اعتبر عبد الرزاق الزرايدي بن بليوط، رئيس المركز الإستراتيجي للأبحاث والدراسات "رؤى فيزيون"، أن حزب العدالة والتنمية، الذي يقود العاصمة الاقتصادية، لم يقدم أية إضافة للنهوض بالقطب المالي للمملكة، مشددا على أن الاستثمار بالدارالبيضاء لا يرقى إلى تطلعات البيضاويين. وأوضح الفاعل الاقتصادي، في حواره مع هسبريس، أن المجلس الجماعي للدار البيضاء، الذي يرأسه عبد العزيز العماري، عاجز، منذ توليه سنة 2015 للتسيير، عن إيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها المدينة. بالتالي، لا يمكن النهوض بالاستثمار والقطب المالي في هذه الأوضاع. كما انتقد المتحدث نفسه غياب تفاعل حكومي يرقى إلى تطلعات الملك، من أجل تشجيع الاستثمار، مضيفا أن الحكومة أبانت عن عدم نجاعتها في تفاعلها مع المشاكل الكبرى التي تعيق التنمية. ولفت رئيس مركز التفكير والأبحاث إلى أن الأحزاب السياسية بات عليها فتح الباب أمام المستثمرين ورجال الأعمال للمشاركة في التدبير السياسي، بدل جعلهم يفضلون البقاء بعيدا عن الشأن العام، مشددا على أن الأحزاب ملزمة اليوم بالقيام بوقفة تقييمية بين السياسي والمستثمر على شاكلة علاقة السياسي بالمفكر. القطب المالي للمملكة الدارالبيضاء شبه متوقف، كيف تقيمون الاستثمار بالمدينة؟ منذ انطلاقه سنة 2008 كمشروع طموح، وقبلة للاستثمارات الدولية، وكبوابة لإفريقيا لكون المغرب قاطرة وسوق واعدة للانطلاق نحو الجنوب، عرف هذا المشروع تذبذبا وصعوبة في إخراجه إلى الوجود إلى حد الساعة. وهذا راجع إلى انعدام الحكامة والنجاعة والرؤية. كل هذا مرده الحكومات المتعاقبة، خصوصا الحزب الأغلبي والذي لا يزال منذ سنوات لم يعطِ أو يستطيع أن يدفع بالوتيرة إلى سرعتها القصوى لكي يخرج هذا القطب المالي العالمي. المسؤولية اليوم مشتركة، فيها ما هو حكومي ومن يدبر شأن المدينة سواء كانت مجلسا للمدينة أو جهة أو مجلسا للعمالة، وهذا غير مطابق بما توليه الرؤية الملكية؛ فالجمود روافده كما قلنا متعددة. ونخص بالذكر البنى التحتية التي لا تزال معطلة، والأوراش الخاصة بالمشروع غير مكتملة، وكذا البنايات، وأشياء أخرى. ويمكن القول إن الاستثمار بالمدينة ما زال لم يرق إلى مستوى التطلعات التي يريدها البيضاويون، إذ إن المقاربة الاقتصادية والتنموية مغيبة، ومناخ الأعمال يتميز بنوع من الضبابية وعدم الوضوح. إذن، كل هذه المعطيات الموضوعية تحيلنا إلى تقييم جديد ،وعلى الكل أن ينزع عليه قبعة السياسي؛ لأن هدر الزمن الاقتصادي والتنموي لم يعد مسموحا، وبالتالي يجب أن نعلن عن فشل المقاربة السياسية الإيديولوجية في التعاطي وتدبير هذه الملفات الحيوية كالاستثمار وغيرهما. إن القطب المالي للدار البيضاء سيكون له، إن اتجه في ما هو مرسوم له، شأن كبير من الناحية الاقتصادية والسياسية، وهي عناصر مهمة تجعل منه قاعدة إستراتيجية ليتبوأ مكانة عالمية. هل ترون أن المجلس الجماعي، بقيادة العدالة والتنمية، يساهم في تشجيع الاستثمار وتحويل المدينة إلى قطب مالي؟ لا قطعا؛ فالمجلس الجماعي، الذي يرأسه عبد العزيز العماري، منذ توليه سنة 2015 وهو يتخبط وعاجز عن إيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها المدينة، وهذا راجع إلى عدم الجرأة وعدم القدرة على الالتزامات المحددة والمرسومة لمخطط تنمية الدارالبيضاء، ناهيك عن غياب رؤية ضريبية ترفع من المداخيل، لاستثمار الفائض منها في أمور تعود بالنفع على الساكنة البيضاوية. وينضاف إلى ذلك مشكلة الشباك الوحيد، بالرغم من التعليمات السامية من أجل تسريع وتيرة دراسة الملفات الاستثمارية والتي بدورها تعرف ركودا وتأخرا لا تساعد على شيء، وهنا جاء تحرك المديرية العامة للجماعات المحلية على عجل مؤخرا لتدبير هذه الملفات إلكترونيا وإنشاء منصة لتلقي الطلبات وحتى التوقيعات الإلكترونية، وهذا كله من أجل تجويد الخدمات وتحسينها من أجل استثمار ناجع ينهض بهذه المدينة في انتظار تعميمها مستقبلا على باقي المدن. إن تشجيع الاستثمار من لدن هذا المجلس المنتخب يجب أن يكون مقرونا بعدة معطيات؛ منها استحضار المقاربة الاقتصادية ونزع المقاربة الأيديولوجية كما قلنا سابقا، وخلق توأمات مع مدن عالمية لجذبها للمدينة، تعدد الشركاء وهو الشيء المهم، ويبقى العنصر الأساسي هو الاستثمار في العنصر البشري. كلها معطيات يجب أن تأخذ على محمل الجد من أجل حكامة رشيدة، وجعل المدينة قطبا ماليا يعتمد عليه في الأزمات، وتنفيذا للتعليمات السامية للملك التي يؤكد عليها دائما. ورجوعا إلى المشاريع وواقع حالها، فالمجلس الحالي يعيش على إرث كبير من المشاريع للمجلس السابق الذي ترأسه محمد ساجد، فعلى مرأى ومسمع البيضاويين فهذه الولاية الانتدابية فهي مجرد ساهر ومتتبع، والأدهى من ذلك هو أن هذه المشاريع عرفت تأخرا في المدة التي حددت لها والتي تدخل في سنتها الأخيرة. ما المطلوب اليوم من مجلس المدينة حتى يساهم في ذلك؟ كما قلنا سابقا ونعيد تأكيده، رجاء ترك الحسابات السياسوية وتغليب المصلحة لدرء المعيقات والعراقيل، والمطلوب كذلك هو الانفتاح الفعال على جميع المكونات وتحديد الأدوار والأولويات، وإعطاء ذوي الكفاءة والتجربة الفرصة لتدبير تسوده الحكامة، وعلى المواطنين كذلك اختيار الأنسب والشخص الذي تتوفر فيه مواصفات النزاهة والصدق مع الكفاءة. كما يجب أن لا نهمل المشكل الخفي الواقع بين شركات التنمية المحلية وبين بعض المستشارين الجماعيين بالمدينة وأزمة الثقة الواقعة والتي ترخي بظلالها، والتساؤل عن ماهية القيمة المضافة من قبيل تدبير الملفات والجديد في البرامج، إذ يعتبرونها معرقلا لمشاريع هامة في المدينة، وتعطيلا مباشرا لعمل المجلس الجماعي. كلها مشاكل يجب أن تحل بالعقل والحكمة من أجل مساهمة فعالة لنموذج تدبيري معقلن يسوده الوضوح مغلبا للمصلحة العامة، ومستحضرا للبعد الاجتماعي والاقتصادي والتنموي للمدينة. إذا كان مجلس المدينة عاجزا عن دعم وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة وغيرها، ماذا عن المركز الجهوي للاستثمار؟ لنكن موضوعيين فمجلس المدينة أو المجالس الجماعية يتوفر على سند قانوني ومرجع تنظيمي محتشم إن صح التعبير، يتمثل في باب التنمية الاقتصادية كإنعاش الاقتصاد المحلي عن طريق تشجيع الاستثمارات الخاصة، ولا سيما المتعلقة بالبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وإنشاء مناطق صناعية... وجاء المشرع ليقول دعم المقاولات وينحصر النقاش ويطرح التساؤل أي مقاولة التي يجب دعمها؟ وما نوعية المقاولة؟ وما هو نوع الدعم الذي يجب أن يكون؟ لكن لا يجب أن نخلي مسؤولية المجلس بعدم الدفع بهذه المقاولات لتحريك عجلتها مثلا.. كمنح كوطة لهذه المقاولات الصغيرة والمتوسطة ضمن مشاريع المهيكلة أو الدفع بهم ضمن دفاتر تحملات لشركات التدبير المفوض الحاصلة على الصفقات أو شيء من هذا القبيل، فهكذا يكون إدماجها بشكل مقنن وفق معايير مختارة وانتقاء تسوده الشفافية. وكذلك يجب أن لا ننسى دور المجلس الجماعي في التنسيق مع باقي المتدخلين في إيجاد الحلول كالدفع بهذه النوعية من المقاولات بعقد شراكات جهوية مع الوكالات المختصة، كوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، أو الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات.. كلها وكالات مستحدثة وروافد مهمة يجب الانتباه إليها والعمل معها والأخذ بعين الاعتبار أنها استحدثت بظهير شريف، في انتظار تفعيل المراكز الجهوية للاستثمار داخل الوطن. وبخصوص المراكز الجهوية للاستثمار، في نظري لا ترقى ولا تدعم تحسين مناخ الأعمال بالمدينة، وإلى حد الآن لا تزال العقلية البيروقراطية والتكلفة الزمنية هي السمة الأبرز التي تواجه المستثمرين سواء المغاربة أو الأجانب. ولهذا، أقول إن التوليفة الحالية للمراكز الجهوية للاستثمار بلغت الباب المسدود ويجب إعادة النظر فيها، وهذا ما سيعطينا النتيجة الحالية هي إفلاس وإغلاق العديد من المقاولات، وهنا تتضح الصورة وينطلق التساؤل حول الطفرة الاقتصادية المرجوة. هل ترون أن الحكومة تفاعلت مع تعليمات الملك المتعلقة بتشجيع الاستثمار؟ إلى حدود الساعة، لم نرَ تفاعلا حكوميا يرقى إلى تطلعات الملك، اللهم تحركات لبعض الوزارات وبعض الأشخاص. كما أبانت الحكومة الحالية عن عدم نجاعتها في تفاعلها مع المشاكل الكبرى التي تعيق التنمية، والدليل على ذلك هو تراجع الاستثمارات الأجنبية بالمغرب هذه السنة، حيث ناهزت نسبتها بتراجع بلغ 30%، ناهيك عن إفلاس الشركات والمقاولات. كل هذه المعطيات تحيلنا مباشرة إلى غياب تفاعل إيجابي. ونرى دوما اضطرار الملك محمد السادس شخصيا، لأخذ زمام المبادرة وإطلاق إجراءات وإستراتيجيات إصلاح، من أجل معالجة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، عبر توجيه تعليمات مباشرة إلى رئاسة الحكومة، تفعيلا منه لنموذج تنموي جديد. ما يقوم به حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، والازدواجية في الخطاب، ألن تؤثر على ثقة المستثمر في المغرب؟ ثقة المستثمرين دائما مقرونة ومسنودة بالاستقرار السياسي والأمني، وفي المغرب هذه المواصفات والتوابل موجودة بفضل وجود مؤسسة ملكية ساهرة على شؤون الدولة وحماية مصالحها.. في المقابل يجب أن لا ننكر أن هنالك تخوفات للمستثمرين المغاربة أو الأجانب بسبب تدبدب مواقف الحكومة؛ فمنذ 2011 الكثير من المستثمرين فضّلوا استثمار أموالهم في الخارج، حين رؤوا ازدواجية الخطاب، "مسير بثوب معارض" خصوصا أن توجهات الحزب الأغلبي الحالي تغلب عليها النظرة الإيديولوجية في دعم الاستثمار؛ بيد أنها بدأت تتبدد في عهد الحكومة الحالية، بعد أن اتضح أن مشاكل الاستثمار استفحلت وعجلة النمو بطيئة. وما رأيناه في الأيام الماضية فهو دليل قاطع على المعايير المزدوجة وانقسام بسبب مشروع قانون إطار منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وما أفرز ليس فقط ازدواجية في الخطاب، بل هي تناقض في المواقف، وهذا ما سيؤثر بشكل ملموس على ثقة المستثمر حينما يرى مثل هذه الممارسات. نرى، اليوم، عزوف رجال الأعمال عن السياسة وعدم مشاركتهم فيها، إلى ماذا تعزون ذلك؟ الأسباب واضحة والعزوف مرده حسب رأيي الشخصي إلى الثقة والرؤية الضبابية عن ما سيقدمه رجل الأعمال، وكذا غياب بنية الاستقبال وخطاب يستميل هذه الفئة، وقلة التواصل بين الأعضاء والقيادات داخل الأحزاب السياسية، مع تغييب ممنهج للكفاءات والأطر بدعوى التدافع السياسي، الذي يصبح في ما بعد إقصاء ممنهجا، وتناحرا سياسيا وضربا في مصداقية الشخص والعمل السياسي ببعده النبيل، ويبقى عنصرا أخرا هو هل للحزب الذي يستقبل أو المنظومة السياسية ككل لديها رغبة في تجديد نخبها أم لا؟ سؤال إلى حد الساعة لم أجد له جوابا اللهم أنني أرى نخبا قد أصابها عياء سياسي متمسكة وتعض بالنواجذ داخل المشهد. أليس المطلوب من الكفاءات الموجودة في صفوف رجال الأعمال المشاركة في العمل السياسي؟ المطلوب هو العمل في إطار الشفافية وتكريس الديمقراطية والمبادئ؛ فالكفاءات والأطر أهم ما يميز بلادنا، ولدينا فائض فيها وهذه الكثرة يجب أن تُستثمر وأن تُفتح لها الأبواب الموصدة، من أجل تغذية العمل السياسي والحزبي، فصاحب الثروة يجب أن يعمل مع صاحب الفكر، وصاحب الفكر يجب أن يُعين صاحب الثروة، ليكون هناك تكامل في المنهج والرؤى والعمل. إن الخبرة التدبيرية أو نقصها ليست معيارا يجب أن نبني عليه؛ بل يجب أن نعطي الفرص كاملة لدمقرطة داخلية بمبدأ التكافؤ، وليس بمبدأ الأسبقية أو الأقدمية، والتكافؤ هنا هو القاسم المشترك بين الجميع من أجل تغذية الديمقراطية والسير بها لكي تكون مشاركة رجال الأعمال مشاركة فعالة في المشهد السياسي وليس المشاركة من أجل المشاركة. ما هي رسالتكم للأحزاب التي ترفض إقحام رجال الأعمال في العملية السياسية؟ وجب على الأحزاب جميعا القيام بوقفة تقييمية بين السياسي والمستثمر على شاكلة علاقة السياسي بالمفكر، إذ لا بد من إيجاد حلقة الوصل بين هذه الثنائيات المزدوجة، بما يخدم المصلحة العامة والخاصة على حد سواء في إطار القانون، وخدمة لانتظارات المواطنين والتنمية المرجوة على حد سواء. إن استحضار هذه الأولويات يحتم على الأحزاب الانفتاح بشكل فعال وآني لإقحام ليس فقط المقاول، بل كل من لديه رغبة جامحة لخدمة هذا الوطن؛ فالوطن يحتاج إلى كل قواه الحية. والملك دعا، في خطاب العرش الماضي، الأحزاب السياسية إلى العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها واستقطاب نخب جديدة في كل المجالات.