قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، لسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالي، إنه لا يجب أن يكون الاستقلاليون قد نالوا شرف تعريب المواد العلمية قبل ثلاثين سنة وينال هو عار إعادة فَرنَسَتِها. وزاد بنكيران، في مقطع من كلمته المصوّرة خصصه للعثماني: "الله يهنيها رئاسة الحكومة، وهل أنت أول رئيس حكومة سقط؟"، واصفا رفضه دخول الأحزاب الأربعة، الذي سبّب "البلوكاج الحكومي"، بكونه أهون مما يقع اليوم. وقال بنكيران للعثماني إنه إذا خرج اليوم من الحكومة سيخرج برأسه مرفوعا، ولكنه إذا بقي فلن يستطيع أن يرفع رأسه أمام المغاربة؛ لأن ما يتم اليوم إذا مُرّر، وطُبِّق، سيفشل، ولو كان سيعطي نتيجة اليوم لما غُيِّرَ منذ ثلاثين سنة، عندما كان لا يزال يوجد بالمغرب الأساتذة الفرنسيون، والأساتذة الذين يتقنون الفرنسية، فكيف ذلك وكثير من أساتذة العلوم اليوم لا يتقنون هذه اللغة؟ وتوجَّه بنكيران إلى رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الحالي قائلا إن التوافق حول الصيغة الحالية للقانون الإطار لا يخالف فقط دستور المملكة، بل يخالف حتى الورقة المذهبية للحزب التي نبّهت إلى أن قناعتها الأساسية هي أن من أسباب فشل التعليم في المغرب هو اعتماد اللغة الفرنسية في مجالات لن تقع النهضة بها، مستحضرا نموذج إسرائيل وإعادة خلق اللغة العبرية التي كانت لغة ميّتة وأصبحت لغة تدريس وحديث ولم تمنعها من التقدم، ونموذج كوريا الجنوبية، ونموذج دول أخرى اعتمدت اللغة الفرنسية ولا هي مثل المغرب ولا هي أحسن منه، متحدّيا أي خبير و"أي عميل لفرنسا" أن يقدّم نموذج دولة في العالم استعملت لغة دولة أخرى وتحقّقت فيها نهضة علمية. ودعا الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية نواب حزبه إلى عدم التصويت على القانون الإطار، مضيفا أنه "لا يؤمن بالحياد في هذا الموضوع"، وأنه يجب عليهم ترك التصويت لصالح هذا القانون إلى شريحة "تجار السياسة الذين يأخذون ويلتزمون وربما يعطون ليصبحوا سياسيين"، بينما "جاء نواب حزب العدالة والتنمية من عمق المجتمع، ومن أجل الدفاع عن المجتمع"، مستشهدا بالملك الراحل الحسن الثاني الذي أكّد أكثر من مرة أن المغرب مبني على الإسلام، والمذهب المالكي، واللغة العربية، والوحدة الترابية، والملكية الدستورية، والوحدة الوطنية، ثم زاد مبيّنا: "ولم يتغيّر شيء في المغرب". وأقسم عبد الإله بنكيران بالله أنه لو كان لا يزال رئيس حكومة لما كان من الممكن أن يمرّ القانون الإطار في صيغته الحالية؛ لأنه "من غير المعقول أن أمة تدرّس موادا كلّها باللغة العربية التي هي لغتُها الوطنية والرسمية، دون أي تنكَّر للغة الأمازيغية التي توجد في مراحل أخرى، أن تغيِّر هذا الأمر بين عشيّة وضحاها ونرجع إلى لغة المستعمِر، إلا أن يكون وراء هذه الأشياء جهة لوبيّ استعماري". واسترسل مشدّدا: "وهذا ما أشكّ فيه؛ لأن الشخص الذي كان يدافع عن هذا الأمر عندما كنّا في اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين هو نفس الشخص الذي بقي يدافع عنه بعد ذلك، ونفس الشخص الذي يدافع عنه حاليا، والذي دخل بقدرة قادر إلى هذه الهيئة رغم أنه ليس لدخوله أي مبرّر لأنه مجرّد تاجر إشهار، وهو نفس الشخص الذي يدافع عن الدارجة لتقوم مقام العربية في التعليم، وهو بطبيعة الحال لا يتكلّم إلا اللغة الفرنسية هو وأسرته"، و"يتكلّم ضد المذهب المالكي، ويدافع عن الشذوذ الجنسي، وشعر أو لم يشعر فهو يقوم بدور العملاء، فهو عميل للاستعمار.."