تعكس محطات معالجة مياه الصرف الصحي بشكل جدير بالثقة، وضع البكتريا المستعصية على المضادات الحيوية في منطقة بعينها. أظهرت دراسة أوروبية مقارنة المشاكل التي تتسبب فيها الجينات المقاومة للمضادات في سبعة بلدان أوروبية، من بينها ألمانيا. وحسب الدراسة التي أجراها باحثون تحت إشراف كاتارينا بيرنينِن، من جامعة هلسنكي، وديفيد كنايس، من جامعة دريسدن للعلوم التطبيقية، فإن المحطات الحديثة لتنقية مياه الصرف الصحي يمكن أن تخفض انتشار الجينات المستعصية على المضادات الحيوية. ونشرت الدراسة في العدد الأخير لمجلة "ساينس أدفانسيس" المتخصصة. جدير بالذكر أن البكتريا المستعصية على المضادات الحيوية تمثل مشكلة كبيرة في عالم الطب، وذلك لأن الكثير من هذه البكتريا التي تتسبب في الإصابة بالامراض لم يعد يستجيب للعقاقير المتوفرة في الوقت الحالي. أوضح الباحثون أن "البكتريا المستعصية على المضادات الحيوية وجيناتها المقاومة لهذه المضادات تنتشر على مستوى العالم بين البشر وفي السلع الغذائية والحيوانات والنباتات، وفي البيئة (في التربة والمياه والهواء)". وقال الباحثون إن العلماء لا يعرفون حتى الآن سوى القليل عن كيفية تطور الجينات المقاومة للمضادات الحيوية في البيئة. ولمعرفة ذلك درس فريق الباحثين الدولي 12 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، في سبعة بلدان أوروبية، وهي قبرص واسبانيا والبرتغالوايرلندا والنرويج و فنلندا، إضافة لألمانيا. وحلل الباحثون ،خلال ذلك وعلى مدى عدة أيام، المياه الداخلة والمياه الخارجة، باحثين خلال ذلك عن 229 جينا شائعا من الجينات المقاومة. وقال كنايس إن هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها هذه الخطوة بشكل تنسيقي بين عدد من الدول الأوروبية وبنفس الوسائل العلمية. وعثر الباحثون من ناحية المبدأ على ضالتهم المنشودة، في جميع المحطات. ولكنهم وجدوا أن هناك فوارق في انتشار هذه الجينات بين الشمال والجنوب، حيث تبين لهم أن تلوث المياه بهذه البكتريا كان أكثر وضوحا في جنوب أوروبا و في ايرلندا عنه في ألمانيا وشمال أوروبا، وهو ما ينسجم مع حقيقة أن حجم المضادات الحيوية التي يصفها الأطباء في جنوب أوروبا أكثر بوضوح منها في شمال أوروبا. ومن ناحية المبدأ تناسبت الجينات المقاومة التي عثر عليها الباحثون مع تلك البكتريا المقاومة التي تمثل مشكلة للأطباء في المستشفيات. وذكر الباحثون على سبيل المثال، بكتريا الإشريكية القولونية وبكتريا الكلبسيلة الرئوية وبكتريا الزائفة الزنجارية وبكتريا المكورة العنقودية الذهبية. كما أثبتت التحليلات أن محطات معالجة مياه الصرف تخفض التلوث البكتيري "حيث خففت 11 من إجمالي 12 محطة شملتها الدراسة، مشكلة تلوث المياه بالبكتريا المستعصية، وهو ما يشير إلى أن المحطات الحديثة تعمل بشكل جيد فيما يتعلق بهذه النقطة"، حسبما أوضح ماركو فيرتا، كبير الباحثين، من جامعة هلسنكي، في بيان عن الجامعة، مشيرا إلى أن محطة واحدة فقط، في البرتغال، هي التي كانت فيها نسبة التلوث البكتيري في المياه المعالجة أعلى بشكل واضح منه في المياه غير المعالجة. ومع ذلك، فإن جميع محطات معالجة مياه الصرف تخفف من الجينات المقاومة في البيئة. وكان حجم تلوث المياه المعالجة في دول جنوب أوروبا وفي ايرلندا أعلى منه في الدول الثلاث الواقعة شمال أوروبا. وأكد كنايس أن ذلك ليس فقط بسبب عدد مرات وصف المضادات الحيوية للمرضى في هذه الدول، حيث إن هناك عوامل أخرى تلعب دورا في ذلك، من بينها حجم الأمطار و وصف المضادات الحيوية للحيوانات في القطاع الزراعي، وحجم محطات المعالجة، ودرجات الحرارة بشكل خاص، وذلك لأن الكثير من البكتريا التي تعيش في العصارة الهضمية للبشر تتمتع بظروف مثالية عندما تكون درجة حرارة الوسط الذي تعيش به 30 درجة مئوية "لذلك فليس من المفاجئ أن هذه البكتريا تظل حية بشكل أفضل في بيئة المناطق الأكثر دفئا" حسبما أوضح الباحثون. *د ب أ