-1- لربما تشكل دولة إسرائيل في عالم اليوم النموذج الأمثل "لإرهاب الدولة"، فهي تأسست في مطلع القرن الماضي على الإرهاب، ومن أدواته وأيديولوجيته، وتعيش اليوم على نتائجه وبرامجه. لا نحتاج إلى رصد الجرائم البشعة التي يرتكبها إرهاب إسرائيل كل يوم ضد الشعب الفلسطيني، فالأمر يتعلق بآلاف الشهداء، أطفالا ونساء وشيوخا، يسقطون تباعا خارج كل القوانين الدولية، وعلى مرأى ومسمع من ضمير الإنسانية، وهو ما دفع خمسة ملايين فلسطيني أو يزيد إلى الهجرة (تشكل نسبتهم 53% من إجمالي الشعب الفلسطيني)، وهو ما دفع أيضا ما تبقى على الأرض الفلسطينية إلى الانتفاضات المتوالية، إلى الموت متعدد الصفات، من أجل مواجهة الإرهاب الإسرائيلي، وتحدي جيوشه وأسلحته وجبروته، ومن أجل تحرير فلسطين واستقلالها. -2- يحتضن "إرهاب الدولة في إسرائيل" العديد من المنظمات الإرهابية المشحونة بالحقد والكراهية للعرب عامة وللفلسطينيين بشكل خاص، بعضها أسس في عهد الانتداب البريطاني، وبعضها الآخر أسسته الترسانة العسكرية لدولة إسرائيل. وحسب المعلومات المتوفرة لخبراء القضية الفلسطينية، فإن اثنين من أعرق المنظمات الإرهابية بإسرائيل وقع إدماجهما مبكرا في الجيش الإسرائيلي مع بداية تأسيسه في أفق أربعينات القرن الماضي، ويتعلق الأمر ب: منظمة "الهجاناة" التي يعود تأسيسها إلى سنة 1921 لإرهاب العرب بفلسطين، وقد أصبحت الذراع العسكري الأساسي للوكالة اليهودية، وللمنظمة الصهيونية العالمية، ثم النواة الأولى للتوجيه العسكري، بفصائل الجيش الإسرائيلي. ومنظمة "البالماخ" التي يعود تأسيسها إلى سنة 1924 لأهداف المنظمة الأولى نفسها، وقد تحولت بعد تأسيس دولة إسرائيل إلى قاعدة تنظيمية وثقافية لإمداد الجيش الإسرائيلي بالأطر القيادية، وهي نفسها المنظمة التي عرفت باسم (خطة دالت) القائمة على إلقاء الرعب في صفوف الجماهير الفلسطينية في الجليل بإحراق قراها وبيوتها ومعالمها الأثرية. وفي أعقاب قيام دولة إسرائيل (سنة 1946) (بزعامة بن غريون) تم إدماجها في الجيش الإسرائيلي، ليصبح "الإرهاب" عملا عسكريا رسميا للدولة الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، عمل الفكر الصهيوني، في مجال الممارسة السياسية لإسرائيل، على تصعيد تربية النشء الإسرائيلي تربية صهيونية حاقدة، ذات أبعاد إرهابية، حتى تضمن إسرائيل استمراريتها باستمرارية العدوان على أعدائها العرب والفلسطينيين منهم على الخصوص. في إطار هذا التوجه أيضا، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على خلق منظمات إرهابية متعددة الاختصاصات، تعمل إلى جانب المخابرات والشرطة والجيش على الأهداف العدوانية نفسها التي ترسمها السياسات الحكومية. -3- هكذا تشير صفحات التاريخ المعاصر إلى أن الإرهاب الإسرائيلي أطل مبكرا على المنطقة العربية بوجه حاقد بشع مع بدابة القرن الماضي، حيث جند منظماته وعصاباته بأعمال القتل والخطف ضد العرب والفلسطينيين، ثم ضد ضباط الجيش البريطاني المحتل لفلسطين (في الأربعينات). ففي هذه الفترة انطلقت عصابات/منظمات الهاجانا وربيباتها لتنفيذ عملياتها الإرهابية بهدف إخلاء أرض فلسطين من أهلها، وترويع الجيش البريطاني المحتل، وهو الإرهاب