، في إشارة مباشرة إلى نور الدين عيوش، عضو اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية. "مغرب اليوم مثل مغرب الأمس"، حَسَبَ بنكيران، ويجب أن يبقى مغربا منفتحا عندما يكون منفتحا، ويكتسب اللغات عندما يكتسبها، ويبذل أبناؤه الجهود لتعلم اللغات، وهو سبب ترك الجامعة، بعد عرقلة تعريبها، تدرّس بالفرنسية لاكتساب الطلبة اللغات بعد التمكّن من العربية وتجاوز عراقيل الصِّبى. وجدّد المتحدّث في هذا السياق استنكاره إرادة تعليم الصغار بالفرنسية، "والرجوع بِنَا إلى هيمنة لغة المستعمر، والرجوع بِنَا إلى تكريس التبعية إلى المستعمر"؛ وأضاف شارحا: طبقتنا الاقتصادية مفرنسة، وطبقتها السياسية والثقافية مفرنسة، وإذا زدنا وفرنسنا التعليم ستكون قطيعة بين الشعب وبين المجتمع وبين الطبقات العليا كلها، وهو ما يهدّد استقرار المجتمع في المستقبل. ووصف بنكيران القانون الإطار ب"الضربة للغة العربية"، وتوجَّه إلى برلمانيي حزبه، في كلمته المباشرة على صفحته بموقع "فيسبوك" قائلا: "إذا كان لا بد لهذه الضربة أن تتم، فلا يجب أن تأتي من جهتكم، واتركوا الأحزاب الأخرى تصوّت على هذا القانون، لأنهم يقولون إن عندهم الأغلبية"، مضيفا أنه إذا لم يكن للأحزاب الأخرى ارتباط بالهوية فليس من حق حزب العدالة والتنمية أن يصوّت نهائيا على هذا القانون، وإلا سيكون هذا خيانة للمبادئ التي اتُّفِق عليها في اليوم الأوّل، وضربة قاتلة وقاضية للحزب، سيتنكّر معها له المواطنون وأُناسه، وسيكون برلمانيوه مساهمين في تكسير أداة للإصلاح في المجتمع. وشدّد بنكيران في مقطع من كلمته توجّه فيه إلى برلمانيي العدالة والتنمية، قائلا: "حزب العدالة والتنمية يتنازل لما يتصوّره مصلحة للوطن، وإذا كانت السياسة فنّ التنازل فللتنازل حدود، ووصلنا إلى الحدود، التي هي مقوِّمات الدولة التي بنيت عليها دولتنا"؛ لأن هذا، يضيف رئيس الحكومة السابق: "والله العظيم ليس في مصلحة الدولة المغربية، وليست في مصلحة المملكة المغربية، وليس في مصلحة الملكية المغربية، فبالأحرى أن يكون في مصلحة الشعب المغربي". واسترسل الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية في حديثه الموجَّه إلى برلمانيي العدالة والتنمية قائلا: "إنه إذا كان لا بد لهذه الحكومة أن تسقط وتبنى حكومة أخرى، "فلا تكونوا شهود زور على هذا العمل"، وإذا كان من الضروري أن تذهب الحكومة لحال سبيلها فلتذهب، وإذا كان من الضروري أن يذهب البرلمان فليذهب، وإذا كان من يذهبون في هذا الاتجاه يَرَوْن أنهم يريدون مصلحة الشعب والمجتمع فليقنعوه ويقوموا باستفتاء، وليخرجوا ولنخرج لنوضّح ما نقول، وإذا غلبونا بالاستفتاء "انتهى الكلام وسنقبل". وعلى الرغم من تأكيده على الأخوة والصداقة التي تجمعه بإدريس الأزمي، رئيس فريق العدالة والتنمية، قال بنكيران إنه "لا أخوة ولا صداقة في هذا الأمر بل المسؤولية التاريخية أمام الله"؛ وهو ما يعني أنه "لا يجب أن يساهم العدالة والتنمية في هذا الأمر". وقال رئيس الحكومة السابق إنه يظهر اليوم أنه قد حدث توافق حول القانون الإطار، وهو توافق أعلن رفضَه له، واعتبره توافقا إذا لم يكن عند الأحزاب الأخرى غرض ويمكنها أن تقوم به وتغامر بتعليم البلاد، فعلى الأقل لا يجب