إن عدت بالزمن 1,300 سنة مضت، ستصادف التناغم المثالي الذي كان بين المسلمين وأهل الكتاب المقيمين في شبه الجزيرة الأيبيرية الواقعة غرب البحر الأبيض المتوسط. هذه المنطقة والملقبة من قبل المؤرخين العرب بالأندلس غُزيت بواسطة الجيوش الإسلامية، وكان يدير هذه المنطقة قبل الغزو الإسلامي القبائل القوطية الألمانية. هذه المنطقة -وهي مكان إسبانيا والبرتغال الآن- كانت عامرة بالمسيحيين الكاثوليكيين. وكان القوطيون تابعين لمذهب اعتُبِر مذهبًا منحرفًا بالنسبة للكاثوليكيين، وهو ما أدى إلى صدامات طائفية عنيفة. في هذه الأثناء كان السكان اليهود في شبه الجزيرة معرضين لاضطهاد وظلم ديني وأجبروا على ترك مدنهم. كانت اليهودية محظورة تمامًا في إسبانيا بين عامي 616 و711. انتهت هذه الحالة من الصراع الداخلي في شبه الجزيرة الأيبيرية بعد دخول المسلمين إليها وتأسيسهم إدارتهم في المنطقة. كان هذا نتيجة وضعهم قوانين تمنح حقوقًا وحرياتٍ مختلفة للسكان المحليين بدلًا من اللجوء إلى القوة. وظهر أول الأمثلة على ذلك في الاتفاقية التي وُقعت عام 713 بين عبد العزيز بن موسى بن نصير حاكم الأندلس، وثيوديمر حاكم مُرسية، والتي أعطت المسيحيين ضمانات أمان على حياتهم وممتلكاتهم، وحفظت لهم دينهم وكنائسهم، وحرية ممارسة طقوسهم وعباداتهم والحق في العيش بحرية. غيّرت معاملة المسلمين العادلة لأهل الكتاب الأندلس إلى حضارة يختلط ويتعايش فيها الناس من مختلف المعتقدات والعرقيات بسلام. لدرجة أن طريقة عيش المسلمين تحولت إلى نزعة بدأت تظهر بين المسيحيين واليهود، إذ تبنى المسيحيون خصيصًا الثقافة العربية الإسلامية في مسائل مثل الملابس والطعام والمشروبات وتسمية أولادهم. على الجانب الآخر، حظي اليهود، المقيمون في الأندلس بالحرية والرفاهية التامة، وعين القادة المسلمون يهودًا كإداريين في مناصب معينة. وهو الأمر الذي جعل العلاقات بين المسلمين واليهود في الأندلس وديّة لعدة قرون. اعتُبرت اليهودية، وفقًا للشريعة الإسلامية، دينًا سماويًا، وتبعًا لهذا حظي الزعماء الدينيون اليهود بالتقدير وأُعطُوا الإذن ليطبقوا قوانينهم الخاصة بين المجتمع اليهودي، وظل اليهود يمارسون معتقداتهم بحرية، وعُيّن اليهود من قبل الخلفاء في مناصب مهمة كوزراء ومستشارين وأطباء للبلاط الملكي. لخص البلاط الأموي الأندلسي المجتمع بكل ما فيه من تنوع. فقد تمتعت جميع العناصر الدينية والعرقية التي تشكل المجتمع في هذا الوقت بفرصة الدخول إلى البلاط الملكي والعمل به. وضم البلاط خليفة مسلم، وطبيب يهودي، ومترجم مسيحي، وقادة سلافيون، ووزير من العرب أو البربر، وقاضٍ إسباني متحول عن دينه في المحكمة العليا، ومبعوث سوداني، وعالم عراقي تحت مظلة نفس القصر. وقد صاحب هذه الأجواء الاجتماعية التي تتمتع بالسلام والطمأنينة تقدم غير مسبوق في المجالين العلمي والفني بالأندلس. والواقع أن النساء في الأندلس وصلن إلى مكانة مهمة في كل من الأعمال الأدبية والعلمية قبل قرون من وصول باقي أوروبا لها. فقد تأسست جامعة القرويين -وهي واحدة من أقدم الجامعات الموجودة عام 859 على يد سيدة ذات أصل عربي تسمى فاطمة الفهري. حتى انهيار الأندلس وتلاشيها وانزوائها إلى صفحات التاريخ، وقفت الأندلس كواحدة من أكثر الأمثلة إثارة للإعجاب التي تثبت أن المسلمين وغير المسلمين يمكنهم التعايش بسلام ، كما أنها تقدم دروساً قيمة لعالم اليوم أيضاً. عندما ضعفت الحضارة الأندلسية ووصلت إلى نهايتها، تولي الملك فرديناند والملكة إيزابيلا حكم إسبانيا، وقد فرضا في البداية بعض القيود على الحقوق المدنية للمسلمين، وتبع ذلك إطلاق حملة لإجبار المسلمين على التحول للديانة المسيحية. بناءً على أوامر محاكم التفتيش، استشهد آلاف المسلمين بينما أجبر آلاف آخرون على النفي أو تعرضوا للتعذيب. يظل مثال الأندلس دليلاً على حقيقة أنه في الدول التي تم فيها تجنب الصراع العرقي والديني وتعززت فيها الصداقة والعلوم والفنون، لا شيء يقف في طريق سيادة السلام والرفاهية. لا يمكن إلقاء اللوم على الأديان بسبب العنف والإرهاب اللذين ابتلي بهما العالم، بل يُلقى اللوم على إبعاد الناس عن المعتقدات الحقيقية للدين. تعتبر الصراعات الحالية بين الأديان نتيجة مرعبة للعقلية المؤمنة بالخرافات، وهي خطة يضعها هؤلاء الذين يتوقون للصراع في العالم. لقد دعمت الأديان دائماً وبشكل فطري السلام والحب والإخاء مع السماح بالتعايش السلمي بين المعتقدات المختلفة وتشجيعه. ما يجب فعله الآن هو الاتساق مع جوهر الأديان وممارسته، وخاصة المفاهيم المتعلقة بالسلام والحب والحرية التي يأمر بها القرآن لتحرير المؤمنين من مخالب الحروب المصطنعة. وفي هذه اللحظة فقط لن يشهد العالم بعد ذلك أي اعتداءات على كنائس أو معابد يهودية أو مساجد، أو حروباً مذهبية بين المسلمين، أو المشكلة بين إسرائيل وفلسطين أو إقصاء "ذوي المعتقدات المختلفة" من المجتمع. عندما تُمارَس مفاهيم الحب والعدالة والسلام الموجودة في جوهر الأديان دون إعطاء الأولوية للتعصب، سوف يسود الحب والعدل العالم بأسره.