قال سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن الفضاء الرقمي يشجع على انتشار الكراهية بين أطياف المجتمع بفعل إمكانية البوح والتعبير عن الآراء التي يُتيحها، والتي لا يستطيع الفرد أن يعبر عنها في العالم الواقعي. وأوضح بنيس في محاضرة بعنوان "الثورة الرقمية وتأثيرها على منظومة القيم"، ألقاها أمام شباب منظمة التجديد الطلابي بالرباط، السبت، أن "الفضاء الافتراضي يتحول أحيانا إلى بؤر للتوتر الرقمي، حيث تسود حروب ذات طبيعة هوياتية، أو ما يمكن تسميته بالعصيان الافتراضي. وإذا انتقل هذا الصراع إلى الواقعي، فإن الأمر سيكون خطرا للغاية". وضرب بنيس مثلا بالنعوت القدحية المتبادلة بين الأمازيغ والعرب، و"الحروب" الدائرة بين أنصار فرق كرة القدم، قائلا إن "الفضاء الرقمي ينعش ثقافة الكراهية، وقد شاهدنا مثلا تحوُّل صراع من هذا القبيل بين فريقين لكرة القدم في مصر من صراع في العالم الافتراضي إلى مواجهة داخل ملعب لكرة القدم". واعتبر بنيس أنّ المغرب يشهد حاليا "نزوحا من عالم واقعي إلى عالم واقع افتراضي"، في خضمّ التزايد المطرد لرواد الشبكات الاجتماعية، وهو ما ساهم، يوضح المتحدث، في أن تتحول كثير من الأفعال التي كانت فردية في السابق إلى جماعية اليوم، مثل الهجرة السرية عبر قوارب الموت. واستطرد المتحدث ذاته بأنّ الفضاء الرقمي أزاحَ كثيرا من الحواجز التي كانت قائمة في السابق على المستوى المجالي حيث كان مركز الاحتجاجات هو العاصمة، بينما أضحت اليوم تنظم في مختلف مناطق المغرب، ولم تعد ممركزة فقط في العاصمة، والشيء نفسه بالنسبة لتداوُل الأخبار؛ إذ أضحى المواطنون يهتمون أكثر بالأخبار المحلية بعدما كان الاهتمام في السابق منصبا أكثر على الأخبار الوطنية "القادمة من الرباط". وعلى الرغم من أنّ الفضاء الرقمي كسر الحواجز بين المركز والهامش، فإنّ بنيس يرى أنّ هناك مشكلا كبيرا على أرض الواقع يتمثل في "مَركزة الثقافة"، وضعف الميزانية المخصصة لها؛ إذ إنّ ميزانية وزارة الثقافة هي الأضعف من بين ميزانيات باقي القطاعات والوزارات، وأردف متسائلا: "مركزة الثقافة أدت إلى خلق مغربين، مغرب ثقافي ومغرب غير ثقافي، فكيف نطالب بأن يكون هناك انشار للقيم بشكل متساو في هذا الوضع؟". من جهة ثانية، قال بنيس إنّ الفضاء الافتراضي جعل المغاربة يتخلون عن كثير من "اعتقاداتهم" السابقة، وباتوا يقومون بسلوكيات وصفها ب"الغرائبية"، مثل توثيق اجتماع أسرة على مائدة الطعام في مطعم، وإشراك متابعيهم على الشبكات الاجتماعية في تفاصيل حياتهم اليومية. وبالرغم من أنّ الفضاء الافتراضي له مساوئ ويشكل "بؤرة للصراعات الافتراضية"، يقول بنيس، فإن الطفرة الرقمية أتاحت كثيرا من الفرص لتعزيز قيَم المواطنة؛ إذ أضحى الافتراضي فضاء لممارسة "النشاط السياسي الافتراضي"، لتعويض تراجُع دور الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني.