تعد مدينة مراكش متحفا مفتوحا، لما تحتويه من معالم أثرية وتاريخية ذات قيمة وتاريخ عريق، يجب استثماره في سياق تنويع المنتج السياحي، من أجل سياحة ثقافية تشكل قطبا اقتصاديا يساهم في التنمية المحلية، لأن الأسفار السياحية أضحت تستجيب لحب الاستطلاع والبحث عن تجارب جديدة عند الأشخاص والمجتمعات، ولأنها مفيدة لاستمرار العلاقات التجارية بين الدول، وتسمح للسياح بالتعرف على أنماط ثقافية وعادات مختلفة، ما يزيد من فرص التفاهم بين الثقافات. وبعد إدراج مدينة مراكش ضمن مشروع 20 مليون سائح، في أفق 2020، بدأت تشهد اليوم حركة ثقافية تراثية حضارية غير مسبوقة، بفضل مشاريع كبرى انطلقت مع المبادرات الملكية، كبرامج تثمين المدن العتيقة، ما يذكر بالنهضة التي عرفتها بهجة الجنوب منذ خمسة قرون خلت، في عهد السلطان مولاي عبد الله الغالب في القرن 16، ما جعل زمانها الذي تعيشه استثنائيا، من خلال التخطيط للشق الثاني، الذي يتجلى في الالتفات للوظيفة الثقافية التي سيتم تصريفها من خلال المتاحف، التي ستعزز المقامة التاريخية لمراكش التي تعتبر من بين الحواضر المتوسطية. فهل يتوفر المسؤولون عن الشأن السياحي والمحلي بمراكش على رؤية تنسجم مع المشاريع الكبرى من أجل جذب السائح الأجنبي؟ وإلى أي حد يهتم القائمون على شأن المدينة السياحي بما تملكه من موروث ثقافي لاستثماره في قطاع يشكل عمودها الاقتصادي؟ وبأي معنى يمكن القول إن حاضرة سبعة رجال أضحت تتوفر على مشروع ثقافي سياحي؟. المتاحف الخلاقة جعفر الكنسوسي، رئيس جمعية منية مراكش لإحياء التراث، أوضح لهسبريس أن "المدينة الحمراء هي الحاضرة الأولى للسياحة الثقافية، ولهذا الاعتبار فأفق المتاحف والصناعات الثقافية والخلاقة هو مستقبل مراكش الاقتصادي"، وزاد: "هذا الباب يكاد يكون اليوم غير مطروق، أما الأجانب ففهموا هذا البعد، وتجندوا له وكانوا سباقين"، مستدلا على ذلك بحديقة مارجوريل ومحتف سان لورين، ودار الصورة الفوتوغرافية، وحديقة الأسرار الخفية. وأضاف المتحدث نفسه: "مراكش في حاجة إلى عشرات المتاحف الوطنية، لذلك فالمال الوطني (المؤسسات المالية والمستثمر المغربي) مطالب بأن يتجند لهذا الغرض، وأن يخوض غمار هذا القطاع، الذي يزاوج بين الربح الاقتصادي والمعرفي، لأن المدينة الحمراء أضحت قبلة السياحة"، مشيرا إلى أن مراكش، "رغم احتضانها مشاريع كبرى بهذا الخصوص، فإنها عرفت تعثرا، كديوان الكتبيين ومركز التراث الشفوي، ومدينة الفن الشعبية والعتيقة، التي كان حريا أن تبقى بأكدال با أحماد، لأن مئات الفنانين الشعبيين وروح الثقافة الشعبية الأصيلة الجميلة والمبتهجة بالجانب الشرقي من المدينة: سيدي يوب وابن صالح باب إيلان وسبتيين". وتابع الكنسوسي: "هؤلاء الفنانون المعروفون بقلة ذات اليد سيصبحون مضطرين إلى الانتقال من عمق المدينة العتيقة إلى طريق الدارالبيضاء"، مضيفا: "هذا الوسط الاجتماعي الشعبي الراقي، بثقافته الأصيلة المتجذرة في السماحة، علينا أن نكون في خدمة حاملها بتوفير شروط تحصين فنونه وتجديدها، لا تعذيبه باقتلاع مدينة الفنون، من جذرها الذي هو الحاضرة المتجددة إلى أطراف المدينة الحديثة". متاحف ومتاحف بدأت العديد من المتاحف تظهر للعيان بمدينة مراكش، كمتحف الصورة بزنقة سوق أهل فاس قرب حي الموقف، ومتحف دار الباشا، ومتحف تسكوين بزنقة الباهية، ودرب السي سعيد، رياض الزيتون الجديد، ومتحف العطر بديور الصابون، ومتحف