توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الثلاثاء    هجوم مانهاتن يهز أمريكا مجددًا .. والمنفذ يضع حداً لحياته        السيدة الأولى لجمهورية السلفادور تزور بالرباط مركز التشخيص والتأهيل السمعي التابع لمؤسسة للا أسماء    أخنوش : المجموعات الصحية ستقلص الفوارق وتُحسّن جودة الخدمات الطبية    موانئ ومطارات الشمال تواكب جهود وزارة التعمير والإسكان لاستقبال مغاربة العالم        وصول الصحافي المغربي محمد البقالي إلى العاصمة الفرنسية باريس بعد إطلاق إسرائيل سراحه    الاكتظاظ في مراكز الاستقبال يدفع إسبانيا لتوزيع القاصرين المغاربة    المحليون يجرون أول حصة في نيروبي    المخيم التربوي المغربي..    السيد البرلماني عبد الرحيم بوعزة يهنئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش    أمرابط ينفي تدخله في صفقة بوطيب إلى الوداد    هكذا ودع لبنان زياد الرحباني.. لم تبكِ فيروز وحدها.. بكت بيروت والحارات والمسارح التي غنى فيها        تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين من القوات الملكية الجوية    مكتب الفوسفاط يتجاوز 5 ملايين طن من إنتاج سماد ثلاثي سوبر فوسفاط    المغرب ينادي ب"صندوق غذائي" بإفريقيا    النيابة العامة بالبيضاء توضح بخصوص فيديوهات وفاة "هشام منداري"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    حادث خطير يهز شاطئ كلابونيطا بالحسيمة: دراجة مائية تصدم سبّاحاً واستنفار أمني لتعقب الجاني        غانا تسجل أول حالة وفاة بفيروس جدري القردة "إمبوكس"    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بانخفاض    تصفيات كأس العالم 2026.. فيفا يحدد تاريخ مباراة الأسود وزامبيا    دراكانوف وقاسمي يختتمان المهرجان المتوسطي بالناظور    السفير الصيني يختتم مهامه بلقاء وداعي مع رشيد الطالبي العلمي    بالصدى .. قوافل ل «تكريس» العوز و«الهشاشة»    المال والسياسة: زواج المصلحة أو طلاق القيم    الرئيس الأمريكي يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي    تشابي ألونسو يحسم مستقبل إبراهيم دياز مع ريال مدريد    الملك محمد السادس يرحب بتعزيز التعاون مع البيرو    حركة التوحيد والإصلاح تعلن تضامنها مع نشطاء سفينة "حنظلة"    منظمتان عبريتان: إسرائيل ترتكب إبادة بغزة وتستنسخها في الضفة    مسؤول في مجموعة هيونداي روتيم: المغرب يتموقع كقطب مهم لجذب الاستثمارات الصناعية الأجنبية    احتفال بنهاية الموسم الدراسي بنكهة إفريقيا على شاطئ كابونيكر بمدينة المضيق.    "فانتاستك فور" يلقى الإقبال في أمريكا الشمالية    المصباحي يدعو إلى التنوير الرقمي    فرقة "ناس الغيوان" تمتع التونسيين    تايلاند وكمبوديا توقفان إطلاق النار    رياض محرز يمتدح ملاعب المغرب ويؤكد: سنقاتل من أجل اللقب    ما علاقة السكري من النوع الثاني بالكبد الدهني؟        انطلاق فعاليات الدورة ال13 لمهرجان "صيف الأوداية" بسهرات جماهيرية وإشادة بتجربة حياة الإدريسي    انخفاض سعر الذهب إلى أدنى مستوى في نحو أسبوعين    حقيقة احتراق غرفة كريستيانو في النمسا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    الإبادة مستمرة… إسرائيل تقتل 38 فلسطينيا في أنحاء غزة منذ فجر الاثنين    سليم كرافاطة يكشف عن أغنيته الجديدة"مادار فيا"    هل الكاف تستهدف المغرب؟ زعامة كروية تُقلق صُنّاع القرار في القارة السمراء    أنفوغرافيك | بخصوص تكاليف المعيشة.. ماذا نعرف عن أغلى المدن المغربية؟    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الدكتور سعيد عفيف ل «الاتحاد الاشتراكي»: اليوم العالمي يجب أن يكون مناسبة للتحسيس وتعزيز الوقاية    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وثيقة للدفاع عن الحريات الفردية أم عن الشذوذ
نشر في هسبريس يوم 25 - 01 - 2008

طفت على السطح مؤخرا وثيقة تحت عنوان "نداء من أجل الدفاع عن الحريات الفردية" فهل هي وثيقة للدفاع عن حرمة الحياة الخاصة للأشخاص ، فهذه لا خلاف عليها، إذ لا أحد من الناس يدعو أو يقبل بمراقبة الناس في بيوتهم أو التجسس عليهم أو الاطلاع على عوراتهم وهتك أسرارهم الخاصة، و لا أحد يرضى بانتهاك حرمة البيوت. وأن كل واحد حر في بيته أو محيطه الخاص به، يفعل فيه ما يشاء، ما دام لا يزعج أحدا ولا يتعدى على حرية غيره، وما دام لا يستفز المجتمع الذي يعيش بين أفراده، ولا يخالف القانون، ولا ينتهك الأسس والثوابت التي أقرها المجتمع وجعلها محددا لهويته الحضارية، فالأمر فيما عدا ذلك يعنيه لوحده، في علاقته بنفسه وعلاقته بربه، والقانون و الشرع يكفل له حماية حرمته. ""
أم أن الوثيقة تهدف إلى الدفاع عن الحرية الفردية في الممارسة العلنية والمجاهَرة، والمفاخَرة والتباهي بالأفعال الشاذة وما تسميه ب"الأذواق والاختيارات الخاصة" (والتي تأبى وصفها ب"المنحرفة")، وتنظيم حفلات الشذوذ المقززة، أو المهرجانات، أو المؤتمرات، أو تنظيم جمعيات وأندية لممارسة الأفعال الشاذة عن الفطرة وعن الطبيعة، بشكل علني، أو الإعلان عنها والترويج لها.
