساريو، بل إبداءً منه لحسن النية ولعزمه تعبيد الطريق أمام الأممالمتحدة للبدء في عمليتها السياسية ولعب الدور المنوط بها من أجل مساعدة الأطراف على التوصل إلى حل نهائي للنزاع. كما على المغرب التلويح باستعداده لدخول المنطقة العازلة وبسط سيطرته عليها في حال فشل مجلس الأمن والأمانة العامة في لعب الدور المنوط بهما للحفاظ على استقرار المنطقة، وعلى استمرارية العملية السياسية. إن مصداقية الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وقدرتهما على لعب دور الوساطة لحل النزاعات وعلى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين على المحك. وإن أي تقاعس للمنظومة الأممية لإعادة تذكير البوليساريو بقواعد وثوابت العملية السياسية وبمقتضيات قرارات مجلس الأمن سيساهم في تقويض ثقة كل الأطراف الدولية التي تعول على وساطة الأممالمتحدة للحل السلمي للنزاعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المغرب. فهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها البوليساريو بخرق مقتضيات القرارين 2414 و2440 وروح العملية السياسية التي ترعاها الأممالمتحدة. ففي أوائل يناير من هذه السنة، قامت مليشيات البوليساريو بما أسمته مناورات عسكريه في منقطة المهيريز المتواجدة كذلك في المنطقة العازلة، وهو تصرف استفزازي من شأنه أن يؤدي إلى توتر غير مسبوق في المنطقة ويهدد استقرارها وأمنها. كما أنها ليست المرة الأولى التي تتورط الأممالمتحدة في خطوات تثير الشكوك حول مصداقيتها ونزاهة موظفيها وأهليتهم للعب دور الوساطة في هذا النزاع. ففي عام 2013 ظهر شريط فيديو لموظف سابق في بعثة المينورسو من جنسية مصرية يحرض البوليساريو ضد المغرب، وهو ما خلق جدلاً كبيراً دفع الأممالمتحدة إلى فتح تحقيق وطرد ذلك الموظف من البعثة الأممية. وفي شهر مارس 2016، قام الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بان كي مون، بزيارة إلى مخيمات تندوف ووصف المغرب بالمحتل للصحراء. ولم يتأخر المغرب في شجب تصريح بان كي مون وفي التشكيك في مصداقيته وفي أهليته في لعب دور الوساطة في هذا النزاع. وقد خلقت تلك التصريحات توتراً غير مسبوق بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة وزادت في توسيع الهوة بين الطرفين. إلا أن انتخاب أنطونيو غوتيريس أميناً عاماً للأمم المتحدة أعاد نوعاً من الدفء للعلاقات بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة، وساهم في إحياء الثقة بين الطرفين. غير أن تمادي الأمانة العامة للأمم المتحدة في السكوت عن انتهاكات البوليساريو وحضور ممثلين لبعثة المينورسو في مؤتمر هذه الأخيرة في المنطقة العازلة قد يتسبب مرةً أخرى في إثارة الشكوك حول نزاهة القائمين على هذا الملف في الأممالمتحدة. على ضوء صمت الأمين العام المستمر إزاء الاستفزازات المتكررة للبوليساريو في المنطقة العازلة، بالإضافة إلى امتناعه عن الإشارة ولو بشكل موجز لتورط قيادة البوليساريو والجزائر في اختلاس المساعدات الإنسانية الموجهة إلى مخيمات تندوف لما يزيد عن 4 أربعة عقود، كيف للمغرب أن يثق في نزاهة الفريق الأممي الذي يسهر على إعداد التقرير السنوي حول النزاع الذي يقدمه الأمين العام لمجلس الأمن؟ وكيف للمغرب الاستمرار في التعامل مع مختلف المتدخلين في النزاع بنزاهة وحسن نية ما دامت الأممالمتحدة لا تقوم بردع البوليساريو ولا تحرص على احترامها التام لمقتضيات قرارات مجلس الأمن؟ فإذا لم تقم الأممالمتحدة بتدارك الموقف والتأكيد على حيادها وعلى حرصها على التعامل بحزم مع أي خرق لمقتضيات قرارات مجلس الأمن، فسيكون من الصعب تحقيق أي تقدم في العملية السياسية في المستقبل المنظور. ومن شأن تكرار صمت الأممالمتحدة تجاه الاستفزازات المتكررة للبوليساريو أن يدق آخر مسمار في نعش العملية السياسية التي تقودها الهيئة الأممية، ذلك أن المغرب سيفقد الثقة في تقيد هذه الأخيرة بمبدأ الحياد في العملية السياسية التي ترعاها منذ عام 2007. وإذا كانت الأممالمتحدة تأمل في الحفاظ على بعض الأمل في أن تسفر العملية السياسية عن أي تقدم ملموس في المستقبل المنظور، والحفاظ على الزخم الذي تمخض عن المائدتين المستديرتين اللتين عقدتا في شهر ديسمبر 2018 وشهر مارس 2019 في جنيف، فعليها التحرك بسرعة وإدانة ما أقدمت عليه البوليساريو. كما على الأممالمتحدة بعث رسالة واضحة وشديدة اللهجة إلى البوليساريو مفادها أنه بعد خرقها المتكرر لقرارات مجلس الأمن، لم يعد لها هامش للمناورة، وأن أي خطوة استفزازية من هذا القبيل قد تجعلها عرضة لعقوبات.