النخيل بدار التونسي بمقاطعة النخيل، منها ما يخضع لتدبير المؤسسة الوطنية للمتاحف، وأخرى تابعة لوزارة الثقافة، ومنها ما سيحدثه المجلس الجماعي (كمتحف التراث اللامادي بساحة جامع الفناء). "أصبحت المسألة المتحفية شأنا جديدا في بلادنا بصفة عامة ومدينة مراكش بشكل خاص، لأنها تندرج في إطار العمل الثقافي والاقتصادي أو ما يعرف بالصناعة الثقافية الخلاقة"، يقول خليفة الشحمي، رئيس اللجنة المكلفة بالشؤون الثقافية والرياضية والتنمية الاجتماعية وإشراك المجتمع المدني، مضيفا أن "متحف التراث اللامادي بساحة جامع الفناء يشكل إرثا تاريخيا يساهم في بلورة تراث حضاري وعمراني وثقافي ذي إشعاع متميز، يعزز مكانة مدينة مراكش وساحتها كقطب سياحي عالمي"، وزاد: "تم إبرام اتفاقية شراكة بين الأطراف المتعاقدة من أجل خلق إطار للتعاون والشراكة قصد إحداث وتدبير هذه المعلمة الثقافية والسياحية". وقال المستشار ذاته: "مشروع متحف التراث اللامادي الذي سيتم إحداثه بمقر بنك المغرب بساحة جامع الفنا العالمية، بشراكة مع غرفة الصناعة التقليدية، وكل من مندوبية الصناعة التقليدية والسياحة، ستعرض به المنتجات ذات القيمة العالية للصناع التقليديين، والتحف الفنية المتعلقة بالصناعة التقليدية". جيل جديد من المتاحف أوضحت فدوى شباني إدريسي، المندوبة الجهوية للسياحة بجهة مراكش، أن "المدينة الحمراء وحديقتها الخلفية بجبالها وشواطئها ترتكز في سياحتها على الموروث الثقافي المادي واللامادي"، مضيفة أن "الجيل الجديد من المتاحف يلبي جميع المعايير الدولية التي تم تطويرها بحاضرة سبعة رجال، فأصبح منطقة جذب تحتل مراتب متقدمة في مصاف الوجهات السياحية العالمية". واستطردت المسؤولة ذاتها عن قطاع السياحة: "تميزت سنة 2018 بإنجازات ونتائج استثنائية على مستوى الوافدين وليالي المبيت، التي بلغ معدلها 57% كمعدل سنوي، ما سيمكننا من جلب استثمارات سياحية كبرى، بعد تعزيز الخط الجوي وجودة الخدمات، وتوفير كل الشروط التي ستساعد على جلب عدد كبير من السياح لهذه المدينة، وهذا سيوفر لبهجة الجنوب فرص شغل كثيرة، ستمتص عطالة شبابها وأحوازها". عقلنة التدبير توفيق مديح، رئيس جمعية أرباب وكالات الأسفار بجهة مراكشآسفي، قال لهسبريس: "رغم أن المتاحف تشكل قيمة إضافية، إلى أنها تحتاج إلى تدبير تشاركي مع كل الفاعلين بالقطاع السياحي، لأن لكل شريك التزاماته في مجال حساس، فهو يرتبط بزبناء يجب تشجيعهم على المداومة في زيارة المغرب عامة ومراكش خاصة". وأوضح الفاعل السياحي أن "بعض المتاحف ترفع من ثمن تذاكر زيارتها، دون مراعاة الالتزامات التي تربط الوكالات بمثيلاتها بخارج المغرب، ما يسبب ضررا كبيرا لهذا القطاع"، مستدلا على قوله بما أقدم عليه متحف الباهية على سبيل المثال لا الحصر، من رفع لثمن تذكرة زيارته، "دون استحضار الشركاء في قطاع وكالات الأسفار، الذين يوقعون عقودا مع وكالات عالمية". وتابع مديح: "لسنا ضد رفع ثمن زيارة المتاحف، ولكن يجب إخبارنا وربط ذلك مع الموسم السياحي، لأننا نرتبط مع وكالات عالمية بالتزامات"، ثم ضرب مثلا بما وقع في متحف الباهية، الذي كان ثمن زيارته هو 10 دراهم، وإذا به يرتفع إلى 70 درهما دون سابق إشعار، "ما يعني أن حافلة ب40 سائحا، كانت تؤدي 400 درهم، وهو المحدد في الاتفاقية، أصبحت تؤدي 28 ألف درهم، زد على ذلك أن الحافة ستزور أكثر من متحف، وهذا سيضاعف الخسارة"، على حد قوله.