في أُمسية الأربعاء الماضي، لم يكُن "بحّارة البرتغال"، وهم يُواجِهُون "أسود الأطلس" ضمن منافسات مونديال روسيا 2018، يبْحَثُونَ عن انتصارٍ كُرويٍّ يَضْمَنُ لهم التَّأهل إلى الدور الثاني، والاستمرار في مُغامرة كانوا قد بَدؤُوها بتعادلٍ "يتيمٍ" أمام "المَاتادُور" الإسباني فقط، بل إنَّ رِفاقَ "صاروخ ماديرا" دخلوا المباراة، التي جرت في ملعب لوجنيكي بالعاصمة الروسية موسكو، وأعيْنُهم على تَحقيقِ انتصارٍ رياضيٍ بطعمٍ سياسي، فَبَيْنَ البلدين سِجلٌّ تاريخيٌّ مضمَّخٌ بالدِّماء والحرُوب الطَّاحنة، ومن بين تلك المعارك "الحارقة"، التي نشبتْ بين المغرب والبرتغال، معركة وادي المخازن. وفي استرجاع تاريخي لفصول هذه المعركة، فقد بَدَأَ كلُّ شيء ذات يومٍ صيفي قائظ من سنة 1578، بضواحي مدينة القصر الكبير؛ التي كُتِبَ لها أن تشْهَدَ على حَربٍ استثنائية بكلِّ المقاييس، بين المغرب والبرتغال، مات فيها ثلاثة ملوك، ومُني فيها البرتغاليون بخسارة جسيمة، حيث قتل ملكهم والملك المخلوع محمد المتوكل، كما توفي السلطان عبد المالك السعدي إبَّان المعركة بسبب تسمم تعرض له من قبل الأعداء. ولأن أشدُّ العقوبات صرامة في "التاريخ" لعبة الذاكرة، فإنَّ الجيل الحالي من البرتغاليين ما زالت تُطاردُه لعنة الهزيمة، التي مُني بها الملك الشاب سيباستيان، الذي كان مسنوداً بجيوشٍ هائلة هائجة، إلى اليوم؛ وقد حاولَ صارُوخ "ماديرا" البرتغالي، كريستيانو رونالدو، ردَّ الاعتبار لشعبٍ لم تُنْصِفْهُ رواياتُ التاريخِ، وظلَّ حبيسَ فكرٍ انهزاميِّ ضيّق عقودا من الزمن، لكن "الأسود" رغم قَساوة الإقصاء، حافظوا على تلك "الهيبة" الرَّاسخة التي يخْشاها البرتغاليون. إذ داخل أرضية الملعب الروسي ظلَّ قائد المنتخب البرتغالي تائهاً يبْحثُ تارةً عن الكرة؛ وتارةً أخرى عن سقْطة في مربع العمليات. لقد بدا "الدون" غائبا في أفكاره، ذاهلاً عمّا يدور حوله، خلال الربع الأول من المباراة، أمام قوة وقتالية "الأسود"، تماماً كما كان الملك البرتغالي سيباستيان في معركة وادي المخازن، لكن هفوة قاتلة من الخط الدفاعي المغربي ستجعلُ "ابن البرتغال المُدلل" يسكِن الكرة داخل مرمى منير المحمدي برأسية مُحكمة. وبعْد شدّ وجذب، سيستعيدُ "أسود الأطلس" روحَ القتال ويوجِّهون مدفعيتهم الهجومية صوب مرمى الحارس البرتغالي، الذي أنقذ بلاده من لدغات زياش وأمرابط، لتأتي بعد ذلك الجولة الثانية من المقابلة وينهار منتخب "البرطقيز" أمام سرعة وقتالية لاعبي المنتخب، الذين أبانوا عن أداء ملفت للأنظار. وبالرغم من أنهم كانوا يعلمون بأن شبح الإقصاء بات أمراً حتمياً، فإنهم قاتلوا إلى آخر رمق وقدموا طبقاً كرويا استثنائياً. جدير بالذكر أن المنتخب الوطني كان قد انهزم أمام نظيره البرتغالي بهدف لصفر، يوم الأربعاء، في المباراة التي جرت بملعب لوجنيكي بالعاصمة الروسية موسكو، في إطار الجولة الثانية من منافسات المجموعة الثانية من مونديال روسيا 2018. وكانت الهزيمة بمثابة صدمة قوية للمنتخب المغربي وجماهيره بعد أن قدم "أسود الأطلس" واحدا من أفضل العروض منذ بداية المونديال؛ إذ تفوق المنتخب المغربي على نظيره البرتغالي بشكل كبير على المستوى الهجومي، كما نجح في الاستحواذ على الكرة فترات طويلة من المباراة.