مقدمة: تعتبر الببليوغرافيا أحد الأوعية الثقافية الهامة في مجال علم المكتبات، فهي خدمة حيوية تهدف إلى التعريف بمقتنيات المكتبة وموضوعاتها المتعددة ليسهل على الباحثين الحصول عليها والإفادة منها. فما معنى هذا العلم؟ وكيف تطور؟ وما هي أهم أنواعه؟ وكيف نضع الببليوغرافيا؟ أولا: مدلول وتطور علم الببليوغرافيا: -مدلول الببليوغرافيا: هي علم وصف الكتب والتعريف بها ضمن حدود وقواعد معينة، وهي مركبة من كلمتين: Biblisأي كتاب و Graphy أي الرسم أو التخطيط أو الكتابة. وتقدم الببليوغافيا للباحث عرضا شاملا للمطبوعات في مختلف أنواع المعرفة حسب ما تشمله من مواد. كما تعتبر "عصب العمل" في المكتبات وغيرها من مرافق المعلومات، إذ لا يمكن الوصول إلى المصادر تقليدية أو إلكترونية دون الاعتماد على أدوات أو وسائل استرجاع فعالة تتضمن وصفا تنظيميا لهذه المصادر.. ثم توسع مدلولها ليدل على سائر العلوم المتعلقة بالتوثيق وتنظيم المكتبات وبرمجة المعارف. عرف "الزبيدي" هذا العلم في تاج العروس بأنه: "علم تجمع فيه أسرار الكتب أو العلوم أو المؤلفين، كما يقوم بحصر المعلومات والمواضيع والمسائل...وترتيبها ترتيبا خاصا".. فهو علم يهتم بدراسة دورة حياة المعلومات بدءا من مصدرها (المؤلف)، مرورا بالقناة المستخدمة (الوعاء) انتهاء بالمستقبل (القارئ). أما "فريد الأنصاري" فعرف هذا العلم بكونه: "إعداد سجل علمي للإنتاج الفكري المكتوب، سواء كان مخطوطا أو مطبوعا.. وهذا العمل عرفه علماء الإسلام منذ القديم واهتموا به في صور مختلفة، وأنجزوا منه مؤلفات قيمة تحت اسم "الفهرست" أو الثبت أو البرنامج". ترجع أسباب تطور هذا العلم إلى ضعف الاعتماد على الذاكرة والحفظ، وظهور تخصصات في علم واحد ثم بروز الحاسوب ذي ذاكرة جامعة منظمة تستطيع الاحتفاظ بآلاف المعلومات والكتب التي يعرضها عند الحاجة إليها. - تطور مصطلح الببليوغرافيا: تعود الجذور الأولى لهذا المصطلح إلى الإغريق، وكانت تعني نسخ الكتب باليد، أي ما يعرف بالوراقة أو الخطاطة. وظل هذا المعنى إلى حدود القرن 12م حيث أصبح المصطلح يعني تأليف الكتب. أما العرب فاستعملوا مصطلح الوراقة كمرادف للببليوغرافيا، وذلك منذ القرن الأول للهجرة، لينتقل خلال القرن الموالي إلى معنى النشر. خلال القرن 17م اكتسب المصطلح مدلولا ثالثا وهو وصف الكتب كمرادف للمصطلح اللاتيني، واللذان ظلا فترة من الزمن حتى ظهور مصطلح ببليوغرافيا الذي قضى DescriptioLibrorum على المصطلح اللاتيني. في القرن 18م، أصبحت الببليوغرافيا ترجع إلى اليونانية، وتعني نسخ الكتب، ثم تطورت لتأليف الكتب، فقام الأوربيون بالتقاطها خلال القرنين 17 و18م ليضيفوا لها دلالة جديدة هي "علم الكتاب". يضاف إلى ما سبق ظهور استعمال جديد لمصطلح الببليوغرافيا مع نهاية القرن 17م، وهو "جمع الكتب" كأثر من آثار عصر التنوير، إذ ظهرت فئة من الشبان عملت على وضع "الكتالوجات" لحصر وتسجيل الكتب، خاصة من قبل الفرنسيين "بروسيرمارشاند" و"جابرييل مارتان"، اللذين عرفا بتحويل الكتب القديمة ووضع نظام ببليوغرافي خاص