يشهد الفضاء الديني بالمغرب خاصة في بعض الأحياء الشعبية التي تنتشر فيها مساجد الاحياء والدروب ظاهرة مزعجة تتمثل في رفع الاذان في مساجد أو قاعات للصلاة لا تتوفر في الأصل على مآذن. خاصة بعدما زودت جل هذه المساجد والجوامع بمكبرات صوت للإعلان عن مواقيت الصلوات الخمس. لكن نظرا لأن جل المؤذنين غالبا ما لا يخضعون لأي معايير انتقاء تشترط رخامة الصوت وحسن الأداء، بالإضافة إلى كون جل هؤلاء المؤذنين من ذوي أصول مختلفة قروية وبدوية وحضرية، فإنه عادة ما يستعملون مكبرات الصون كوسائل للصياح دون أن يدركوا أن وظيفة هذه الأداة هي لتضخيم الصوت والتقليل من عناء الرفع منه، مما يؤدي في آخر المطاف إلى الكثير من الإزعاج خاصة عندما يقوم المؤذنون بالأذان في وقت واحد، وفي مسافة قريبة، وفي أوقات يكون السكان ما زالوا نياما أو مرضى أو رضع.... ولعل هذه الظاهرة لا تقتصر على الفضاء الديني بالمغرب بل تعرفها العديد من الدول العربية والإسلامية. فقد شهدت مجموعة من دول العالم الإسلامي والعربي جدلا واسعا حول الأذان بمكبرات الصوت وما يثيره من مظاهر الإزعاج للعديد من الساكنة. وهكذا أثارت تصريحات الإعلامي السحيمي المعروف بكتاباته الليبرالية ومواقفه ضد التشدد الديني بمصر عاصفة نقدية ضده بعدما طالب بمنع صوت الأذان الذي وصفه بالمزعج. فبالإضافة إلى سيل من التغريدات التي استنكرت هذا التصريح، وصف الشيخ صالح المغامسي حديثه بالتجرؤ على الدين، وقال: "حديث الكاتب فيه جرأة عظيمة على دين الله، وجرأة عظيمة على شعيرة من أعظم شعائر الله". وأضاف: "لا يُوصف الأذان بأنه مرعب، هذه مفردة تحتاج من قائلها إلى التوبة". "وبالتالي، فقد دفع الهجوم الشرس الذي شنّه المغردون على السحيمي الجهات الأمنية، إلى إحالة الكاتب على التحقيق لدى الجهات العدلية المختصة ومنعته من الكتابة والظهور الإعلامي. كما أعلنت وزارة الثقافة والإعلام عن إيقاف هذا الكاتب وإحالته للتحقيق أمام لجنة النظر في ضبط المخالفات الإعلامية بالوزارة. فهذه الظاهرة تعكس في عمقها إشكالية تتعلق بكيفية الحفاظ على الروح الدينية مع تطوير أشكال التدين بما في ذلك تنظيم نظام الأذان. حيث أن هذا الوضع لم يمنع من محاولة السلطات في بعض الدول العربية والإسلامية تنظيم الأذان وبلورة بعض الآليات لتقنينه. تقنين الأذان في الجزائر شهدت الجزائر عام 2015 جدلا حادا بعد دعوة نشطاء علمانيين، السلطات إلى التدخل لتخفيض صوت الأذان في المساجد خاصة أثناء الليل مما أثار غضب جماعات محسوبة على التيار السلفي التي استهجنت هذه الدعوة. ولاحتواء هذا الوضع، حاولت السلطات بالجزائر تقنين الأذان في العديد من المساجد التي يبلغ عددها أكثر من 15 ألف مسجد، إلى جانب 5 آلاف في طور الإنجاز، حيث تم بناء أغلبها في حملات تطوعية للسكان، بينما تتولى الحكومة تسييرها ودفع أجور موظفيها. وبالتالي، عمد وزير الشؤون الدينية السابق أبوعبد الله غلام الله، في سنة 2013، إلى تحديد بعض الضوابط للأذان من خلال إرسال تعليمات إلى المساجد تخص "احترام مواقيت رفع الأذان ومسألة رفعه أو تخفيضه". وهكذا أصدرت وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، بشكل دوري، مجلة رسمية حول مواقيت الدعوة إلى الصلاة، بغاية توحيد وقت الأذان. في حين عملت، الوزارة لتلافي بعض الأخطاء المرتكبة من طرف بعض المؤذنين، بسبب ضعف تكوينهم وتدني تأطيرهم، إلى إصدار قرار يحدد كيفية أداء الأذان وصيغته، من خلال مراعاة تحسين الصوت في الأذان وضبط مكبرات الصوت في المسجد بشكل يحصل به السماع دون