لا يمكن للمار من شوارع الرباط طيلة الأشهر الماضية أن يتجاهل انتشار موجة احتجاجات عارمة لشغيلة قطاع التعليم أمام وزارة التربية الوطنية أو قبالة مقر البرلمان، حنقا على تدبير الوزير سعيد أمزازي للقطاع الذي أضحى ذكره موازيا لاستحضار وقفات أطره وأساتذته، من متعاقدين، وأساتذة عالقين قسرا في السلم التاسع اختاروا لقب سجناء "الزنزانة 9"، وموظفي الوزارة حاملي الشهادات التواقين إلى ترقية قانونية يمنحها لهم اجتهادهم في التحصيل المعرفي. المشاكل التي تتفاقم يوما بعد يوم بسبب صمت الوزارة وعدم تحاورها مع أي طرف، يتضرر منها آلاف التلاميذ الذين يجدون أنفسهم أمام أو داخل حجرات بدون أساتذة، لأنهم أضربوا عن العمل أو تنقلوا من مختلف المدن المغربية صوب العاصمة الرباط لخوص أشكال احتجاجية، تجاوزت الوقفات والمسيرات إلى الاعتصام في برد نونبر القارس أما قبة البرلمان، من أجل إسماع صوتهم. احتجاجات لم تسلم من التدخلات الأمنية؛ إذ شهدت تصعيدات كل من أساتذة "الزنزانة 9" وموظفي وزارة التربية الوطنية استخداما للقوة من أجل تفريقهم؛ ما دفعهم والإطارات النقابية والحقوقية إلى استنكار ما تقدم عليه أجهزة الدولة في علاقتها بشغيلة قطاع حيوي لطالما كان محط حديث أعلى سلطة في البلاد. المتعاقدون قال عمر الكاسمي، عضو المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد: "لا يخفى على الجميع أن المغرب يعرف أزمة غير مسبوقة على جميع المستويات، يتقدمها التعليم: قطاع فاشل للغاية، العنف الداخلي والخارجي، المستوى المعرفي المتدني لمتلقي المناهج الدراسية، والاحتجاجات المتواصلة للعاملين بهذا القطاع الحيوي جدا، كلها مظاهر من تجليات هجوم الحكومات المتعاقبة بهدف خوصصة القطاع". وأضاف الكاسمي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الدولة لم تنجح في الخوصصة رغم أنها حقيقة قطعت أشواطا كبيرة في السعي إلى الإجهاز على مجانية التعليم والوظيفة العمومية، ففي سنة 2016 اتخذ المغرب خيار التوظيف في التعليم بالعقدة، وهي نافذة جديدة لفك أزمة البطالة بشكل ترقيعي كالعادة، فيكفي أن نعرف أن العقدة توقع لمدة عامين، وأن هذا الشكل من التوظيف يخول للأكاديمية فسخ العقدة بجرة قلم، ليتضح الأمر". وأردف المتحدث أنه "بعد العمل قرابة السنتين بالعقدة وجدت الحكومة نفسها في ورطة حقيقية إزاء هذا النوع من التشغيل الذي يتعارض مع التشريعات الدولية وقانون الشغل بالمغرب، وفي محاولة للهروب إلى الأمام وبدل الجلوس مع الأساتذة وممثليهم بخصوص الحل، لجأت إلى الانفراد بإصدار النظام الأساسي لموظفي الأكاديميات الذي لا يعدو أن يكون نسخة طبق الأصل من العقدة". وأكمل الكاسمي: "في ظل هذا الوضع الخطير والمستقبل الملغوم، فإن التنسيقية الوطنية ماضية بلا هوادة في النضال إلى حين الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية"، محملا المسؤولية لرئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية، وزاد: يتم التحضير لبرنامج أكثر تصعيدا يوم 2 دجنبر، كما عملت التنسيقية الوطنية على تنظيم ندوات علمية وقراءات نقدية للنظام الأساسي لموظفي الأكاديميات بناء على مرتكزات قانونية وسياسية واجتماعية بكل من مراكش وزاكورة". حاملو الشهادت قال عبد الوهاب السحيمي، عضو التنسيقية الوطنية للأساتذة حاملي الشهادات، أن "احتجاجات الأساتذة انطلقت منذ ما يقارب السنتين، ومحطاتهم النضالية تعقد بشكل شهري تقريبا"، مضيفا أن "مطلب الترقية وتغيير الإطار عبر الشهادة كان مطروحا إلى غاية سنة 2015، ثم أقدمت الوزارة بعد ذلك على إلغائه دون تبريرات واقعية، حيث اكتفت برمي الكرة في ملعب الحكومة وقانون الوظيفة العمومية، في حين إن الأساتذة تابعون لقانون وزارة التربية الوطنية على مستوى التوظيف". وتابع السحيمي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الأساتذة حاملي الشهادات يشتغلون بنفس الشهادات مع أطر تمكنوا من تحقيق الترقية بفضل تكوينهم الجديد في تناقض غريب"، مشيرا إلى أن "الشغيلة تستخدم شهاداتها في مقارباتها للدرس التربوي ولم تحصل عليها من أجل وضعها في الرفوف". وزاد الإطار التربوي: "في مفارقة عجيبة، قال الوزير أمزازي في العديد من تصريحاته إن الشهادة لا تعني الكفاءة، ومن الأساتذة من له شهادات موقعة باسم سعيد أمزازي لما كان رئيسا لجامعة محمد الخامس". وأردف المتحدث أن "هناك محطات نضالية كبرى قادمة شهر دجنبر المقبل، ستهم الاحتجاج أمام جميع الأكاديميات، ثم في مستهل سنة 2019 سيكون هناك تصعيد ل3 أيام ممركزة على مستوى العاصمة الرباط". الزنزانة 9 قال محمد بوخريص، المنسق الوطني لأساتذة الزنزانة 9، إن "أقدمية الأستاذة المعنيين بالزنزانة تتراوح ما بين 7 و15 سنة، وعددهم يقترب من 5000 أستاذ، ومطالبهم تتمثل في الترقية إلى السلم 10 بأثر رجعي ومالي منذ موسم 2012، بحكم أن هذا الموسم هو الذي توقف فيه التوظيف في السلم 9، وكذلك إسوة بجميع الأساتذة الذين استفادوا من الترقية صوب الدرجة الموالية". وأضاف بوخريص، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الأساتذة يطالبون باجتياز جميع مباريات أكاديميات التربية والتكوين دون قيد أو شرط"، مشيرا إلى أن "التوظيفات الجديدة كلها تتم وفق السلم 10، وهناك من يشتغل مع تلميذه السابق في المؤسسة ذاتها، وقد وظف التلميذ بعد نجاحه أستاذا في السلم 10، في حين ما يزال معلمه يقبع في السلم 9". وأوضح المتحدث أن "الوزير محمد الوفا سبق وقال إن السلم 9 سينقرض من القطاع مطلع 2013، ونحن الآن على أبواب 2019 وما زلنا قابعين في الزنزانة 9"، وزاد أن "الوزير سعيد أمزازي بدوره كان قد أورد في تصريحات له أن الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد يتقاضون نفس أجر الأساتذة المرسمين، متناسيا وضعية أساتذة السلم 9". وأكمل بوخريص بأن "الوزير لم يفهم الملفات العالقة ولا حتى المعنيين بها، فالأساتذة الجدد يتقاضون 5000 درهم، في حين الزنزانة 9 يتقاضون 4000 درهم وأحيانا أقل من ذلك، موضحا أن هذا له آثار وخيمة على مستوى الاستقرار المعنوي والمادي للأستاذ".