يطلق الاتحاد الإفريقي، غدا الأحد، خلال قمته المنعقدة في نيامي "المرحلة العملية" من منطقة التبادل الحر القارية، بعدما حصل هذا المشروع الهام لتحرير اقتصاد إفريقيا على دعم نيجيريا، أكبر قوة اقتصادية في القارة. غير أن المراقبين يلفتون إلى أنه بالرغم من إطلاق المشروع المزمع، ما تزال مفاوضات شاقة ومطولة تجري في الكواليس لتنفيذ الخطة التي قد تشمل 55 دولة و1,2 مليار نسمة، وإجمالي ناتج داخلي يزيد عن 2500 مليار دولار. وقال مفوض الاتحاد الإفريقي للتجارة والصناعة، ألبرت موشانغا، ضمن تصريح لوكالة "فرانس برس": "يجب تحديد جدول زمني حتى يتمكن الكل من لعب دوره في التحضير للسوق، وأوصينا بالتالي أن يكون التاريخ في الأول من يوليو 2020". لكن المتحدث نفسه أضاف: "هذا ليس نهائيا، ما يزال يتحتم على القمة أن تبحث التوصية (...) وافق وزراء التجارة، وبالتالي يمكن منطقيا ترقب موافقة رؤساء الدول أيضا". ومن المتوقع أن يتم خلال القمة تعيين البلد الذي سيؤوي الأمانة العامة لمنطقة التبادل الحر القارية، فيما قدمت عدة دول ترشيحها، ومنها غانا وإسواتيني. غير أن مديرة مركز "ترالاك" القانوني في جنوب إفريقيا، ترودي هارتزنبرغ، أشارت إلى أن "المفاوضات حول بعض النقاط بالغة الأهمية لم تنجز بعد". وذكرت هارتزنبرغ المتخصصة في المسائل التجارية من بين هذه النقاط الجدول الزمني لخفض الرسوم الجمركية المرتقب في منتصف 2020، والقواعد التي تحكم تصنيف سلع على أنها صنعت في إفريقيا، وكذلك قوانين المنافسة بين الدول وآليات التحكيم في الخلافات. وتهدف منطقة التبادل الحر إلى تشجيع التجارة بين دول القارة، وجذب مستثمرين، والسماح للدول الإفريقية بالخروج من ارتهانها لاستخراج المواد الأولية. ويتوقع الاتحاد الإفريقي أن يؤدي المشروع إلى زيادة الحركة التجارية بين بلدان القارة بنسبة حوالي 60% بحلول 2022، في حين يشير معارضو المشروع إلى عدم تكامل الاقتصادات الإفريقية ويخشون أن يتضرر بعض صغار المنتجين الزراعيين والصناعيين جراء تدفق بضائع مستوردة متدنية الأسعار. وتتم حاليا 16% فقط من تجارة الدول الإفريقية في ما بينها، وذلك بشكل أساسي داخل تكتلات اقتصادية على غرار مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية، والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (سيدياو)، ومجموعة شرق إفريقيا. على سبيل المقارنة، فإن 65% من الحركة التجارية للدول الأوروبية تتم داخل الاتحاد. وقالت جاكي سيليرز، من معهد الدراسات الأمنية: "إفريقيا تزاول التجارة مع باقي العالم، لكن ليس مع نفسها"، مضيفة أن "منطقة تبادل حر تكاد تكون شرطا مسبقا لعملية التصنيع". عصا سحرية ترى هارتزنبرغ أن "تنفيذ منطقة التبادل الحر القارية سيتم شيئا فشيئا" على عدة سنوات، موضحة أن نجاح المشروع يتوقف إلى حد بعيد على إزالة العقبات "غير الضريبية"، مثل الفساد وترهل البنى التحتية وفترة الانتظار على الحدود، وهو ما تعتزم "منطقة التبادل الحر" العمل عليه. وأكد صندوق النقد الدولي، في تقرير له صدر في أبريل، أن "تحسين اللوجستية التجارية، مثل خدمات الجمارك وتسوية مشكلة البنى التحتية المتردية، قد يكون أكثر فاعلية بأربع مرات من تخفيض الرسوم الجمركية من أجل تشجيع التجارة". من جهتها، لفتت إليسا جوبسون، من مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن "اتفاق (التبادل الحر) بين كندا والاتحاد الأوروبي جرى التفاوض بشأنه على مدى سبع سنوات رغم أنه كان يتعلق بدولة من جهة، ومجموعة متجانسة نسبيا من 28 دولة من جهة أخرى، وليس 55 دولة على مستويات متفاوتة جدا من النمو الاقتصادي". وأضافت: "سيستغرق الأمر حوالي عقد حتى تظهر المفاعيل الإيجابية. لن يتغير الوضع بضربة عصا سحرية". الحمائية بالرغم من توقيع 52 دولة على اتفاق إنشاء المنطقة منذ طرح المشروع في يوليو 2018، إلا أنه لم يكن من الممكن بدء تنفيذه قبل أن تبرمه 22 دولة على أقل تقدير. وتم تخطي هذا العدد مع بلوغ عدد الدول الموقعة 25، من بينها العديد من الدول الكبرى مثل جنوب إفريقيا ومصر وكينيا وإثيوبيا. غير أن المشروع كان يعاني حتى وقت قريب من غياب نيجيريا، البالغ حجم سوقها 190 مليون نسمة، وستنضم السبت. وشجعت نيجيريا، التي يقوم اقتصادها بشكل أساسي على صادراتها النفطية، المحادثات الأولية حول المشروع عند بداية الألفية. لكن النهج الحمائي طغى على الانفتاح، لا سيما مع الانكماش الكبير الذي عانت منه في 2016 و2017. ويخشى منتقدو المشروع في نيجيريا أن تتضرر الصناعات المحلية التي تعاني من تكاليف بنيوية مرتفعة جدا (نقص البنى التحتية وانقطاع الكهرباء وأسعار الإيجارات وغيرها....) نتيجة حركة استيراد كثيفة. غير أن الرئاسة أعلنت، الأربعاء، في نهاية المطاف، أنها ستوقع المعاهدة خلال قمة الاتحاد الإفريقي. وسيكون بإمكان الدول الأعضاء حماية بعض القطاعات من تخفيض سريع للرسوم الجمركية. والهدف في المرحلة الأولى إلغاء الرسوم الجمركية عن 90% من البضائع، فيما يتم إلغاء الرسوم عن 7% من البضائع المتبقية في مرحلة أطول يعود لكل دولة أن تحددها. أما نسبة 3% المتبقية من البضائع، فلا ترفع عنها الرسوم. وقالت هارتزنبرغ: "يمكننا أن نتصور أن تحاول دولة مثل جنوب إفريقيا حماية قطاعات مثل النسيج والسيارات، وهما قطاعان شديدا الأهمية لاقتصادها". *أ.ف.ب