إفراط. كما نص هذا القرار على أنه لا يجوز رفع أذان صلاة الجمعة والصلوات الخمس قبل دخول الوقت الشرعي وفقا للجدولة الرسمية للمواقيت المعدة من طرف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف. كما نص هذا القرار على أن الأذان بما أنه شعيرة دينية الغرض منها إعلام الناس بدخول الوقت الشرعي للصلاة المفروضة، فيجب أن يكون بألفاظ معلومة مأثورة، وعلى صفة مخصوصة ومن مكان مخصص. فالأذان الأول لصلاة الفجر يرفع نصف ساعة قبل رفع الأذان الثاني، أما صيغة الإقامة فتكون على نحو «الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إلاه إلا الله». في حين نصت إحدى مواد هذا القرار على أن الثويب في الأذان الثاني لصلاة الفجر يكون «الصلاة خير من النوم»، مرتين، أما مادة أخرى فأكدت على أن الأذان يكون بوقوف المؤذن من باب التمهل على رأس كل جملة من الأذان، ورفع الأذان باللفظ العربي ولا يصح بأي لغة أخرى، وكذا يجب مراعاة أحكامه وضمان خلوه من الأخطاء التي تغير المعنى، إضافة إلى المتابعة بين ألفاظه دون فصل بقول أو بفعل. ولتحسين جمالية الأذان بمساجد الجزائر، انعقد يوم دراسي من أجل تنظيم كيفية أداء الأذان وذلك بتحسين الألفاظ وفق المذهب السني و"تحسين جمالية الأذان وفق أحكام الفقه الإسلامي والترانيم التي التزم بها المؤذن بلال بن رباح في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم" وكذا "تنظيم صوت الأذان ليكون أداؤه في القرى مرتفعا حتى يصل إلى جميع السكان ووسط المدن وتفادي تداخل الأصوات والإزعاج وكذا عدم فهم ما يقال من هذه الأبواق". وفي هذا السياق، أشرفت وزارة الشؤون الإسلامية على تنظيم مسابقات فتحت أمام جميع المؤذنين على الصعيد الوطني الذين يتمتعون بأصوات جميلة وقوية، لانتقاء أجود الأصوات من طرف مختصين في المقامات والأصوات، حيث تم اختيار أحسن صوت يرفع به أذان جامع الجزائر الذي تم تدشينه في أواخر 2018. كما تم تنظيم مسابقتين وطنيتين لفائدة المؤذنين من الكبار والأطفال حيث تم اختيار أربعة مؤذنين من الفائزين في هذه المسابقة من ولايات البليدة والاغواط والمدية والوادي إلى جانب اختيار برعم من ولاية الجلفة. تكوين المؤذنين في تونس لتحسين أداء المؤذنين بمساجد تونس، عملت الحكومة على عقد دورة تدريبية للمؤذنين في معهد "الرشيدية" للموسيقى لمساعدتهم على الرفع من مستوى الأذان من خلال تعلم تقنيات موسيقية تحافظ على هوية الأذان التونسي وخصوصيته. وفي هذا السياق، احتضن معهد الرشيدية للموسيقى العريق بالمدينة القديمة في العاصمة تونس، دورات تدريبية في أداء الأذان حضرها عشرات المؤذنين. الذين أصبحوا يتلقون دروسا في الموسيقى لتطوير أدائهم على رفع الأذان مما يساهم في خلق أجواء من الهدوء النفسي والسكينة الروحية فمن وسط المعهد الموسيقى "الرشيدية" المتخصص في الموسيقى التراثية تتعالى أصوات عشرات المؤذنين موحدة، منادية للصلاة بعيون مغمضة وتركيز عال ثم يتابعون بعدها توجيهات الأساتذة الذين يحاولون تنسيق نبرات أصواتهم لتطوير أدائهم في إنشاد الأذان على الطريقة التونسية "الخاصة والسلمية". وهكذا داوم هؤلاء المؤذنون على ارتياد هذا المعهد مرتين في الأسبوع للتدرب على تخريج الحروف وضبط المقامات الموسيقية والصوتية على غرار ما يقوم به المنشدون وعازفو العود. وبهذا الصدد أشار مدير هذا المعهد إلى أهمية هذا التكوين الموسيقي للمؤذنين لإضفاء جمالية دينية على أذانهم الذي سيشجع بلا شك على إضفاء الخشوع والتشجيع على التقرب إلى الله خاصة في صلوات معينة كصلاة