هنا وهناك في الغرب، ومع مطلع عيد الأضحى تتجدد المعارك الكلامية والسجالات المفتعلة حول مسألة ذبح الأضحية، وهي واحدة من أكبر القضايا الساخنة التي يثيرها أعداء الإسلام بغرض التنقيص والازدراء من شرائعه وأحكامه بهذه المناسبة؛ جهلا منهم بطبيعة الأوامر الربانية التي لا يأتيها الباطل ولا يعتريها النقص والخلل. تعد جمعيات الرفق بالحيوان في البلدان الغربية من أبرز الهيئات التي تثير هذه القضية، وتستنكرها، من خلال مناظر الأغنام بعد قيام المسلمين بذبحها وهي ترفس بأطرافها وكأنها تتلوى من الألم؛ فيتهم المستنكرون المسلمين القائمين بهذه السنة المؤكدة بالوحشية والهمجية، وهذا – بالإضافة إلى كونه من مظاهر الحقد والتشويه – يعد جهلا مركبا بما توصل إليه العلم الحديث في هذا المجال من الحقائق الدامغة. ولا يضر دين الله الحق المنزل على رسول الله (صلى الله عليه و سلم) كل هذه الافتراءات، فهو أسمى من أن تنال من حكمته السامية هذه الافتراءات الحاقدة وغيرها، فضلا من أن تضع أحكام الإسلام وشرائعه الربانية موضع الشك والاتهام، خاصة وأن التقدم العلمي يقدم الأدلة الواضحة على صحة تلك الشرائع الربانية، وحكمتها السامية، ومن ذلك ما نسمعه من كلام أهل الاختصاص في قضية ذبح الحيوان المقررة شرعا؛ ولتجلية فوائد ذبح الحيوان طبيا قبل الإفادة من لحمه وبقية أجزائه، قامت هيئة الإعجاز العلمي بعقد حوار علمي مع الدكتور جون هونوفر لارسن أستاذ قسم البكتريا في مستشفى غيس هوسبيتال – المستشفى الرسمي – أكبر مستشفيات كوبنهاجن[1]. موجز الحوار كالآتي: الإعجاز: ماذا تقول يا دكتور في أكل لحم الميتة من حيث فائدته الصحية؟ هي مستودع للجراثيم، ومستودع للأمراض الفتاكة، والقوانين في أوربا تحرم أكل الميتة. الإعجاز: إذا تركنا غراما من الدم وغراما من اللحم في مكان مكشوف ثم أردنا استعمال كلٍ منهما بعد ثلاث ساعات أو أربع ساعات تقريبا.. فهل من ضرر سيحدث من جراء ذلك؟ نعم.. ضرر كبير، أما الدم فان الجراثيم الممرضة ربما انتقلت إليه عبر السكين التي ذبح بها الجزار،أو عبر الهواء المحيط، أو قد تنتقل من مصدر مجاور؛ فإذا انتقل عدد من الجراثيم إلى الدم فإن الجرثومة الواحدة تتضاعف هندسيا كل نصف ساعة، فتتوالد الجرثومة الواحدة إلى اثنتين. ولو اعتبرنا أن 1000 جرثومة انتقلت إلى هذا الغرام من الدم فإنها تصبح بعد نصف ساعة 2000، وبعد ساعة واحدة يرتفع العدد إلى 4000، وبعد ساعة ونصف تصبح 8000 جرثومة، ثم يرتفع عدد الجراثيم إلى 16000 جرثومة بعد ساعتين، وبعد ثلاث ساعات يكون العدد وصل إلى 64000 جرثومة تغزوا هذا الغرام الواحد من الدم. ومعلوم أن الدم أصلا توجد فيه كميات هائلة من الجراثيم، بل إنه بعد وفاة الحيوان يصبح ملوثا ضارا جدا بصحة الإنسان، إذا تم شربه، أو حفظه في مكان ثم شربه بعد ذلك. الإعجاز: وماذا بشان قطعة اللحم؟ بالنسبة لقطعة اللحم فإن الجراثيم تبدأ بغزو السطح الخارجي عبر التهام الطبقة الصلبة التي يصعب على الجراثيم اختراقها، عندها تبدأ بالتهام ما يوجد في الطبقة الصلبة؛ فيتناقص عنها الغذاء ويموت عدد كبير منها لعدم قدرتها على التكاثر بسرعة. فإذا أراد الطباخ أن يطبخ هذه القطعة من اللحم فإنه يقوم بغسلها من الخارج؛ وعندها تكون كمية الجراثيم قد أزيلت بهذه العملية، ثم بالطبخ يتم القضاء على كمية أخرى من الجراثيم. الإعجاز: ولحم الخنزير ماذا تقول فيه؟ إنني أقود معركة في بلادي ضد أكل لحم الخنزير لأني اكتشفت جرثومة جديدة اسمها (يارسينا)، وهذه الجرثومة لا توجد إلا في الخنزير فقط، ولا تعيش إلا في درجة منخفضة جدا هي –40 م، وهذه الجرثومة يصاب بها كثير من الأوربيين، وكثير من إصابات العمود الفقري والمفاصل ترجع إلى هذه الجرثومة. الإعجاز: هل هناك خطورة من تناول لحم الحيوان الذي يموت خنقا؟ قوانيننا الآن تحرم أكل لحم الحيوان إذا مات مختنقا. الإعجاز: لماذا؟ لقد اكتشفنا مؤخرا أن هناك علاقة بين الأمراض التي يحملها هذا الحيوان الذي يموت مختنقا وبين صحة الإنسان. الإعجاز: كيف ذلك؟ يعمل جدار الأمعاء الغليظة للحيوان كحاجز يمنع انتقال الجراثيم من الأمعاء الغليظة – حيث توجد الفضلات – إلى جسم الحيوان وإلى دمه طالما كان الحيوان على قيد الحياة. ومعلوم أن الأمعاء الغليظة مستودع كبير للجراثيم الضارة بالإنسان، والجدار الداخلي لهذه الأمعاء يحول دون انتقال هذه الجراثيم إلى جسم الحيوان، كما أن في دماء الحيوان جدار آخر يحول دون انتقال الجراثيم من دم الحيوان. فإذا حدث للحيوان خنق فانه يموت موتا بطيئا. وتكمن الخطورة في هذا الموت البطيء عندما تفقد مقاومة الجدار المغلف للأمعاء الغليظة تدريجيا مما يجعل الجراثيم الضارة تخترق جدار الأمعاء إلى الدماء وإلى اللحم المجاور. ومن الدماء تنتقل هذه الجراثيم مع الدورة الدموية إلى جميع أجزاء الجسم لأن الحيوان لم يمت بعد، كما تخرج من جدار الدماء إلى اللحم بسبب نقص المقاومة في جدار هذه الأوعية الدموية فيصبح الحيوان مستودعا ضخما لهذه الجراثيم الضارة. ثم تفتك هذه الجراثيم المتكاثرة بصحة الحيوان حتى الموت، وموته في هذه الحالة يعني وجود خطر كبير في جسد هذا الكائن الذي يموت مختنقا. الإعجاز: هل هناك تشابه في الخطورة بين موت الحيوان خنقا وبين موته ضربا؟ نعم.. يصاب هذا الحيوان كذلك بالموت البطيء كالمختنق تماما فيقع له ما وقع للمختنق؛ وزيادة على ذلك فان الضرب يتسبب في تمزيق الأوعية الدموية في مكان الضرب، كما يمزق الخلايا فيه، فيختلط تركيب الدماء مع تركيب الخلايا مما يتسبب في حدوث تفاعلات للمواد السامة الضارة. ولذلك تلحظ وجود تورم يقع في مكان الضرب إن هذا التورم الحادث سببه وجود التفاعلات الكيميائية الضارة التي أصبحت مولدات لمواد سامة إلى جانب التسلخ الذي يحدثه الضرب بجسم الحيوان. وبهذا يصبح الحيوان الذي مات من الضرب مستودعا للجراثيم الضارة وخطرا علي صحة الإنسان. الإعجاز: قد يموت الحيوان بطريقة أخرى كأن يتردى من مكان عال.. فماذا تقول في أكل لحمه بعد موته بهذه الطريقة؟ الحيوان الذي يموت بهذه الطريقة تكون حالته مثل حالة الذي مات بالضرب، ففي مكان السقوط يحدث التمزق ويبدأ بالموت موتا بطيئا.. وحتى لو مات مباشرة بعد السقوط فان الجراثيم تغزو الجسم بسرعة، ولذلك نجد أن العفونات سرعان ما تتصاعد من جسم هذا الكائن دليلا على ما يوجد فيه من جراثيم وميكروبات خطيرة. الإعجاز: هناك حيوانات تموت من أثر التناطح فيما بينها، فهل هناك من خطورة إذا تم الأكل من هذا الحيوان الذي يموت بهذه الطريقة؟ الموت بهذه الطريقة يشابه الذي يموت ضربا ولكنه أخطر، ففي الغالب أن الحيوان عندما ينطح بقرنه تتم عملية النطح في منطقة البطن، وبالأخص في الأمعاء، فيدخل القرن ملوثا بالجراثيم إلى الدماء في أمعاء الحيوان الأخر، وتجري الدماء في جسمه، ثم يموت تبعا لذلك. يشكل تناول لحم الحيوان في هذه الحالة خطرا محققا على صحة الإنسان. الإعجاز: إذا افترس السبع حيوانا ما، فما تقول يا دكتور في تناول شيء من لحمه بعد أن مات بهذه الطريقة؟ معلوم أن مخالب السبع مملوءة بالجراثيم، فإذا غرسها في جسم هذا الحيوان سارت تلك الجراثيم في دمه؛ عندها يموت الحيوان ببطء ويصبح مستودعا للجراثيم الضارة. الإعجاز: ماذا تقول يا دكتور إذا تعرض الحيوان لأي من الطرق السابقة ولكنه بقى حيا ثم قمنا بذبحه قبل أن يفارق الحياة؟ بهذه الطريقة نكون قد استخلصنا المصدر الأساسي لنقل هذه الجراثيم وهو الدم، ولا يمكن بعدها السماح بانتقالها إلى الأعضاء. وإذا ذبح الحيوان قبل موته تخلص الجسم من هذه المادة التي تسبب انتقال هذه الجراثيم إليه؛ لأن الدم هو السائل الحيوي المهم في جسم الكائن الحي والذي يستطيع مقاومة ملايين الطفيليات بما يحويه من كرات بيضاء وأجسام مضادة مادام الكائن حيا وفي درجة حرارته الطبيعية، فإذا مات الحيوان وتوقف الدم عن الجريان أصبحت الميكروبات بدون مقاومة، وفي هذه الحالة يكون أسلم الطرق هو الإراقة الكاملة لهذا الدم، وإخراجه من الجسم في أسرع وقت ممكن. الإعجاز: إذا قمنا بذبح الحيوان وقطع أوردته وبعد أن يسيل الدم منه، فهل يشعر الحيوان بالألم من جراء ذلك؟ الجواب بسيط.. اضغط على أي شخص أمامك في هذا المكان – ويشير إلى مكان ذبح الشاة – تجده قد أغمى عليه بعد لحظات. وقد اكتشف العلم أن مراكز الإحساس بالألم تتعطل إذا توقف ضخ الدم عنها لمدة ثلاث ثوان فقط، لأنها بحاجة إلى وجود أكسجين في الدم باستمرار. الإعجاز: كيف تقول يا دكتور إن هذا الحيوان لا يحس بالألم مع أننا نراه يرفس ويتحرك ويتلوى ويتخبط؟ ابتسم الدكتور وقال هذا سببه أن الجهاز العصبي لا يزال حيا، وما تزال فيه حيوية، ولم يفقد منه غير وعيه فقط. وفي هذه الحالة ما دمنا لم نقطع العنق فإننا لم نعتد على الجهاز العصبي فتظل الحياة موجودة فيه، لكن الذي يحدث في عملية الذبح – أي بطريقة المسلمين – أن يبدأ الجهاز العصبي بإرسال إشارات من المخ إلى القلب طالبا منه إمداده بالدماء لأنها لم تصل إليه. وكأنه ينادي: لقد انقطعت عني الدماء.. أرسل إلينا دما أيها القلب، يا عضلات.. أمدي القلب بالماء، أيها الجسم.. اخرج الدماء فإن المخ في خطر. عندها تقوم العضلات بالضغط فورا ويحدث تحرك سريع للأحشاء والعضلات الداخلية والخارجية، فتضغط بشدة وتقذف بكل ما فيها من دماء، وتضخها إلى القلب، ثم يقوم القلب بدوره بالإسراع في دقاته بعد أن يمتلئ بالدماء تماما فيقوم بإرسالها مباشرة إلى المخ، ولكنها – بطبيعة الحال – تخرج للخارج ولا تصل إليه، فتجد الحيوان يتلوى، وإذا به يضخ الدماء باستمرار حتى يتفصى جسم هذا الحيوان تماما من الدماء.. وبذلك يتخلص جسم هذا الحيوان من أكبر بيئة خصبة لنمو الجراثيم، وأخطر مادة على الإنسان. الإعجاز: تقصد أن الحيوان المذبوح يفقد الحياة خلال ثلاث ثوان فقط إذا ذبح بالطريقة الصحيحة، وأن ما نراه في الحيوان من رفس، وتشنج، وما شابه ذلك هي مؤثرات بقاء الحياة في الجهاز العصبي ولا يشعر الحيوان المذبوح بها على الإطلاق؟. نعم هذا صحيح. الإعجاز: لقد وردت كل هذه الأسرار الطبية والحكم الصحية في طيات هذا الكتاب العزيز الذي"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"، ما من خير إلا دل عليه وما من شر إلا حذر منه. قال تعالى: "حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدّيَةُ وَالنّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السّبُعُ إِلاّ مَا ذَكّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ" المائدة ،3. قصارى القول؛ يتضح أن ذبح الحيوان قبل موته ضَمانٌ لطهارة لحمه من الجراثيم، فالحق بما شهدت به الأعداء، وهذا غيض من فيض مما وافق عليه العقل النقل؛ فمحال أن يتعارض الكون المنظور مع الكون المسطور؛ لأن خالق الأكوان هو منزل القرآن؛ فهل من متعظ من بني جلدتنا من يدعون إلى إفشاء الرذيلة والفسوق والزنا والمجون، وأكل رمضان جهارا نهارا في حين تنتشر في الغرب مصحات تعالج بمقاربة الصوم، تحت يافطات الصوم العلاجي أو الصوم الطبي أو الصوم الوقائي..؛ بل وأشمل وأجمل من ذلك دعا الأمير البريطاني تشارلز[2] إلى الاستفادة من تعاليم الإسلام كونه يحمل مرجعية أخلاقية كفيلة بإعادة الوفاق بين الإنسان والطبيعة في زمننا هذا عصر تدهور البيئة الراجع إلى اختلال منظومة القيم عند الغرب. ***** [*] . حائز على جائزة الحسن الثاني للبيئة -2006- في مجال الإبداع الأدبي والفني عن مؤلفه "الفكر البيئي بين التسييس والتدريس" مع توصية بنشره على موقع كتابة الدولة المكلفة بالبيئة بالمملكة المغربية. [1] . تم نشر هذا الحوار ضمن مجلة الإعجاز العلمي التابعة لهذه الهيئة، في العدد الثالث من مجلتها الإعجاز العلمي لسنة 1419 ه/1998م. [2] . محاضرة له بجامعة أكسفورد تحت عنوان "الإسلام والبيئة"، دجنبر 2010.