إن يقوم بهذا حزب العدالة والتنمية الذي تتحدّث ورقته المذهبية عن "حجم الاختراق الاستعماري الذي استهدف نظامنا التربوي والتعليمي، وإجهاض كل المحاولات الإصلاحية المؤطّرة بالرؤية الوطنية الإسلامية، وتكرّس الهيمنة اللغوية والثقافية بذلك للغة وثقافة المستعمِر، على حساب اللغة العربية والثقافة العربية والإسلامية". وتأسف بنكيران بشدة على كون القانون الإطار الذي كان سيمرّر عندما كان رئيسا للحكومة، أخّر عندما اقتربت الانتخابات بفكرة عند الدوائر التي كانت تشرف على الموضوع. وذكر رئيس الحكومة السابق أنه قد استغرب حقيقة في ذلك الوقت من هذا التأخير، وظهر له أنه ليس من المعقول ذلك؛ لأنه من بين النصوص التنظيمية التي كانت مبرمجة في برنامج حكومته، ولأنه قد بُذِل فيه جهد لا يُتخيَّل. ثم استرسل متحدّثا عن المحطات التي عرفها نص هذا القانون إلى أن وصل النص الأخير الذي عاد إلى المجلس الأعلى للتعليم بعدما ذهبت الحكومة السابقة، وتمّ النقاش حوله، والتوافق عليه، حتى تكون فيه صيغة أن يبقى كل شيء بالعربية مع تدريس بعض المجزوءات للاستئناس بلغة أخرى، ثم استدرك بنكيران قائلا: "لكن بقدرة قادر الصيغة التي مرّت للمجلس الوزاري، والصيغة التي مرّت للبرلمان لم تكن هي تلك الصيغة"، ووصف هذا الأمر ب"الشيء المؤسف الذي يتحمّل مسؤوليته من قاموا به". ونفى بنكيران أن يكون كلامه اليوم من أجل إقناع أحد مجدّدا، بل من أجل "مسؤوليته أمام الله التي تلزمه بأن يخاطب النواب البرلمانيين بصفة عامة ونواب حزب العدالة والتنمية بصفة خاصة". ويرى بنكيران أن الكل يطالب بأن يقوّى تعليم اللغات، وأن يكون الأبناء بارعين في اللغة الفرنسية واللغات الأخرى، وزاد قائلا إن هذا "ليس مشكلا، بل نطلب من أبنائنا دراستها، وأن يكون مستواهم فيها جيّدا"؛ ولكن مع ذلك لن نرجع إلى الهيمنة ولن نرجع إلى الاصطدام بقانون أساسي هو أن الشعوب والأمم الأصيلة التي عندها تاريخ وحضارة تدرّس بلغتها. وذكر بنكيران أنه كان مقبولا انتظار حصول التلميذ على الباكالوريا، ثم إذا دخلوا في إشكال التعلّم بلغة أخرى يكونون أقدر على ذلك، لكن تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية في المستويات التعليمية ما قبل الباكالوريا سيحدث عراقيل كثيرة جدا لأبناء المغاربة العاديين الذين لا يقرأ آباؤهم الفرنسية ولا يتكلّمون بها ولا يستطيعون مراجعة المواد العلمية معهم بها؛ وهو ما يُحيل، بالنسبة إلى بنكيران، إلى مقصد التعريب في اليوم الأوّل، وهو أن: "أبناءنا كانوا يدرسون بالفرنسية مختلف المواد العلمية وكذلك بعض المواد الأدبية وهو ما كانت نتيجته مشاكل في التعليم، وإضرابات، وفشلا في التعليم، ثم ابتداء من الوقت الذي بدأ فيه التدريس بالعربية تحسّنت الأمور"، وزاد قائلا: "وتعليمنا ليس سيّئا إلى هذه الدرجة، ولا يشتكي من هذا بل من أشياء أخرى ليس هذا مجال قولِها". واعتبر بنكيران أن اللغة العربية أساسية في بنية الدولة المغربية، وجدّد توجهه إلى برلمانيي حزبه قائلا إن عبد الكريم الخطيب تحدّث عن ما سبق أن قاله علال الفاسي لأحد المقرّبين سياسيا من الملك الحسن الثاني ليوصله إليه، حول أنه يمكن أن يسوس بالسياسة التي يريدها، مع الاهتمام فقط بثلاثة أشياء: "الإسلام، واللغة العربية، والملكية الدستورية"، وجدّد الأمين العام السابق للعدالة والتنمية تذكيره في هذا السياق بأن "المغرب لم يتغيّر".