قال زياد الدبار، صحافي تونسي وعضو المكتب التنفيذي للفيدرالية الدولية للصحافيين، إن "الحرية المطلقة مَفسدة مُطلقة، والحد منها أيضاً مفسدة مطلقة"، وأكد أن "الرهان المطروح على وسائل الإعلام بخصوص هذا الأمر هو تحقيق التوازن بين النفاذ إلى المعلومة والحياة الشخصية والصالح العام". وأشار الدبار في ندوة نظمها المجلس الوطني للصحافة، اليوم السبت بمدينة طنجة، حول موضوع "وضع في الميزان المصلحة العامة بين الحق في حرية الإعلام واحترام الحياة الخاصة"، إلى أن الاستثناءات التي تنظم الوصول إلى المعلومة وتماسها مع الحياة الخاصة يجب أن تكون مقننة وواضحة أيضاً. ويَعتبر الدبار، وهو عضو نقابة الصحافيين التونسيين، أن تطور الإعلام في تونس بعد ثورة الياسمين سنة 2011 جعل المهنيين يصلون إلى فكرة مفادها أن "الحرية يجب أن تكون لها ضوابط أخلاقية وقانونية لحماية الصحافيين والجمهور والقارئ وتأخذ بعين الاعتبار الصالح العام". وأورد المتحدث أن "الصحافة في تونس عرفت تطورات عديدة، منذ اندلاع ثورة الياسمين؛ من بينها ظهور الصحافة الصفراء التي تخدع وتغش وتنشر معطيات شخصية جداً حول المسؤولين والنقابيين، وتمارس العنصرية والابتزاز في حق شخصيات عامة من قضاة ووزراء وشخصيات سياسية". كما ظهرت، خلال السنوات التي تلت سنة 2011، حسب الصحافي التونسي، "بعض الجرائد المحسوبة على التيار الإسلامي وصلت إلى حد نشر بعض المعلومات الأمنية والخاصة جداً؛ بل وصلت أيضاً إلى المحاضر الخاصة ببعض القضايا التي أثارت الرأي العام". من جهته، قال المختار العماري، مدير نشر موقع "تيل كيل عربي" وعضو المجلس الوطني للصحافة بالمغرب، إن إحداث هذا المجلس "جاء من أجل تصحيح الوضع الإعلامي في المغرب والذي، كما في العديد من دول العالم، يعرف خلطاً بين الحق في الإعلام والإخبار وحرية التعبير وإمكانية توظيف هذا الحق من أجل نشر أخبار وتقارير تمس جوهر المصلحة الوطنية الكبرى". وذكر العماري أن "الحق في الصورة يتم استغلاله بطريقة بشعة، حيث يتم أحياناً توظيف صور أطفال وضحايا حوادث السير والعمليات الإرهابية"، مشيراً إلى أن الدستور وعددا من القوانين التي اعتمدها المغرب توضح حدود الحق في الإعلام والحق في حماية الحياة الخاصة. من بين هذه النصوص، يشير العماري إلى الفصل 27 من الدستور الذي ينص على أن "من حق المواطنين والمواطنات الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، ولا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي والحياة الخاصة للأفراد". وبالإضافة إلى الفصل السابق، قال العماري إن القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات تضمن نفس الرابط بين الحق في الإعلام والحق في حماية الحياة الخاصة بنفس العبارات تقريباً، ثم جاء ميثاق أخلاقيات المهنية الذي أعده المجلس الوطني للصحافة الذي تحدث بشكل مباشر على أن "الحياة الخاصة والمجال الحميمي للأفراد ملك لهم ولا يجوز اقتحامه لنقله". لكن الميثاق، يوضح العماري، ينص على أن هناك استثناء في هذا الصدد، ويضيف قائلاً: "هذا الاستثناء يحضر إذا كانت الوقائع المنقولة عن الحياة الخاصة لها علاقة وطيدة بمصلحة عامة مبررة بوضوح مع أخذ الاحتياطات اللازمة في تقدير هذا التوازن بين الحق في الإخبار وحق المواطن في الخصوصية". كما ينص ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة، حسب العماري، على أن "لكل شخص الحق في تملك صوره وطرق استعمالها من طرف الغير إلا إذا كانت هذه الصورة تدخل في إطار ضرورات الإخبار أو مبررة موضوعياً بمصلحة عامة أو إذا كان المعني شخصية عمومية أو موافقاً على التقاط صورته واستعمالها". ويخلص المتحدث إلى القول إن المقتضيات سالفة الذكر "تبحث بصفة عامة عن المصلحة العامة، وأن يكون النشر لضرورة مهنية، وحين يتعلق الأمر بشخصية عمومية تنتفي نسبياً مراعاة الحق في الخصوصية". وفي نظر العماري، فإن المؤسسات والسلطات في المغرب يجب أن تؤمن بأن نشر المعلومة الصحيحة هو إحدى الوسائل لتجنب الشائعات والمغالطات في مجال الإعلام، وأعطى مثالاً على ذلك قائلاً: "حين انتشر خبر طلاق الملك محمد السادس ساد الصمت حول الموضوع وتناسلت الشائعات واستمرت شهوراً إلى أن خرج محامي الملك عبر بلاغ وضح فيه الحقيقة وقال بأن هذا الطلاق حدث آنذاك حُد الكلام ونقص إلى حد كبير النقاش". وأكد العماري أنه في "واقعة طلاق الملك كان الناس في حاجة إلى معلومة صحيحة، وهذا الوعي لدى السلطات أصبح يتنامى، والدليل على ذلك يظهر أيضاً من خلال تواصل الديوان الملكي بخصوص وضعية الملك الصحية بحيث يتم إخبار الرأي العام كلما أجرى عملية أو خضع لفحوصات، وهذا يخفف عبئاً كبيراً بحيث ننتقل من ثقافة الأخبار الزائفة والاختلاق إلى ثقافة الإخبار والمعلومة".