إن الوثيقة بذلك لن تصطدم بفئة بعينها، تدعي أنها تريد تصفيتها والقضاء عليها، بل إنها بذلك تصطدم بإرادة شعب بأكمله، لأنها تصادر حق المغاربة في الدفاع عن اختياراتهم ومعتقداتهم وتقاليدهم، بل إنها بذلك تناقض تاريخ وعقيدة ومشاعر وأذواق المغاربة كلهم، وتنتهك القانون، وتصادم أهم ثوابت المغرب، وأساس وحدته واجتماعه، ألا وهو الإسلام.
تقول الوثيقة: في إحدى فقراتها: (بسبب أذواقهم وآرائهم واختياراتهم المعيشية الخاصة، يتم اتهام هؤلاء الأفراد ب"المس بشعور المسلمين" و"تهديد القيم المغربية الأصيلة"، وتحت ذريعة "حماية الأخلاق والفضيلة" لا تتردد بعض الجهات في تكفير هؤلاء "المنحرفين" (كما يصفونهم).
إن هذا الخطاب يحمل أبعادا خطيرة جدا، ويستهدف حرية التعبير وحرية الرأي، إذ يمارس نوعا من الإرهاب الفكري والتخويف، على كل من سولت له نفسه أن ينادي باحترام مشاعر المجتمع وآدابه العامة، أو ينادي بحماية الأخلاق والفضيلة، أو أن يبدي رأيه فيما يجري داخل المجتمع، بل إن الوثيقة تدعو صراحة، وخاصة في النقطة السابعة والأخيرة، إلى تجريم كل من يقوم بذلك ومحاكمته جنائيا بعد إدخاله في خانة دعوات الكراهية والتمييز والتحريض على العنف، فالوثيقة بذلك تحرم على الرافضين، التعبير عن رأيهم في ما يجري حتى بالكلام، وتدعو إلى تكميم الأفواه.
إذا كانت الوثيقة تدعو إلى الدفاع عن حرية الأفراد في الممارسة العلنية للأفعال الشاذة، والاحتفال بها والدعوة إليها في صفوف أفراد المجتمع وأبنائه، فما المانع من ظهور وثيقة أخرى تدعو إلى الدفاع عن الحرية الفردية في الاستهلاك العلني للحشيش والهيروين والكوكايين وغيرها من السموم، والاحتفال بها والترويج لها، بين أبناء المجتمع وضدا على القانون، ما دامت تلبي "أذواقهم واختياراتهم الخاصة"، وتوفر لهم المتعة واللذة.
إن المنطق يقول أن الحقوق الفردية مكفولة، ولكن لا يجب أن تكون على حساب الحقوق الجماعية بأي حال من الأحوال، وهذا يعتبر من الأبجديات التي تعارف عليها الناس جميعا بمختلف قناعاتهم وأفكارهم ومعتقداتهم، فلا يعقل أن تكون حقوق الفرد فوق حقوق الجماعة وأسمى منها، ولا يعقل الإجهاز على حقوق الجماعة بأكملها، بحجة حماية حرية الفرد، إن هذا لا يقول به عاقل.
إن أي مجتمع، إذا أحس بما يهدد أفراده وكيانه، أو يهدد ثوابته واختياراته، أو يشوه سمعته ويمس كرامته، فإنه من الطبيعي أن لا يقبل، وأن يَهُب لحماية أبنائه وبناته من الأفكار الهدامة، والممارسات الشاذة، ومن تجار المتعة، ويسعى إلى تحصين أفراده عن طريق التوعية والتنبيه إلى خطورة ذلك، ولا يسمح بمصادرة حقه في الكلام والتعبير، والدفاع عن نفسه.
إن محاكم التفتيش التي تحذر منها الوثيقة، هي تلك التي تدعو إلى أن يمثل أمامها كل من تكلم وعبر عن رأيه ودعا إلى حماية القيم المغربية الأصيلة، وحماية الأخلاق والفضيلة واحترام الشعور العام للمسلمين، وتصوغ ذلك وتبرره بكون هذه الدعوات تشكل ذريعة للبعض لتكفير هؤلاء "المنحرفين". مما يشكل دعوة مباشرة لممارسة العنف ضدهم. فتجعل الوثيقة الدعوة إلى الأخلاق جريمة يعاقب عليها القانون، لأنها تؤدي إلى ممارسة العنف، أما ممارسة الشذوذ بشكل علني والاحتفال به، فلا يؤدي إلى العنف، بل يعتبر حرية فردية وبالتالي فضيلة من الفضائل التي وجب الدفاع عنها وحمايتها.
وفي الأخير، إن الإخلال بالأمن العام الذي تتحدث عنه الوثيقة، لا يتسبب فيه من يدعو إلى احترام المجتمع واحترام القانون، وإنما الذي يتسبب فيه هو من يُقدم على استفزاز المجتمع وانتهاك القانون، بممارسة الشذوذ العلني، والاحتفال به، ضدا على المجتمع وضدا على القانون، والدين والأخلاق. فأين هؤلاء من قول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ربما لو تمكن منه أصحاب الوثيقة لحاكموه أمام محاكم التفتيش التي يدعون إلى تنصيبها، بتهمة الدعوة إلى الكراهية والتمييز، والتحريض على العنف ضد "المنحرفين"، فرحم الله الشاعر، حين توفاه إليه قبل أن يحاكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.