نشر مجلس المنافسة في الجريدة الرسمية عدد 6830، الصادرة الأسبوع الجاري، وثيقةً حكوميةً عبارة عن مذكرة تتضمن خُلاصات رصد تطور الأسعار في قطاع المحروقات في المغرب بعد تحريرها نهاية 2015، تقر بوجود هوامش ربح مرتفعة وممارسات غير قانونية. وجاء في الوثيقة، الصادرة عن الوزارة المنتدبة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة التي تم حذفها في التعديل الحكومي الأخير، أن الرصد انصب على مقارنة الأسعار المطبقة من طرف عينة من محطات الوقود ومقارنتها بالأسعار المحتسبة. وتبين للسلطات الحكومية، وفق الوثيقة، أن تغيرات الأسعار في محطات التوزيع ظلت تخضع لفترات ما قبل التحرير، أي كل فاتح و16 من كل شهر، مع ملاحظة سلوك مواز في سياسة الأسعار المطبقة من قبل الفاعلين في القطاع من حيث التقارب الكبير بين معظم الأسعار المسجلة، مما قد يؤول على أنه مؤشر على بعض الممارسات المخلة بالمنافسة. وتُشير الوثيقة ضمن استنتاجاتها إلى أن هناك توسيعاً للفارق بين الأسعار المحتسبة استناداً إلى تركيبة الأسعار ما قبل التحرير والأسعار المعتمدة، تعدى في بعض الفترات لدى بعض الموزعين حوالي 1,50 درهماً للتر، خاصة مع بداية التحرير. وقالت الوزارة: "إذا ما أضيفت هذه الفوارق إلى الهوامش التي يستفيد منها القطاع قبل التحرير، والتي تبلغ 60,35 سنتيماً للتر الغازوال و75,61 سنتيماً للبنزين، فهذا الفارق سيتعدى درهمين للتر الواحد، وهو ما يفيد بارتفاع في هامش الربح الخام". وأوردت المذكرة الحكومية أن بعض المهنيين أكدوا لها أنهم رفعوا من هوامش ربحهم خلال السنتين الأوليتين بعد التحرير، حيث تراوحت بين 1,20 درهماً و1,45 درهماً للتر موزعة بين شركات التوزيع وأرباب المحطات، وإذا ما قورنت هذه الهوامش مع تلك المطبقة قبل التحرير، فإن نسب الارتفاعات تفوق 80 في المائة وقد تصل إلى 140 في المائة. وتُقر الحكومة من خلال مذكرتها بأن المستهلك المغربي لم يستفد من انخفاض الأسعار الدولية خلال سنتي 2016 و2017 حيث سجل متوسط سعر الكازوال ما يعادل 406 دولارات للطن سنة 2016 و499 دولاراً للطن سنة 2017، بينما سجل سعر البنزين 474 دولاراً للطن خلال سنة 2016 و562 دولاراً للطن خلال سنة 2017. وعلى الرغم من الانخفاض سالف الذكر، تعترف الحكومة بأن الأسعار الداخلية للمحروقات لم تعرف انخفاضات توازي هذه المستويات وظلت في مستويات مرتفعة لإقدام المهنيين على عكس جزء بسيط من انخفاضات الأسعار الدولية بنسب أقل مما يتم عكسه بالنسبة للارتفاعات. ولم تقدر الحكومة على القول بشكل صريح بوجود تواطؤ بين الشركات حول الأسعار المطبقة في محطات الوقود، حيث جاء في الوثيقة: "رغم عدم ثبوت وجود تواطؤ صريح إلا أن الملاحظ أن الأسعار المطبقة في هذه المحطات تظل نسبياً مماثلة وليس هناك فوارق مهمة محفزة للمستهلك لاقتناء مادتي الوقود من محطة دون أخرى". الرصد الحكومي لقطاع المحروقات كشف أيضاً بروز بعض الممارسات غير المشروعة المخلة بتوازن القطاع نتيجة ارتفاع هوامش ربح شركات التوزيع، حيث تقوم بعض الشركات بتزويد بعض النقالة الدخيلين على القطاع بأثمنة منخفضة مقارنة بالأثمنة التي تتم فوترتها لمحطات الوقود. وتفيد المذكرة أيضاً بأن هؤلاء النشطاء غير الشرعيين يعملون على تزويد مجموعة من مهنيي النقل والمصنعين وحتى بعض محطات الوقود، مما أخل بقواعد المنافسة، كما أن هذه الممارسات تُهدد سلامة المواطنين باعتبار أن هذه العربات غير المرخصة تقوم بنقل كميات كبيرة من المحروقات يجهل وجهتها ومصدرها وأماكن تخزينها. وتقر الحكومة عبر هذه الوثيقة بأن الممارسات السلبية سالفة الذكر أدت إلى تجاوز 10 دراهم للغازوال لأول مرة في تاريخ المغرب في السنوات الأخيرة، وهو ما خلف استياءً لدى المواطنين ومجموعة من الجمعيات المهنية الخاصة، منها فدراليات ناقلي المسافرين والبضائع وأصحاب النقل الحضري. أمام هذه الممارسات غير القانونية، وجهت الحكومة، عبر وزارة الشؤون العامة والحكامة، خلال السنوات الماضية، تنبيهات شفوية إلى شركات التوزيع خلال الاجتماعات التي عقدتها معهم، رغم ذلك استمرت مجموعة من محطات التوزيع في تطبيق مستويات مرتفعة من الأسعار. وحين فشلت الحكومة في التوصل لتوافق مع المهنيين بسبب قوة لوبي شركات توزيع المحروقات، أعلنت الوزارة عن توجهها لتسقيف أسعار وهوامش المحروقات خلال بداية السنة الجارية، لكنها فشلت في ذلك، ولجأت إلى طلب رأي من مجلس المنافسة، لكنه عارض توجهها واعتبره غير مجد ولن ينفع في تجاوز مشكل ارتفاع الأسعار بشكل يؤثر على المستهلك. وكان من المفترض أن يتم تطبيق هذا التسقيف في شهر مارس الماضي، لكن مرت شهور عدة وما تزال أسعار محطات الوقود في المملكة تفرض مستويات الأسعار المرتفعة نفسها التي لا تعكس التطورات المسجلة في السوق العالمية التي تعرف انخفاضاً من حين إلى آخر. كل ما سلف يجعل حكومة العثماني في موقف صعب، فإذا كان قرار تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، عبر حذفها من لائحة المواد المقننة في عهد حكومة بنكيران، ساهم في اقتصاد مبالغ مالية قدرت بأكثر من 35 مليار درهم لفائدة الميزانية العامة للدولة، فقد تُرك المواطن لوحده أمام سطوة الشركات بسبب توافقها، وبالتالي غياب منافسة يفترض أن تفرز أسعارا منخفضة. الحكومة مدعوة لإيجاد صيغة لتسقيف أسعار وأرباح المحروقات لتكون متناسبة مع الأسعار الدولية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، أما مسألة تواطؤ الشركات بالاتفاق حول الأسعار المطبقة فهو أمر يجب أن يتصدى له مجلس المنافسة، وهو تحد كبير عليه النجاح فيه.