تعد "منارة الركادة"، الواقعة على بُعد حوالي 13 كيلومترا من مدينة تزنيت بالنفوذ الترابي لجماعة الركادة، واحدة من المآثر التاريخية التي تزخر بها جهة سوس ماسة، حيث يعود تاريخ تشييدها إلى فترة حكم القائد عياد لمنطقة أولاد جرار بداية القرن الماضي، واستعملت لسنوات طويلة في عملية السقي الأراضي الفلاحية والحقول المجاورة، كما تعتبر ذاكرة إنسانية وموروثا ثقافيا لم تنل لسوء الحظ نصيبها من الاهتمام. العديد من الأسباب ساهمت بشكل أو بآخر في تخريب هذه المعلمة التاريخية التي تعد نسخة طبق الأصل لمنارة مراكش، خصوصا تلك المتعلقة بعملية التنقيب عن الكنوز التي استهدفتها عشرات المرات، إضافة إلى مشكل تصفية العقار الخاص بها بين ورثة القايد عياد وجمعيات المجتمع المدني بالركادة؛ وهو العائق الذي وقف لسنوات طويلة حاجزا أمام ترميمها وإعادة الاعتبار لها من طرف الجهات المسؤولة. اتفاقية لنفض الغبار وإعادة الاعتبار الحسين بن السايح، رئيس الجماعة الترابية الركادة، قال، في تصريح لهسبريس، إن "تواجد مآثر تاريخية مهمة بتراب أولاد جرار، كمنارة الركادة ورياض القائد عياد الجراري وسور العين الأثري، دفعنا كمجلس جماعي إلى التفكير في البحث عن شركاء لترميمها وإعادة الاعتبار لها؛ وهو فعلا ما تأتى لنا مع المجلس الجهوي سوس ماسة، الذي أشكر جميع أعضائه لتصويتهم بالإجماع خلال دورة مارس الماضية على اتفاقية شراكة بين الجهة وجماعة الركادة لتأهيل وإصلاح المواقع التاريخية سالفة الذكر، بغلاف مالي بلغ 122 مليون سنتيم، ستساهم فيه الجهة ب100 مليون سنتيم، فيما حددت مساهمة جماعة الركادة في 22 مليون سنتيم وإنجاز دراسة معمقة، وهي نفس الاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرا بين المجلسين الجماعي الركادة والمديرية الجهوية للثقافة سوس ماسة بصفتها الجهة المشرفة على المشروع". "المآثر سالفة الذكر تشكل مدارا سياحيا واعدا بجماعة الركادة وإقليمتزنيت ككل، خاصة المنارة التي ينتظر أن تتحول بعد إصلاحها إلى قبلة ثقافية وسياحية بإمكانها أن تدر على المنطقة مداخيل مهمة قادرة على الدفع بعجلة التنمية نحو الأمام، لما أضحت تلعبه السياحة الثقافية من دور مهم في هذا الجانب، ولنا في الدول الأوروبية التي تحقق أرباحا مهمة من عائدات معالمها التاريخية أكبر مثال"، يضيف المتحدث ذاته. مساع للتصنيف شرط تجاوز الخلاف وأوضح بن السايح: "تلقينا مؤخرا طلبا من المديرية الجهوية للثقافة بشأن إعداد الوثائق الخاصة بمنارة الركادة باتفاق مع ورثتها، من أجل تصنيفها وتسجيلها ضمن المآثر التاريخية للمملكة، حتى تضمن الاستفادة من منحة سنوية خاصة تستغل في مصاريف إصلاحها؛ وهو الأمر الذي يجب أن يدفع ورثة هذه المعلمة التاريخية وجمعيات المجتمع المدني بالركادة إلى إعادة النظر في النزاع القائم بينهما حول المنارة وإيجاد صيغة توافقية بإحداث هيئة تضم كافة التمثيليات، حتى يسهل على الجميع الرقي بهذا الموقع الأثري وإخراجه إلى الوجود في حلة جديدة تحفظ له مكانته التاريخية". وعن تقدم مراحل الإجراءات الخاصة بعملية تهيئة منارة الركادة، أكد رئيس جماعة الركادة أن "الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وقد