نفسه الذي صدرته إسرائيل إلى جهات عديدة من الوطن العربي بعد ذلك. وبعد تأسيس دولة إسرائيل، اشتركت المنظمات الإرهابية الصهيونية، على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها، مع "الجيش الرسمي" في تخطيط وتنفيذ سلسلة لا تحصى من الجرائم التي هزت الكيان الإنساني، في مقدمتها تهويد القدس. ولقد أعطت إسرائيل منذ نشأتها أدلة على إدماج العنف والإرهاب كأحد مكونات سياستها في الحفاظ على أمنها الداخلي والخارجي، وكذا في تكريس سياستها الاستيطانية، حيث عبر عن ذلك أحد القادة الصهيونيين عندما قال: "اليهود والعداء لليهود يسيران جنبا إلى جنب عبر التاريخ، منذ قرون عديدة، فاليهود هم شعب الله المختار بسبب الحقد الأبدي للبشرية". ويضيف "ليونيسكو" في كتابه "التحرر الذاتي" (نشر بباريس سنة 1881) أن اللاسامية هيستيريا ألمت بالنفس البشرية حتى صار الناس يتوارثونها كمرض عضال. -4- إن إرهاب الدولة في إسرائيل لم توقفه المعاهدات الإسرائيلية الفلسطينية/العربية/الدولية، التي نقلت القضية الفلسطينية الإسرائيلية إلى طاولة المفاوضات نهاية القرن الماضي للبحث عن سلام ممكن ومستحيل. فالتقارير الحقوقية الدولية تعطي أرقاما مفجعة عن عدد ضحايا الإرهاب الإسرائيلي خلال القرن الواحد والعشرين، حيث تكاثفت دعاوى السلام الموعود. فقد أكدت واحدة من هذه المنظمات الحقوقية الدولية أن مطلع القرن الواحد والعشرين شهد ذروة الإرهاب الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين، موردة أن سنة 2001 كانت الأكثر دموية منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وأوضحت هذه المؤسسة في تقرير لها أن حوالي 615 مواطنا فلسطينيا لقوا مصرعهم على أيدي قوات الاحتلال خلال هذه السنة. ليرتفع بذلك عدد الشهداء الفلسطينيين منذ اندلاع انتفاضة الأقصى، في شتنبر من سنة 2000، إلى حوالي ألف شهيد، بينهم 223 طفلا دون الثامنة عشرة تنوعت الأساليب الإرهابية لسقوطهم بين القتل والمحاصرة والاختطاف، بالإضافة إلى حوالي ثلاثين ألفا من الجرحى، الذين أصيبوا بالرصاص أو بالصواريخ أو بالمدرعات أو بالأسلحة الأوتوماتيكية المتطورة، التي استعملها الجيش الإسرائيلي ومنظماته الإرهابية ضد المواطنين العزل في فلسطين. -5- السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم في الشأن الفلسطيني حيث يواصل الإرهاب الفلسطيني حربه الجهنمية في كل فلسطين، وضد كل الشعب الفلسطيني، وبمختلف الأسلحة الفتاكة والمحرمة، هو: لماذا لم يتحرك المجتمع الإسلامي لإيقاف الإرهاب الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى/ضد الشعب الفلسطيني، لإيقاف الانتهاكات الإرهابية الصارخة للقانون الدولي وللقانون الإنساني؟ لماذا يواصل المجتمع الدولي صمته على المجازر التي يقوم بها الإرهاب الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، وعلى مرأى ومسمع من الضمير العالمي؟ لماذا لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه ما يجري بفلسطين من إرهاب تجاوز كل المقاييس والمواصفات؟ ولماذا لم يعمل المجتمع الدولي على حماية الشعب الفلسطيني من جرائم الإرهاب الإسرائيلي؟ من يتفضل علينا وعلى الفلسطينيين بالجواب؟