الفجر. إذ أن "سماع الأذان عند الساعة الرابعة صباحا بصوت جميل وبتقنية عندما يكون الشخص لا يزال في الفراش، يشجع على التقرب من الله". مأسسة الأذان بتركيا جريا على عادة السلاطين العثمانيون في لاعتناء يتجويد طريقة وكيفية الأذان، أسس حزب العدالة والتنمية، منذ توليه الحكم بزعامة الرئيس أردوغان مدرسة "الحفاظ الأنديرون" التي تختص بتدريس المقامات الموسيقية المستخدمة في قراءة القرآن والأذان. مقامات الأذان إذ تعد هذه المقامات مذهبًا عثمانيًا خالصًا. وهكذا تم تحديد عدد المقامات المستخدمة في الأذان في خمسة عشر مقاما، حيث خصص لكل أذان مقامه الخاص. فمثلًا يستخدم مقام الصبا في أذان الفجر لتميزه بالهدوء وما يتركه من خشوع لدى السامع. أما وقت صلاة الظهر فيقرأ الأذان على مقام البيات أو العشاق، لإيقاعه السريع والحركي الذي يوافق حركة الناس في الأسواق وأعمالهم. وحين يأتي وقت العصر، فإن مقام الراست هو الأنسب لوقاره وفخامته ولنغمة البهجة والسرور التي تطلقها إيقاعاته، ويطلق عليه أبو المقامات. أما أذان المغرب فيتماشى مع مقام السيكا الذي يتناسب مع مدة فترة المغرب القصيرة والسريعة. وأخيرًا يرفع أذان العشاء على مقام الحجاز لهدوء نغمته والذي يتوافق مع سكون الليل، فيخفف عن الناس تعبهم وإرهاقهم طوال اليوم. انتقاء المؤذنين نجحت تركيا في تحويل وظيفة المؤذن إلى علم يدرس ومنصب يفتخر به أصحابه. فهيئة الشؤون الدينية تشترط مجموعة من التعليمات على من يريد أن يكون مؤذنًا، ومنها: التحاقه بمدرسة الأئمة والخطباء، وأن يكون متخرجًا من الثانوية ولديه صوت جميل ومرونة، والأهم من ذلك، أن يكون حافظَا للقرآن الكريم كاملًا، ومخارج حروفه سليمة ودقيقة، وعند اكتمال هذه المتطلبات، يجرى امتحانًا لتقييم القدرات، خاصة لمن يجري تعيينهم في المساجد المزدحمة والتي تحمل أهمية تاريخية كبيرة مثل مسجد السلطان أحمد والسليمانية والفاتح. وهناك المسابقة السنوية التي تنظمها الهيئة، بعد عام كامل من الدورات لتدريب المؤذنين على المقامات، إذ تتكون اللجنة من أساتذة موسيقيين يراقبون الصوت والنفس ومخارج الحروف. وهكذا استطاعت تركيا إعلاء قيمة الأذان الدينية ووضعت قواعد واضحة لعلاقته الوثيقة مع العلم والموسيقى، فلقد جعلت لكل أذان ميزانًا ومقياسًا، والهدف من هذا كله تلقى استجابة الناس للصلاة وجذب الذين يذهبون للمسجد والذين لا يذهبون أيضًا لجمال الفن الإسلامي. الأذان بالمغرب وسوء استعمال مكبرات الصوت يعتبر المؤذن مكونا أساسيا ضمن الفضاء الديني بالمغرب، حيث لا يمر يوم دون أذان. ولا يمكن أن يخلو مسجد في كل التراب الوطني من مؤذن يصدح بصوته معلنا خمس مرات في اليوم نداء لجميع المصلين لأداء ثاني فريضة من فرائض الإسلام الخمسة. لكن مع ذلك، فأنه لا توجد معايير موحدة في اختيار المؤذن بل إن الأعراف هي التي تتدخل في ذلك. فالمؤذنون صنفان بعضهم تابعون لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وآخرون يشتغلون في مساجد تخضع لتسيير جمعيات تنفق على المسجد والقيمين الدينيين العاملين به ومن بينهم المؤذن. إلى جانب صنف آخر يتطوع للأذان في مساجد ودروب الأحياء الشعبية. ولعل هذا ما يجعل أن هناك تفاوتا ليس فقط في وضعية هؤلاء المؤذنين بل أيضا حتى في طريقة أذانهم وكذا في مستوى أصواتهم، التي لا يرقى بعضها إلى المستوى المطلوب من رقة الصوت ورخامته، أو جهورية الصوت وحسن مخارج الحروف. الشيء الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى تحول أصوات بعض المؤذنين إلى إزعاج حقيقي يقض مضاجع