انسجاما مع المقتضيات الدستورية التي تُلزم السلطات العمومية بضمان الحق في الحياة الخاصة لكل شخص وسلامته وسلامة أقربائه وحماية ممتلكاته، ولأجل وضع إطار قانوني لمواكبة التطور التكنولوجي المتسارع وحصر الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب عن الاستعمالات غير المشروعة للتكنولوجيا. وعلى غرار المشرع التونسي الذي جاء بالقانون رقم 63 في سنة 2004 في شأن حماية المعطيات الشخصية، جاء المشرع المغربي بالقانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف رقم 1.09.15 بتاريخ 18 فبراير 2009، كما صاحبته مجموعة من النصوص التنظيمية لتطبيقه. ونشير في هذا الصدد إلى المرسوم رقم 2.09.165 الصادر بتاريخ 21 ماي 2009 المرتبط بإرساء اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، اتفاقية شراكة بين وزارة التربية الوطنية واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. وتأتي هذه الترسانة القانونية في سياق حماية المعطيات الشخصية بشكل عام وتنظيم استعمال كاميرات المراقبة بهدف تجويد الخدمات وحماية الممتلكات والأشخاص بشكل خاص. والمعطيات الشخصية حسب أحكان القانون 09.08 هي كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها، بما في ذلك الصوت والصورة والمتعلقة بشخص ذاتي، ويجب ألا تمس هذه المعلومة الهوية والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان، كما يجب ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين. وملاءمة لأهداف القانون السالف الذكر، وتفعيلا لمضامينه بغية نشر المعرفة القانونية لمقتضياته، دأبت وزارة التربية الوطنية على التصدي لكل السلوكات والتصرفات الماسة بالحياة الخاصة لموظفيها ومرتفقيها من خلال وضع نصوص تنظيمية تؤطر جميع الأنشطة والأفعال الناجمة عن استعمال وسائل التكنولوجيا (استعمال كاميرات المراقبة)، والتي يمكن أن تمس المعطيات ذات الطابع الشخص للأشخاص الذاتيين. وأخص بالذكر المذكرة رقم 33*15 بتاريخ 20 مارس 2015، في شأن تنظيم وملاءمة استعمال كاميرات المراقبة بالمرافق التربوية والإدارية، والمذكرة رقم 770*16 بتاريخ 5 دجنبر 2016، في شأن استعمال كاميرات المراقبة بمرافق الوزارة وخاصة على مستوى المؤسسات التعليمية. ولأجل الاستفادة من المزايا التي توفرها وسائل التكنولوجيا، أقبلت معظم مؤسسات التربية والتكوين على تثبيت كاميرات المراقبة بفضائها، وهو عمل وتصرف تسمح به اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، التي منحها القانون مجموعة من السلطات والاختصاصات تتراوح بين الإخبار والتحسيس والاستشارة والاقتراح والتحري والمراقبة واليقظة القانونية والتكنولوجية. ويعني ذلك، أن اللجنة الوطنية تملك سلطة التحري والبحث ومراقبة عمليات معالجة المعطيات الشخصية وكذا الولوج لكل العناصر الخاصة، كما منحها القانون سلطة إضفاء المزيد من الشفافية في مجال استعمال المعطيات الشخصية، وكذا ضمان التوازن بين الحياة الخاصة وحاجة المرفق العمومي إلى استعمال المعطيات الشخصية من خلال معالجة الشكايات الواردة من الأفراد والبث في التصاريح وطلبات الإذن الواردة من مسؤولي المعالجة، إضافة إلى مسك السجل الوطني. وفي هذا الإطار، فالممثل القانوني للمرفق التربوي والإداري مطالب بمجموعة من الإجراءات والترتيبات لتثبيت كاميرات المراقبة، فمدير المؤسسة التعليمية مثلا باعتباره ممثلها القانوني، يتعين عليه دعوة مجلس التدبير للتداول في حاجة المؤسسة لاستعمال كاميرات المراقبة، وكذا إحالة طلب وفق نموذج خاص على اللجنة المكلفة بالتتبع والمصاحبة بالمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، التي