حمل اسمهما. ثم سحب "مارشال" مدلول الببليوغرافيا على معرفة المكتبات، إذ قال إن الببليوغرافيا: "هي فن تقديم المعلومات عن الكتب، وهي لا تقدم فقط تاريخها، ولكنها تقدم أيضا معلومات عن الطريقة المناسبة لترتيبها، سواء على الرفوف في المكتبات أو وصفها بدقة ومهارة على صفحات الفهرس". ومن ثمة كان التصنيف والترفيق عنده أمرا واحدا؛ كما أن هذا العلم عنده فرع من فروع المعرفة البشرية، يعرف بعلم الكتاب (معرفة الكتب) وليس فقط فن نظرية وصف الكتب وتطبيقاتها. أما مارتان، مصنف مكتبة بولتيل، فكان مفهومه العام للببليوغرافيا هو "معرفة الكتب ووصفها أو تاريخ الكتب ووصفها". في حين كان "بيير كهارد ستروف" أول من نشر ببليوغرافيا الببليوغرافيات سنة 1704م. في النصف الثاني من القرن 18م، صدر عمل عظيم لغليوم فرانسوا ديبور، عبارة عن فهرس لمعظم الكتب الثمينة والنادرة منذ اختراع الطباعة حتى ذلك القرن. - أهمية علم الببليوغرافيا: لقد سبقت الإشارة إلى استخدام كلمة ببليوغرافيا منذ القدم للدلالة على "صناعة الكتب" لتتطور في القرن 19م إلى الكتابة عن الكتب، أي تجميع مواد الإنتاج الفكري المستخدمة في الإعلام والتعليم والبحث. كما أن الببليوغرافيا تختصر المجهود والوقت المبذول من قبل الباحثين للتعرف على ما نشر في مجال بحثهم. ويمكن أن نحدد بتركيز أهمية الببليوغرافيا في: - مساعدة الباحثين على التعرف على المصادر التي تبين التقدم في مجالات تخصصاتهم الموضوعية. - تشجيع التعمق والتخصص الموضوعي عن طريق التعرف على المصادر المتنوعة للمعلومة. فالعمل الببليوغرافي إذن له أهمية كبيرة لتلبية رغبات الباحث الذي لا يستطيع جمع كل ما نشر في موضوع بحثه، كما يمكن من جهة أخرى الدولة من تتبع التطور في ثقافتها المادية والروحية دون معزل عن باقي دول العالم. ثالثا: أنواع الببليوغرافيات: تتعدد هذه الأنواع فنجد: 1- الببليوغرافيا التحليلية: تعني كل دراسة مادية تعتمد على الفحص العلمي للكتاب بهدف التعرف على الحقائق المتصلة بتأليفه ونشره، وتوضيح العلاقات النصية له إذا كانت له أكثر من طبعة واحدة أو نسخ مختلفة في الطبعة الواحدة، وهي تنقسم إلى: - ببليوغرافيا وصفية: تتضمن تعريفا وصفيا للكتب المدرجة به وطبيعتها. - ببليوغرافيا نقدية: تعمل على تقسيم ونقد الكتب المدرجة بها. 2- الببليوغرافيا النسقية أو المنهجية: تتخذ أشكالا عدة؛ فقد تكون ماضية تضم مؤلفات ظهرت في فترة سابقة، أو جارية تتابع المؤلفات التي تصدر حديثا، أو شارحة تشرح في كلمات أو سطور قليلة محتويات الكتب المسردة بها أو غير شارحة. أما عن شكلها فقد تكون في شكل مقالات أو أفلام أو خرائط أو مخطوطات...حسب ما تحدده طبيعتها والهدف من إعدادها. هناك تصنيف آخر قدمه "فريد الأنصاري" للببليوغرافيا وهو: 1- المرجعية السردية: تعتمد على سرد المؤلفات في علم أو موضوع معين بناء على مكان طبعه وتاريخ نسخه إذا كان مخطوطا. 2- المرجعية الوصفية: أكثر تفصيلا من الأولى، إذ تضيف للمعلومات الظاهرة للكتاب مضمونا إجماليا، إذ تصف القضايا التي يطرحها ومنهجية المؤلف... 