منهم من بُتر جزء من عضوه الذكري أو شُوّه جهازه التناسلي، وبعضهم توفي نتيجة نزيف دموي حاد، ومنهم من ينتظر.. أطفال من مختلف الأعمار قادهم القدر وجهل الآباء إلى طرق أبواب "الحجام" التقليدي، وكانت النتيجة أن خلّف ذلك نسب عجز متفاوتة لدى أطفالهم. ويبقى ذنبهم الوحيد أنهم يعيشون بهوامش المدن أو ب"المغرب العميق"، ووضعوا ثقتهم في "الحجام"، الذي يحول أحيانا عيشة رضع وأطفال إلى مأساة وجحيم لا يطاق. قد تصادف عائلاتهم في طابور الاستشارة الطبية بمصلحة المستعجلات، وغالبا ما يتم توجيههم إلى المراكز الاستشفائية الجامعية، يخفون آلامهم في ملفات حبلى بتقارير طبية، ويسرعون الخطى بغية تحاشي نظرات عطف المارة. تعرف أم كلثوم حرتي، وهي طبيبة مقيمة بالديار الكندية، عملية ختان الأطفال الذكور، أو ما يصطلح عليه شعبيا ب"الطهور" أو "الطهارة" أو"الختانة"، بالجراحة التي تطال قلفة الجهاز التناسلي، مشيرة إلى أنها شعيرة دينيّة مرتبطة بالإسلام. ودعت الطبيبة ذاتها، في تصريح لهسبريس، إلى ضرورة تجنب الختان التقليدي نظرا لمضاعفاته الخطيرة، على اعتبار أن ممتهنيه يجهلون الطريقة الصحيحة للعملية، ويهددون سلامة الأطفال، مبرزة أن الأمر لا يتعلق فقط بهوامش وضواحي المدن، بل إن الآفة ما زالت منتشرة بمدن وحواضر قريبة من العاصمة الإدارية للمملكة. واستحضرت الطبيبة حرتي في هذا السياق وجود "حجامة" وسط المدن الكبرى وغيرها، وهو المعطى الذي وقفت عليه من خلال حالات استقبلتها خلال فترة تكوينها بمشافي العاصمة الإدارية. ضربة مقص حتى إن اختلفت أسماء ضحايا الختان وتوزع مرتكبو هذه الأخطاء بين "الحجام" وحملات الإعذار المنظمة على هامش مواسم "التبوريدة"، فإنها تتوحد في أغلبها في حرمان "طيور الجنة"، خصوصا أولئك القادمين من أرياف المدن، من فحولتهم وتجعلهم رهائن نقص سيحكم مصير مستقبلهم مدى الحياة. كم "ضربة مقص" خاطئة قضت على آمال طفل٬ وصار أقصى ما يتمناه أن "يتبول بطريقة طبيعية"٬ وكم حفل ختان غدا حزنا ومأساة، تقول أم كلثوم، قبل أن تضيف أن "أغلب ممتهني الحجامة التقليدية لا يعمدون إلى تعقيم الأدوات المستعملة في عملية الختان، وهو ما قد يفضي إلى إصابة الطفل بأمراض٬ ناتجة عن التعفنات، إلى جانب حدوث نزيف دموي". وأكدت في هذا الصدد على ضرورة القطع مع هذه الأساليب العتيقة، وضرورة إخضاع الطفل المقبل على الختان لتحاليل مخبرية للتأكد من نسبة تخثر الدم. ودعت الطبيبة حرتي إلى ضرورة فحص الطفل قبل عملية الختان لمعرفة ما إذا كانت هناك عوارض وموانع لها، مشيرة إلى أنه "ليست هناك عملية صغيرة أو كبيرة، فالمضاعفات واحدة، ويمكن أن تترتب عنها آثار نفسية قاتمة قد تتحول إلى مركب نقص يتعايش معه المريض في حالتي مرضه وشفائه". الصمت يقتل يحاط موضوع أخطاء الختان، التي تصيب الجهاز التناسلي٬ بستار كثيف من الكتمان، وهذا راجع إلى طبيعة المجتمع، الذي يميل إلى "السترة" لطمس أهوال الفضيحة. وتتفاقم الحالة المرضية وتتفشى معها عوامل نفسية بحكم حساسية العضو ورمزيته وسط مجتمع تحكمه تمثلات مجتمعية تنفي معنى "الرجولة" عن ذوي التشوهات بالعضو التناسلي. ولا تتوقف الآثار النفسية والعضوية التي تتعايش مع حياة ضحية الختان التقليدي عند مرحلة عمرية محددة٬ بل تمتد تداعياتها إلى مراحل عمرية أخرى. ودعت الطبيبة حرتي إلى ضرورة إشراف ذوي الاختصاص على عمليات الختان حتى يتم تخطّي احتمالات الخطأ، وما يمكن أن يسفر عن ذلك من عواقب وخيمَة على المستويين البدني والسيكولوجي.