بدورها تقوم بإحالة طلبات التصاريح الواردة عليها على اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية، بالموازاة مع ذلك إخبار الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالإجراءات المتخذة في هذا الصدد. فور التوصل بالتصاريح النهائية من اللجنة الوطنية عبر لجنة التتبع والمصاحبة، تتخذ المؤسسة التعليمية مجموعة من الإجراءات المصاحبة لعملية تثبيت كاميرات المراقبة نجملها فيما يلي: عدم وضع الكاميرات المراقبة بأي حال من الأحوال في أماكن من شأنها أن تمس بالحياة الشخصية للأفراد ( مثلا يمنع وضع كاميرة المراقبة داخل الأقسام أو القاعة او المدرج لمراقبة الأستاذ والتلاميذ أو الطلبة). إخبار المرتفقين بوجود نظام المراقبة بالكاميرات بواسطة ملصق أو لوحة عند مدخل المرفق العمومي، يتضمن اسم المسؤول عن المعالجة والغاية من استعمال نظام المراقبة، ومعلومات الاتصال للتمكن من ممارسة حق الولوج والتصحيح والاعتراض، وكذا رقم التصريح الممنوح من طرف اللجنة الوطنية. لا يمكن أن تتعدى مدة الاحتفاظ بالصور ثلاثة أشهر، وهي مدة كافية للقيام بالتحريات اللازمة ومباشرة الإجراءات في حالة وقوع حادث، أما في حالة تحريك المسطرة، فتستخرج الصور ويتم الاحتفاظ بها في ملف خاص إلى غاية نهاية المسطرة المتبعة. يتخذ مسؤول المعالجة (الممثل القانوني للمرفق العمومي) كل الاحتياطات اللازمة من أجل سلامة وسرية الصور المعالجة، لاسيما لمنع ضياعها أو تغييرها أو اتلافها أو أن يطلع عليها أشخاص غير مأذون لهم بذلك. إنّ عدم التقيد بمقتضيات القانون ونصوصه التطبيقية، يعرض صاحب المعالجة إلى مجموعة من العقوبات، كما عدّدها الباب السابع من القانون 09.08، المواد من 51 إلى 66 وهي: كل من أقدم على معالجة المعطيات الشخصية بدون تصريح من اللجنة الوطنية أو الحصول على إذن للمعالجة أو مواصلة نشاط المعالجة رغم سحب وصل التصريح، يعاقب بغرامة مالية يتراوح مقدارها بين 10000 إلى 100000 درهم، إضافة إلى أنه يمكن للمتضررين من إثارة المسؤولية المدنية للمخالف للقانون لجبر الضرر. كل من قام بجمع معطيات شخصية بطريقة تدليسية أو غير نزيهة أو غير مشروعة، أو أنجز معالجة لأغراض غير تلك المصرح بها أو المرخص بها أو أخضع المعطيات لمعالجة لاحقة متعارضة مع الأغراض المصرح بها، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة مالية من 20000 إلى 200000 أو بإحدى العقوبتين فقط، ويعاقب كذلك بنفس العقوبة كل من احتفظ بمعطيات لمدة تفوق 3 أشهر. كل مسؤول عن المعالجة سبّب أو سهّل ولو بفعل الإهمال، الاستعمال التدليسي أو التعسفي للمعطيات أو يوصلها لأغيار غير مؤهلين، يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنة وبغرامة مالية من 20000 إلى 300000 أو بإحدى العقوبتين. كل مسؤول رفض تطبيق مقررات اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وبغرامة مالية من 10000 إلى 100000 أو بإحدى العقوبتين فقط. لقد أبانت عملية تثبيت كاميرات المراقبة بالمرافق العمومية التربوية والإدارية عن مجموعة من المحاسن في سبيل تجويد الخدمات العمومية المقدمة وحماية الأشخاص والممتلكات، غير أن بعض الأخطاء والتجاوزات الصريحة لمقتضيات القانون، قد تثير مسؤولية المعالجين للمعطيات الشخصية بهذه المرافق العمومية، سيما و أن قانون حماية المعطيات الشخصية أفاض في تعداد العقوبات لكل مخالف لأحكامه. ضماناً لسرية المعطيات الشخصية وصوناً لحرمتها، ودفعا لكل اختلاس لبعض جوانبها، في زمن بلغت التكنولوجية ذروتها وتطورت بشكل مذهل. *باحث في الشأن القانوني والإداري