هناك قاعدة تقول بأن إفريقيا غنية؛ ولكن شعوبها فقيرة. وهذه القاعدة لها مصداقيتها من خلال الواقع المعيش والدراسات التي أنجزت من قبل هيئات مختصة حول الوضعية العامة لهذه القارة الفتية التي بدأت تعرف قفزات نوعية على مستوى التنمية المستدامة، مع تفاوت بين الدول حسب الإرادات والاختيارات. ومن أهم أسباب هذه الوضعية المزرية انتشار الفساد الذي عشش في بنيات الدولة والشعوب، مع استثناءات ضئيلة. ومن أجل تجاوز هذه الإشكالية تمت المصادقة على قانون رقم 18.81 على مستوى الاتحاد الإفريقي، لمنع الفساد ومكافحته. ومن أهداف هذه الاتفاقية منع الفساد وضبطه والمعاقبة والقضاء عليه، وتنظيم التعاون بين الدول الإفريقية في هذا الباب، وتنسيق وتسهيل السياسات والتشريعات بين الدول الأطراف من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية. وبذلك نوفر الظروف المناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة. ومن المظاهر المعبرة عن الفساد يؤكد القانون على: الامتناع عن أداء خدمة عمومية إلا بمقابل، تحويل ممتلكات الدولة إلى ممتلكات فردية، تقديم منفعة غير مستحقة سواء في القطاعين الخاص أو العام، الكسب غير المشروع، إخفاء عائدات مستحقة... ومن أهم الإجراءات التشريعية الرقابة، واحترام التشريعات الوطنية، وتعزيز هيئات مستقلة لمكافحة الفساد، وتقوية أنظمة المحاسبة والمراجعة والمتابعة الداخلية، وحماية الشاكي والشاهد في قضايا الفساد والجرائم ذات الصلة، ومعاقبة الأشخاص الذين يقدمون تقارير كاذبة في المجال، توعية السكان على احترام المصلحة العامة وتحسيسهم بمكافحة الفساد والجرائم ذات الصلة مستثمرين التربية والتعليم والإعلام وتعزيز البيئة المناسبة لاحترام آداب المهنة. وفي هذا الإطار، يلزم العمل على مكافحة الفساد والجرائم ذات الصلة في الخدمة العامة، والكسب غير المشروع، وسبل الحصول على المعلومة، والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، والاختصاص القضائي، والحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، والتسليم، ومصادرة العائدات والوسائل المتعلقة بالفساد، والسرية المصرفية، والتعاون والمساعدة القانونية المتبادلة، والتعاون الدولي.. ومن أجل ضبط هذه العمليات لا بد من وضع آليات للمتابعة. ولإنجاح هذا العمل، لا بد من توطيد العلاقة بين السلطات العمومية وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. فهل سنجسد الشعار الذي رفعه الاتحاد الإفريقي لسنة 2018 محاربة الفساد؟ باعتبار أن مكافحة الفساد مسلسل يساهم فعليا في التحول الايجابي الذي تعرفه إفريقيا. ومن ثمّ، لا بد من تقاسم التجارب بين كل الأطراف وهناك أمثلة يقتدى بها في هذا المجال. وهذا ما سيعطي دينامية للقارة في هذا المجال ويبرز أهم التجارب الناجحة في القارة مما سيغني هذا التعاون. وبذلك سنوحد العلاقات بين الوطني والإقليمي والدولي؛ لأن الفساد لا تحده الحدود. هناك فقط تباين بين الدول حسب الإرادة السياسية واحترام القانون وبناء دولة الحق. ومن القضايا المصاحبة نذكر قفزة مدنية واعية ويقظة. إذن، مزيدا من التعاون وتقوية العلاقات. وفي هذا الإطار، نظمت ترانسبرنسي لقاء تحت عنوان: "الفساد بإفريقيا الاتفاقيات.. الخطاب.. الواقع". إذن لا بد من تشريح الواقع الإفريقي على مستوى الفساد، وكيفية تفعيل الاتفاقيات الموقعة بين الدول الأطراف؛ لأن المطلوب اليوم دراسة التأثير الحقيقي للاتفاقيات المبرمة على مستوى واقع الدول والشعوب على جميع المستويات، ما دامت مصداقية الدول الإفريقية مرتبطة بمدى تطبيقها للاتفاقيات المبرمة بين الدول في إطار الشفافية والمصداقية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.