بمناسبة يوم المدرس أهدي هذه الكلمات لكل مدرس ومدرسة. لاشك أن المعلم يضطلع بدور محوري في الحياة المدرسية عامة، وفي حياة التلميذ ومستقبله خاصة، فهو يغذيه علما ومعرفة وأخلاقا وسلوكا، لأن المتعلم يقضي معه وقتا أكثر مما يقضيه رفقة والديه وذويه، وبهذا يتبوأ المعلم منزلة المربي المحوري والفاعل في حياة النشء وتوجيههم، فإذا صلح المعلم صلح الطفل وصلح المجتمع، لأن صناعة الإنسان المتعلم والمسؤول هي اللبنة الأولى لصناعة المجتمع والحضارة والثقافة والمستقبل، و بهذا يكون المعلم فعلا رسولا كما أنشد شوقي منذ زمان، إن المعلّم طرف أساسي في العملية التربوية، ويقابله المتعلم كطرف آخر وبدون هذا التقابل لا تكون هناك تربية ولا تعليم، ولهذا فإنهما معا يعطيان للعملية التعليمية معناها الإنساني الواسع. فالمعلم لقب جميل تشارك فيه الأنبياء والمرسلين والصالحين منذ فجر التاريخ، لأنهم يشتركون في غاية واحدة ومقصد نبيل هو تعليم الناس وتزكية أخلاقهم وأفكارهم، فرجل التعليم يحمل على عاتقه رسالة من أشرف الرسالات وأقدسها على الإطلاق، وهي بناء الأجيال والعمل على إعداد رجال الأمة في المستقبل، وبمقدار صلاح المعلم يكون صلاح التعليم، فالمبادئ الجيدة والمناهج الحديثة، والمعدات الكافية تكون قليلة الجدوى، إذا لم يتوفر المعلم الكفء، الذي يعوض في كثير من الأحيان النقص الحاصل في البرامج و المقررات. لهذا ينبغي إعادة الاعتبار للمعلم والتنويه بدوره والرفع من شأنه، فمن القيم الأصيلة التي أكدتها النظرية التروية الإسلامية، العناية بالمدرس والإشادة بمنزلته ومكانته وتقديس المهمة التي انتدب نفسه للقيام بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت، ليصلون على معلمي الناس الخير"1. إن مكانة المدرس ومهمته المقدسة، تزداد تألقا خاصة في عالم اليوم الذي أصبح يقاس فيه تقدم الأمم وتطورها، بمقدار ما تنتجه من معارف تتسم بالجودة والابتكار والتجديد، وأصبح فيها إعداد العنصر البشري على قمة وأولوية السياسات التنموية، فالمدرسون هم رأس المال المعرفي الحقيقي، لتحقيق احتياجات التنمية وتطوير المجتمع، مما يقتضي بالضرورة جعلهم في منزلة الصدارة والاهتمام لتحقيق أي إصلاح تربوي مرتقب، و"بالنظر إلى أركان التعليم الأساسية الثلاثة، المعلم والمتعلم والمنهج، فإن المعلم هو أهم هذه الأركان، لأن المعلم الفاعل هو القادر على بث روح الحياة في أي منهج يعوزه الإحكام، والقادر على تنشيط هرمون بغرس حب المعرفة في نفوس الناشئة، والتعليم الفعال يرتبط بالخصائص النفسية للمعلم أكثر من ارتباطه بخصائصه المعرفية، ولهذا أصبح لزاما تأهيل الفهم النفسي لدى المدرس"2، فالعديد من المشاكل التي تعاني منها المنظومة التربوية، في كثير من البلدان العربية والإسلامية، لا تعود فقط إلى رداءة المناهج والمقررات الدراسية، بقدر ما ترجع في جوانب مهمة إلى كيفية إعداد المدرسين والظروف التي يشتغلون فيها والوضعية الاجتماعية الاعتبارية التي يحتلونها، ولقد وضع تقرير "هولمز" 1986 الذي أطلق عليه الأمريكيون "معلمو الغد" كشرط أساسي لتطوير نوعية التعليم في المدارس، ضرورة إعطاء الأولوية لتطوير مستوى المدرسين وجعلهم يستفيدون من الطرائق البيداغوجية التي تأسست على نتائج العلوم التقنية والعصبية وغيرهما من العلوم، التي تفيد العملية التعليمية، مما يتبين معه أهمية الإعداد الجيد للمدرسين، في كل تغيير إيجابي مرجو في الحقل التعليمي والتربوي. ناهيك عن الجوانب الاعتبارية: فاحترام المدرس وعدم المس بسمعته وصيانة كرامته، مداخل حقيقية لتحفيز المدرسين على مزيد من العطاء والتضحية والبذل لخلق جيل صالح من المواطنين . 1- رواه الترمذي في كتاب العلم رقم 2686 من حديث أبي أمامة وقال حديث حسن. 2- طارق حبيب "تأصيل الفهم النفسي المعلم "ورقة عمل مقدمة للقاء الحادي عشر لقادة العمل التربوي/جازان السعودية 31محرم 2003