3- المرجعية الموضوعية: أكثر تفصيلا من سابقتها؛ فإلى جانب المعلومات المذكورة آنفا عن الكتاب، يتم التركيز على فكرة معينة أو إشكال معين أو قضية جزئية لخدمة موضوع تراد دراسته. 4- المرجعية النقدية (التقويمية): يضاف للمرجعية الوصفية تقويم إجمالي للكتاب بذكر مزاياه ونقائصه. رابعا: كيفية إنجاز قائمة ببليوغرافية: هناك أشكال أساسية للمداخل الخاصة بالكتب والمقالات والدوريات، نذكر منها: 1- الكتب: تنظم كالتالي: نبدأ بالمؤلف، العنوان بما فيه العنون الفرعي، بيانات التأليف في حالات زيادة التوضيح باسم المؤلف أو وضع اسمه المستعار أو ذكر أسماء كل المؤلفين، ثم الطبعة فبيانات النشر ومكانه واسم الناشر وتاريخ النشر وعدد الصفحات واسم السلسلة، وأخيرا الملاحظات التكميلية: الإشارة إلى وجود ببليوغرافيات أو ترجمات أو ملخصات... 2- المقالات أو الفصول المنشورة في كتب: قد يحتوي الكتاب على مؤلفين متقدمين غير مؤلف أو محرر الكتاب نفسه، فندرج اسم الكاتب (القسم المطلوب من الكتاب) ثم عنوان القسم أو الفصل، ثم تدرج عناصر الكتاب الأصلي بعدها مباشرة. أما إذا كان للكتاب مؤلف واحد لكنه يتناول مواضيع مختلفة يهمنا منها فصل أو جانب معين، فندرج عنوان الفصل المطلوب بين علامتي تنصيص مسبوقا باسم مؤلف الكتاب، يليه العنوان الأصلي مسبوقا بحرف (في). 3- الوثائق: يحتوي المدخل على نفس العناصر الأساسية لوصف الكتاب، إلا أنها تختلف بعض الشيء في مصادرها أو مؤلفيها: أ- تدرج المطبوعات التي تصدر عن الدول تحت اسم الدولة. ب- تدرج المطبوعات التي تصدرها الوزارات تحت أسماء هذه الوزارات كمؤسسات ثانوية بعد الدول. ج- تدرج المطبوعات الصادرة عن قسم تابع للوزارات تحت أسماء هذه الأقسام كمؤلفين ثانويين تابعين لهذه الوزارات بعد الدول. 4- المقالات المنشورة في الدوريات: يضم المدخل العناصر التالية: - مؤلف وعنوان المقال، ويدرجان بنفس الطريقة المتبعة في الكتب. - عنوان الدورية وهو يلي عنوان المقال مباشرة، ويفضل أن يسطر عليه. - رقم المجلد الذي صدر به المقال ثم العدد الذي صدر به. - تاريخ العدد الذي نشر به المقال باليوم والشهر والسنة، أو حسب ما هو موجود على الدورية. - عدد الصفحات المنشور عليها المقال. وإذا كان المقال كتب في إحدى الدوريات، يكتب اسم المؤلف وعنوان المقال واسم المجلة تحته خط وعدد الدورية والتاريخ والصفحات. أما بالنسبة للكتب المترجمة، نكتب اسم المؤلف الأصلي (العائلي ثم الشخصي فعنوان الكتاب ثم المؤلف أو المترجم). ويفضل وضع خط تحت عنوان الكتاب أو الدورية. ويلاحظ وضع عناوين المقالات أو الفصول من الكتب بين علامات التنصيص. وإذا كان اسم المؤلف غير وارد، فيفضل ذكر عبارة "غير مسمى" لتحل محل اسم المؤلف، ثم نذكر باقي المعلومات الببليوغرافية. تتضح لنا من خلال ما سبق أهمية علم الببليوغرافيا في أي بحث سواء بالنسبة للباحث المبتدئ كالطلبة أو ذوي خبرة ودراية بمجال تخصصاتهم، إذ لا غنى عنها بأي حال، فهي خطوة أولى لأي بحث علمي مبني على أسس بحثية (مصادر، مراجع...) تعطيه المصداقية والقوة.