نعيشُ نحنُ شباب المغرب، اليوم، عديدا من الأمراض النفسية، لعلّ الشيزوفرينيا Schizofrenia/Schizophrénie أحد أبرز هذه الأمراض. ونقصدُ، بالتّحديدِ، اختلالاً أو اضطراباً في سلوكيات وأفعال الشخص المغربي بخاصةٍ عند فئةِ الشباب، بحيثُ نجدُ عند هذهِ الفئة تناقضاً أو تعارضاً فاضِحاً بينَ ما يُؤمنون بهِ من أفكارٍ وبين ما يفعلونَهُ. بعبارةٍ أوفر دقة، فكرهُم شيء وواقعهم شيء آخر مُفارق تمامَ المفارقة. ونحنُ، للأمانةِ، لن نتحدّثَ بِجُبَّةِ الطبيب النّفسي أو جُبَّةَ عالم الاجتماع (فما نحنُ بهذا ولا ذلك)، بل سنتحدثُ بمنطقِ المُلاحِظ العادي لمَا يقعُ في فضائنا العمومي المغربي. لمرضِ الشيزوفرينيا تجلياتٌ كثيرة في واقعِنا المعيش، يمكنُ أن نقفَ عند بعضٍ منها. يوجدُ نفرٌ من شبابِ المغربِ اليوم يقولُ إنهُ مُتَحَوِّزٌ للفكرِ والثقافة، الأمر الذي يجعلهُ، حيناً، يَفوهُ بأفكارٍ مُتحررة وتنويرية وكونية تتجاوزُ الفهم الضّيق أو البسيط للحياة؛ لكنْ حينَ نُمعِنُ النظرَ في واقعِهِ المعيش، سلوكياتِه وأفعالِه، نجدُهُ، حيناً آخر، يقولُ أو يفعلُ أشياء منافيةً تماماً لأفكارهِ المتحررة والتنويرية تِلك! إن المُلاحظَ لنمطِ عيش المغربي، ولنأخذ -على سبيلِ المثال- نمط عيش الرجل في علاقتِهِ بالمرأة، يكتشفُ مدى التناقض أو قُلْ الشيزوفرينيا التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة؛ فهو، مثلاً، يدعو -نظرياً- إلى تحررِ المرأة وتنويرِها، وضرورة وُلوجِها إلى الفضاء العمومي، لكنهُ، وهو بصدَدِ دعوتِه تلك، حينما يُريد الزّواج، يختارُ واحدةً من صفاتها أنها مُطيعة، مغلوبة، صاغِرة، مُسْتَسْلِمة، إلخ! إنّ هذا لأمرٌ محيّرٌ فعلاً؛ أفكارٌ في جهةٍ، وواقعٌ في جهةٍ أخرى. كما أنهُ ينادي بتحرر المرأة حينما يكون بصددِ علاقةٍ حرة معها؛ غير أنه يكفُرُ بهذا التحرر ويلجأ إلى الأعراف والتقاليد حينما يسعى إلى الزوج! يُريدُ هذا الصّنف من الرجال امرأةً أقل مستوى منه حتى لا تعرف أكثر مما يعرف، وحتى تخدِمَهُ في المطبخ والملبس وأشياء أخرى. هنا، وبقليلٍ من التفكير، نكتشف أن المصلحة هي التي تحركُ المغربي المُصاب بالشيزوفرينيا؛ بحيث يُريد امرأةً متحررة حين ترتبط مصلحته بالتحرر، ويريدها تقليدية حينما ترتبطُ مصلحته بالتقليد. وهذا عينُ الشيزوفرينيا كما بَيَّنا وسَنُبَين. امتدَّ هذا الفصام/التناقض الذي يعيشهُ المغربي لفترةٍ من الزمن ليست قصيرة، لذلك فهذا المغربي لم يَعُد يَقْوى على الانفلات منه، بالتالي يتصالح مع ذاته، وينسجمَ التّفكيرُ عندهُ مع الواقع. فقد نُشِّئَ المغربيُّ، منذ نعومة أظافره، على هذا النمطِ الفوضويِّ إلى درجةٍ باتَ فيهِ هو العادي وما سواهُ نشازاَ أو شذوذاً! لذلك، فإن أيّ خروجٍ عن هذا النمط يعني تجاوزا للثابتِ والراسخِ والتقليدي، ودخولا إلى المبتدع أو الدخيل... وهذا ما يقال -مثلاً- عن شابٍ متحررٍ من الثابت يُساعد رفيقتَهُ في المطبخُ، أو أنه يهتم بتربيةِ أطفاله. تظهر شيزوفرينيا المغربي كذلك، خاصة دعاة الفكر والثقافة، حينما تجدهُ يُظهر جانباً من ذاته، في المقابل يُخفي جانباً آخر. يُظهر الرزانة والحصافة، والرصانة والاتزان...، أي الرجل النموذج في نظرِ الآخرين (المجتمع)، ويخفي المرح، والحُمق، والجنون...، أي ما ينقص من شخصية الرجل حسب المجتمع. ها هنا يكون المغربي يفعل ما يُراد له أن يفعل، أي ما يريده المجتمع منه كنموذَج؛ غير أن ذلك يجعله يعيشُ حياةَ الآخرين لا حياته هو، ويتصرف كما ما يُريدون له لا كما يريد هو. وفي هذا الأمر، للأسف، قتلٌ للذات، وقتلٌ لبعض الجوانب الموجودة فيها؛ بل إن الذات هنا قد تعيشُ زمنًا غير زمانها، بحيثُ تَتَشَبَّهُ بشخصياتٍ أكبر منها سنّا، إذ تتصرف وتحكم على الأشياء وتقرر وتختار انطلاقاً من محاكاتِها لتلك الشّخصيات. في الأخير نقول، إن عيب هذا النمط من العيش هو أن صاحبه لا يعيشُ الحياةَ بِما هي كلٌّ واحدٌ، أي انسجام الفكر مع الواقع؛ بل يعيشُ الحياةَ بكيفيةٍ مزدوجة، إذِ يقول شيئاً ويفعل نقيضَهُ ! لذلك، ولأننا نعيشُ الشيزوفرينيا في أبهى حلتها، يشهدُ الفضاء العمومي المغربي اليوم عديدا من الظواهر التي تُبينُ بالملحوظ مدى خطورة ما نحياه، إذ كيف نفسر -مثلا- سرقة الصائم؟ وكيف نفهم إقامة الرجل لعلاقة جنسية قبل الزواج في المقابل يرفض ذلك على من ستتزوجه؟ كيف نستوعب قضاء الرجل المغربي لليلةٍ "ماجنةٍ" مع صديقتهِ ثم يتجه ظهراً لصلاة الجمعة؟ كيف؟