شهد المغرب، منذ بداية ستينيات القرن الماضي، محاكمات سياسية كبرى، في إطار التدافع الحاد الذي كان بين المعارضة ونظام الحكم؛ وهي الفترة التي تميزت بمحاولات عديدة لاغتيال الملك الراحل الحسن الثاني، وعرفت البلاد وقتها أشهر المحاكمات في تاريخ المملكة تُوجت بصدور مئات أحكام الإعدام ضد النشطاء المدنيين والعسكريين. جريدة هسبريس الإلكترونية تفتح، في هذه السلسلة، التاريخ المظلم لأبرز المحاكمات السياسية التي عاشها المغرب غداة استقلاله، خصوصا تلك التي استهدفت الحركات اليسارية وبعض معارضي الحكم في فترة الملك الحسن الثاني. يقول عبد الرحمان بنعمرو، المحامي والناشط الحقوقي والسياسي اليساري، إن الأسباب الرئيسية لهذه المحاكمات الرئيسية التي بصمت مغرب الستينيات والسبعينيات تكمن في مواجهة حرية الرأي والتعبير وضرب المعارضة التي كان يعتبرها النظام الملكي تشكل مساسا بمركزه وتهدد وجوده. النقيب عبد الرحمان بنعمرو، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان والقيادي في حزب الطليعة اليساري، كان ولا يزالُ واحداً من المحامين القلائل الذين ترافعوا في المحاكمات القضائية ذات الصبغة السياسية. ويُشير بنعمرو، في حديث مع هسبريس، إلى أن أبرز المحاكمات الكبرى استهدفت مناضلي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لاحقا)، كما طالت في سبعينيات القرن الماضي اليسار المغربي بصفة عامة من سياسيين وطلبة ضمن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطم). ويُبرز نقيب المحامين السابق أن القاسم المشترك، الذي ميز هذه المحاكمات السياسية، هو ظروف الاعتقال غير القانونية والخارجة عن الشرعية الحقوقية (اختطاف من الشارع أو المنزل ثم التعذيب على مراحل في أجهزة مخابراتية)، وصولاً إلى مرحلة تزوير المحاضر، سواء على مستوى الوقائع أو التواريخ أو التهم. مؤامرة 16 يوليوز في 16 يوليوز 1963، شهد المغرب واحدا من أشهر المحاكمات السياسية تُوبع فيها حوالي 5 آلاف من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ووجهت إليهم تهم التخطيط للإطاحة بالنظام حينئذ واغتيال الملك الراحل الحسن الثاني في غرفة نومه بالقصر الملكي. وجرت عملية الاعتقال لمئات من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية لحظة اجتماعهم بمقر الحزب بالدار البيضاء، كان ضمنهم أيضا الصحافي السابق المستشار الملكي الحالي أندري أزولاي، والذي كان في مهمة صحافية في أول يوم عمل له كرئيس تحرير الصحيفة اليومية "Maroc Informations" . المحطة التاريخية أثارت خلافا وتباينا في وجهات نظر الكثير من "الاتحاديين"، بين من اعتبرها خطة مدبرة من قبل خصوم الحزب وأعداء الديمقراطية بقيادة الجنرال أوفقير ومن معه، وبين من أكد أن الفقيه البصري فعلاً خطط لاغتيال الحسن الثاني باستعمال عميلين سوريين. وزاد هذا الغموض بتفادي عبد الرحمان اليوسفي، الزعيم الاتحادي، الذي عايش المرحلة بأدق تفاصيلها، الكشف عن حقيقة ما جرى بالضبط في مذكراته الصادرة أخيرا. ويقول بنعمرو، الذي حضر تفاصيل وأطوار هذه المحاكمة وهو محام متمرن إلى جانب هيئة دفاع يقودها كل من المعطي بوعبيد وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد التبر، إن عدد المتهمين الأساسيين في ملف "مؤامرة 16 يوليوز" وصل إلى 102 متهم، 17 منهم كانوا في حالة سراح. ويُضيف المتحدث أن التهم التي وجهت إلى المعتقلين في هذا الملف تتعلق أساسا ب"الاعتداء على حياة الملك والمس بسلامة الدولة الداخلية وعدم الإخبار بهذه الجرائم والمشاركة فيها والإعانة عليها ومحاولة ارتكابها ومحاولة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد طبقا لفصول قانونية معنية". وصدرت أحكام بالإعدام في حق ثلاثة من المتهمين وهم: عمر بنجلون، والفقيه البصري، ومومن الديوري، بتهمة تدبير مؤامرة ضد النظام خلال اجتماع 16 يوليوز 1963؛ لكن سيتم العفو عنهم بعد سنة. ويرى بنعمرو أن تهمة المس بأمن الدولة الداخلي كانت التهمة الشهيرة التي لحقت دائماً بالمناضلين، خصوصا الذين كانوا في المعارضة وينتمون إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، و"الذي كان يشكل القوة الضاربة في ستينيات القرن الماضي ووراءه جماهير شعبية واسعة من عمال ونقابات بقيادة الاتحاد المغربي للشغل". ويعتبر بنعمرو أن لجوء النظام وقتها إلى مثل هذه التهم يؤكد أنه "كلما ظهر أي حزب سياسي أو منظمة لها قاعدة شعبية إلا شكل الأمر مصدر إزعاج للسلطة ودبرت لمناضليه المؤامرات والدسائس لتشويه صورته وإضعاف قوته التنظيمية".