العديد من الساكنة خاصة بعدما تم تزويد هذه المساجد بمكبرات الصوت التي لا يتقن هؤلاء المؤذنين استعمالها بشكل مناسب نظرا لجهل معظمهم بتقنيات الصوت والتحكم فيه، وكذا بجهلهم بالكيفية الملائمة لاستعمال هذه المكبرات. فتجد أغلبهم يرفع عقيرته بالأذان رغم استعماله لمكبر الصوت مما يحول آذانه إلى صياح مزعج بعدما ينضاف هذا الأذان بشكل متزامن إلى أذان مؤذني مساجد أخرى التي عادة ما تكون متجاورة، لتتحول هذه التوليفة من الأذان إلى شبه صراخ تختلف عن آذان المساجد الكبرى التي تتوفر على مؤذنين لهم أصوات مقبولة، وإجادتهم استعمال مكبرات الصوت في تبليغ أذانهم بطريقة سلسة ومحببة. الشيء الذي يطرح التساؤل عن السماح لمتطوعين للأذان في مساجد وجوامع صغيرة لا تتوفر عادة على مئذنة أو صومعة. إذ المفروض نظريا ألا يتم الأذان إلا في مساجد كبرى تتوفر في تصميمها على صوامع يؤذن من فوقها، في حين أن المساجد الصغيرة أو قاعات الصلاة التي لا تتوفر على صومعة أو مئذنة لا ينبغي أن يرفع فيها الآذان بل هي عادة ما تنضبط لأذان هذه المساجد الكبرى. وحتى في حالة السماح بالأذان في هذه الجوامع والمساجد الصغرى، فلا ينبغي أن يستعمل مؤذنوها مكبرا للصوت. فاستعمال صوته بشكل عاد يمكن أن يفي بغرض إعلام مصلي حي من الأحياء أو درب من الدروب الشعبية. لكن على عكس ذلك تجد على سبيل المثال في مدينة مكتظة وصاخبة كالدارالبيضاء مجموعة من مساجد متقاربة يقوم كل مؤذن من مؤذني هذه المساجد بشكل متزامن بالأذان مستعملا مكبر الصوت، الشيء الذي يؤدي إلى اختلاط أصواتهم وتداخلها مما يكون له أثر عكسي على أذن الساكنة التي لا تفهم السر وراء ضرورة أن يؤذن كل مؤذن لوحده لإقامة صلاة موحدة سواء كانت فجرا أو ظهرا أو عصرا أو مغربا أو عشاء في حيز مكاني ضيق مع استعمال مكبر صوت منفرد، وتتساءل إن لم يكن من الأجدى أن يتناوب مؤذنو مساجد هذه الأحياء التي لا تتوفر على مئذنة أو صومعة على الأذان، لصلوات اليوم أو صلوات الأسبوع، أو الاتفاق على الانضباط لأذان المسجد الأعظم أو الكبير الموجود في المنطقة. ولعل ما يستوجب طرح هذا التساؤل هو "الظاهرة التدينية" التي استشرت بالخصوص خلال شهر رمضان والتي تكون من ورائها على ما يبدو خلفيات سياسية أو حزبية. إذ يتم فيها استعمال مكبرات الصوت بشكل كبير ليس فقط في الأذان بل أيضا في إقامة التراويح في شهر رمضان. وبهذا الصدد كتب أحد الباحثين في الشأن الديني منتقدا هذه الظاهرة من خلال ما يلي: "تعرف الكثير من المدن المغربية ظاهرة إذاعة صلوات التراويح خلال ليالي شهر رمضان الأبرك عبر مكبرات الصوت الخاصة بالأذان بعدد من المساجد، بل تجتهد الجمعيات المسيرة للمساجد في مضاعفة حجم الصوت حتى يبلغ أبعد مداه. ولكم أن تتصوروا حجم الأضرار النفسية والعصبية على سكان العمارات الموجودة في محيط المساجد حيث يتردد صدى الأصوات ويتضاعف، وخاصة فئة الأطفال والمرضى والمسنين فضلا عن العمال والموظفين والطلبة الذين هم بحاجة إلى انتزاع وقت للنوم من زحمة المشاغل، لدرجة أن أعدادا منهم اضطروا إلى تغيير محلات سكناهم طلبا للهدوء. فالمساجد هي بيوت الله توفر السكينة والاطمئنان لروادها ومحيطها ولم يتحول بعضها إلى مصدر للإزعاج إلا بسبب الاستغلال السياسوي لها من طرف الجمعيات الدينية المتحزبة التي باتت تسير المساجد وفق تصورها بعد أن حولتها إلى مرافق أو مقرات خاصة بها ضدا على القوانين المنظمة لدور العبادة. فعهد السيبة والتسيب والتساهل الذي حسم معه الخطاب الملكي سنة 2003 عقب الأحداث الإرهابية، يعود بطرق