عقدنا مؤخرا جلسة عمل بمعية مكتب دراسات والمجلس الجهوي والمديرية الجهوية للثقافة والمحافظة الجهوية للتراث الثقافي التي تشرف على الجانب التقني لإصلاح المنارة؛ حتى يتوافق مع الخصوصيات الواجب توفرها أثناء ترميم مثل هذه المعالم التاريخية، ونتمنى من الله التوفيق". إشراف تقني لوزارة الثقافة من جانبه، أورد العربي إروان، المحافظ الجهوي للثقافة، أنه "في إطار المحافظة على المباني التاريخية والمواقع الأثرية بجهة سوس ماسة ودعم التعاون بين وزارة الثقافة وباقي شركائها، تم توقيع اتفاقية شراكة بين مجلس جهة سوس ماسة ووزارة الثقافة والاتصال -قطاع الثقافة- ممثلة بالمديرية الجهوية بجهة سوس ماسة وجماعة الركادة بإقليمتزنيت، من أجل ترميم منارة وسور الركادة بمبلغ إجمالي قدره 1220000.00. وتابع المحافظ الجهوي: "وفي هذا الإطار، قامت المصالح المختصة لوزارة الثقافة بالجهة بزيارة ميدانية للاطلاع على الموقع وتقييم الوضع رفقة ممثلين عن جماعة الركادة، فتبين لها أن البناية توجد في حالة متردية تستدعي تدخلا عاجلا لإنقاذها من الاهتراء، وسوف تتكلف المحافظة الجهوية للتراث الثقافي بالمديرية الجهوية بتوفير المعطيات التقنية المتعلقة بالمشروع والخبرة ومواكبة إنجاز أشغال الترميم بحكم أن هذه العملية من اختصاص أطر وزارة الثقافة". موقع أثري متميز اعتبر لغضف محمد خايا، المدير الجهوي لوزارة الثقافة بسوس ماسة، أن "منارة الركادة تعد موقعا اثريا متميزا في الجنوب، خاصة إذا تم استحضار شكل بنائها الذي يجعلها نسخة مقربة لمنارة مراكش، إضافة إلى دورة المياه التي تصلها من عين رياض القائد عياد، ما يضفي عليها قيمة تاريخية وذاكرة إنسانية لساكنة المنطقة، وهي أمور تستوجب ترميمها والمحافظة عليها، دون إغفال الإشادة بالتقنيين الذين أشرفوا على عملية إنجازها". وأوضح المسؤول الجهوي أن "انخراط المندوبية الجهوية للثقافة في مشاريع ترميم المواقع الأثرية يرجع إلى الدور الذي أضحت تلعبه هذه الأخيرة في مجال التنمية المستدامة، وهو نفس الشيء مع منارة الركادة التي ستكون مكسبا كبيرا للمنطقة بعد ترميمها، خصوصا في الجانب المتعلق بالقطاع السياحي، على أن تشمل عملية التأهيل أيضا كل من سور العين ورياض القائد عياد، حتى نتمكن من الحصول على شكل سياحي متكامل". رياض القايد عياد إلى جانب منارة الركادة، تزخر أيضا منطقة أولاد جرار إقليمتزنيت بعدة مآثر تاريخية؛ من بينها "رياض القائد عياد" الذي سبق للسلطان الحسن الأول زيارته والإقامة به لأسبوع، كعربون تكريم للقائد عياد الجراري على رده الزحف الاستعماري بسهل سوس ومقاومته الشرسة للمستعمر بجنوب المغرب. هذا الموقع التاريخي المهم المتواجد بدوار "الملعب" أولاد جرار، ولما يتميز به من خصوصية معمارية فريدة، كان قبلة مفضلة للسياح الأجانب والزوار المغاربة إلى الأمس القريب، إلا أن تخريبا طاله خلال السنوات الأخيرة، جعل جماعة الركادة رفقة شركائها المنتخبين والمؤسساتيين بالجهة تفكر في إعادة إصلاحه وترميمه، إسوة بالسور الأثري المحاذي له، حتى تتمكن المنطقة من التحول إلى قطب ثقافي وسياحي واعد قادر على تعويض الخصاص الذي يتعريها في عدة مجالات.