شتى ومن داخل عباءة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي من الفروض فيها أن تفعل مقتضيات القانون وتفرض وصايتها الإدارية والتنظيمية على المساجد ولا تتركها مجالا للتوظيف السياسوي الذي حول بعضها إلى مصدر قلق وإزعاج للمواطنين في عقر ديارهم؛ علما أن الله تعالى جعل داخل بيوت الله وليس خارجها مكانا للذكر وللتسبيح (في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)؛ وكذلك أمر الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم "وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَ0بْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً" . إن هذه الجمعيات الدينية المتحكمة في تدبير شأن المساجد هي من يسيء إلى الدين وينفر المواطنين من مجاورة بيوت الله. وظاهرة إذاعة الصلوات الجهرية في رمضان خارج المساجد لم يعرفها المغرب وحده بل عرفتها كثير من البلدان العربية واضطرت إلى اتخاذ تدابير عملية لمنعها منعا للإزعاج وحفاظا على سكينة المواطنين وراحتهم. فالأمر لا يتعلق بتقييد العبادات أو التضييق عليها، ولكنه صون لحرمة المساجد وضمان لراحة المواطنين". ولعل وعي السلطة بهذا الوضع خاصة بمدينة الدارالبيضاء، قد دفع بالمندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بجهة الدارالبيضاء الكبرى بتاريخ 20 فبراير 2007 إلى إصدار مذكرة، وزعت على المناديب الإقليميين للشؤون الإسلامية بجهة الدارالبيضاء الكبرى تطلب منهم حث المؤذنين على ضبط مكبرات الصوت، وتخفيض مستواها إلى الحد الأدنى أثناء التهليل وأذان صلاة الفجر وعدم إسماع صلاة الصبح خارج المساجد بمكبرات الصوت، مستندة في ذلك إلى القواعد والضوابط المنصوص عليها في دليل الإمام والخطيب والواعظ الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2006 والمصادق عليه من طرف المجلس العلمي الأعلى والذي نص على ما يلي: - تشغل مكبرات الصوت الخارجية للمسجد مع ضبطها بما لا يسبب الإزعاج في الحالات التالية في أذان الفجر تخفض مكبرات الصوت إلى مستوياتها الدنيا، وبدرجة كبيرة في المساجد القريبة من المستشفيات ومن إقامات غير المسلمين. - تشغل مكبرات الصوت الداخلية عند أداء كل شعائر الدين بالمسجد أو عند كل نشاط ثقافي أو اجتماعي أو تربوي ينظم بموافقة مندوبيات الشؤون الإسلامية". وعموما، فإذا كان حرص السلطة على ضمان الأمن الروحي قد جعلها تهتم بأن يتم الأذان في كل مساجد المملكة بالصيغة المغربية التي تقوم على "وضوح الألفاظ وبلحن مسترسل خال من كل تقليد للصيغ الأجنبية" فقد حان الوقت لكي تهتم وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، ليس فقط بتنظيم مسابقات في الأذان والتهليل ومنح جوائز بهذا الصدد، بل بالسهر على تكوين مؤذنين من مستوى عال تتوفر فيهم إلى جانب الشروط المعرفية والدينية التوفر على ملكات صوتية عذبة ورخامة صوت يتم صقلها من خلال إنشاء معاهد للتجويد والتكوين الموسيقي وذلك على غرار ما تقوم به تركيا بهذا الصدد. فصوت المؤذن لا ينبغي أن ينادي فقط للصلاة، بل ينبغي قبل كل شيء أن يتسرب إلى شغاف القلوب ويؤثر على الأحاسيس بشكل يشجع على الإقبال على الصلاة بخشوع. كما ينبغي للمؤذن أن يتقن ليس فقط مخارج الحروف، بل أيضا التحكم في تقنيات الصوت والتمكن من استعمال التقنيات الصوتية الحديثة بما فيها مكبرات الصوت. فبلال الذي لقب بمؤذن الرسول قد اختاره هذا الأخير لجهورية صوته. كما أن الشجي هو ما أبكى أحد نصارى العهد الإسلامي الأول وهو يستمع للقرآن دون أن يفهمه أو يؤمن به.