أصدر مجلس الأمن قراره المتعلق بالصحراء، الذي جاء في إطار سياق دولي متسم بعودة "الحرب الباردة" بين أمريكاوروسيا، تجلت بوضوح في صراع الدولتين بسوريا، خاصة الموقف المتباين بينهما من الضربة الأمريكية الأخيرة. وإذا كانت لموضوع ملف الصحراء خصوصياته المرتبطة بتطور هذا النزاع المفتعل محليا وداخل أروقة الأممالمتحدة، خاصة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، فإنه لم يستثن من هذا الصراع الدولي وتأثيراته داخل مجلس الأمن؛ حيث كان من المفترض أن يتم التصويت على مسودة القرار التي أعدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أيام سابقة على تاريخ التصويت، وتم تأجيله بطلب روسي قصد إدخال تعديلات على المسودة المقترحة. ذلك أنها أرادت أن توضح أنها فاعلة دولية أساسية في كل الملفات والنزاعات الدولية المعروضة على مجلس الأمن للمناقشة والتصويت، ورغم ذلك فهي لم تقدم تعديلات جوهرية على مضمون المسودة ولم تمس جوهر مشروع القرار، بل حافظت على خيطه السياسي الناظم الذي حدد توجهات الملف مستقبلا، بل إن روسيا اليوم عندما عرض المشروع للتصويت امتنعت ولم تعارض أو تستعمل حق الفيتو، وهو ما يعني أنها في نهاية المطاف اختارت الوقوف على قدم وساق بين المغرب والجزائر بفعل المصالح المشتركة التي لديها مع كلا البلدين، التجارية مع الجزائر والسياسية والدبلوماسية مع المغرب، أي إنها حاولت التوفيق بين مختلف مصالحها التي لها مع كلا البلدين. وهذا الموقف هو نتيجة لاختيارات المغرب الاستراتيجية التي سبق للملك أن حددها في خطابه بالقمة المغربية/الخليجية، أي اعتماد شراكات استراتيجية متنوعة ومنفتحة حتى على الدول التي موقفها معاد للوحدة الوطنية المغربية. وعليه، فتصويتها لا يمكن تفسيره على أنه ضد المغرب، بل على العكس من ذلك هو لصالح المغرب ويعكس تطور العلاقات المغربية/الروسية. بالإضافة إلى روسيا، الصين كذلك اختارت أن تصوت بالامتناع، وهو اختيار له ما يبرره ولا يعكس أي تغير في موقفها السياسي الداعم للوحدة الوطنية للمغرب، بل هو يعكس قلقا ذاتيا للصين لأنها تعاني أيضا من مطالب انفصالية بإقليم التيبت، وهو ما جعلها تتخذ هذا الموقف لتعبر عن تحفظها على قرار تمديد مهمة المينورسو لستة أشهر فقط، وليس سنة كاملة كالسابق. هنا، لا بد أن نطرح سؤال: كيف يمكن تقييم وقراءة القرار؟ هل يمكن اعتباره لصالح المغرب وداعم لرؤيته للحل السياسي أم إنه كما روجت دعاية الجبهة في بلاغها الصادر عقب صدوره، انتصار لها؟ الجواب على السؤال يحيلنا على البحث في الإشكالية الأساسية التي أطرت هذا القرار والموضوع الذي تمحور عليه النقاش، على اعتبار أنه في كل سنة كان الملف يجد نفسه أمام موضوع يتمحور حوله القرار والصراع. سنة 2007، انصب النقاش حول المقترح السياسي المغربي المتمثل في الحكم الذاتي حيث شكل موضوع إشادة دولية بعد أن تقرر "دفن" أطروحة استفتاء تقرير المصير باستقالة بيتر فان والسوم. بعده، كان موضوع حقوق الإنسان هو البارز ومطلب توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، وهو المطلب الذي تم إقباره بفعل اعتراف الأممالمتحدة بعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية مستقلة معنية بالنهوض وحماية حقوق الإنسان في المغرب والمنطقة بشكل خاص، من خلال عمل لجانه الجهوية. هذه السنة، الموضوع الذي تمحورت حوله مختلف النقاشات التي كانت مرتبطة بعد فشل محاولة الجزائر فرض موضوع الثروات الطبيعية الذي اصطدم برغبة أوروبية في تجديد اتفاق الصيد البحري مع المغرب، كان موضوع المنطقة العازلة التي أصدر المغرب موقفا واضحا منها وحازما تجاه مختلف الخروقات التي قامت بها الجبهة، أي إن القرار يجب أن يناقش علاقة بهذا الموضوع. ونطرح سؤال: كيف قيم مجلس الأمن موقفه من المنطقة العازلة؟ والمعنى الذي أعطاه للمنطقة العازلة؟ ورؤيته لما قامت به الجبهة، هل اعتبرها خروقات جدية أم تعامل معها بالشكل السلبي نفسه الذي تعاطى به معها الأمين العام للأمم المتحدة؟ في هذه النقطة يمكن الإشارة، قبل الإجابة على السؤال المتعلق بكيفية تعاطي مجلس الأمن مع الموضوع الإشكالي الذي تميزت به دورة هذه السنة، إلى أن القرار أعاد تصحيح مختلف الأخطاء التي "تسربت" لتقرير غوتيريس؛ إذ إنه أسقط عمدا الدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال لجانه الجهوية وأغفله رغم أن مجلس حقوق الإنسان الذي يعتبر هيئة من هيئات الأممالمتحدة اعترف به كمخاطب في المنطقة وأعطاه الصفة "أ" باعتباره يشتغل وفقا لمعايير باريس؛ حيث إن المغرب ومنذ دسترة المجلس سنة 2011 أعطى دورا أكبر له وتفاعل إيجابيا مع مختلف الميكانيزمات الدولية، خاصة منها المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان؛ إذ إن القرار أنصف المغرب هنا، واعترف بدور اللجان الجهوية لحقوق الإنسان. كما أن تقرير غوتيريس قفز على معطى أساسي بشكل متعمد؛ مطلب إحصاء اللاجئين؛ إذ إن القرار طالب بأن تقوم المفوضية السامية للاجئين بدورها كاملا في المخيمات، وأول دور هو إحصاء ساكنة المخيمات/اللاجئين الذي يعد مطلبا موجها بالأساس للجزائر على اعتبار أنها بلد اللجوء، وهي بذلك معنية بتنفيذ هذه التوصية وعدم التهرب من التزاماتها الدولية التي يحددها القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في هذا الباب. بعد هذا التصحيح الذي شمل تقرير غوتيريس، وهو يعكس رؤية مجلس الأمن التي ستلزم الأمين العام في تحركه مستقبلا علاقة بتدبير الملف، جاء القرار علاقة بموضوع هذه السنة "المنطقة العازلة" واضحا في مواقفه؛ فكان واضحا في توصياته المتعلقة بالمنطقة العازلة واحترام اتفاق وقف إطلاق النار وتسميته للجبهة علاقة بهذه التوصيات، فهو إدانة لها واعتراف أممي بأن من خرق الاتفاق ومن يهدد السلم هي الجبهة، وحدد ماهية المنطقة العازلة والتوصيات التي سنعيد فقراتها كما جاءت في القرار وهي: "- أكد من جديد على ضرورة الاحترام الكامل للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة الأممالمتحدة في الصحراء فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، ويدعو الأطراف إلى الالتزام التام بهذه الاتفاقات. - يعرب عن قلقه لوجود جبهة البوليساريو في القطاع العازل بالكركرات ويطالب بانسحابها الفوري. - يعرب المجلس عن قلقه إزاء إعلان جبهة البوليساريو عن نقل المهام الإدارية إلى بئر لحلو ويدعو جبهة البوليساريو إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات مزعزعة للاستقرار". موقف واضح لمجلس الأمن يجيب أولا على ما تم القيام به سابقا من طرف الأمانة العامة للأمم المتحدة التي تلاعبت غير ما مرة بالكلمات، خاصة على مستوى المعنى الذي حاولت من خلاله تحديد ما هي المنطقة العازلة؛ حيث ذهبت إلى إطلاق تصريحات تشير إلى أن المنطقة العازلة لا تشمل بئر لحلو، من خلال تصريحات الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة التي كانت تهدف إلى خلق خلط مقصود، فعمد هذا القرار إلى وضع النقط على الحروف عندما حدد المنطقة العازلة بأنها كل ما يوجد شرق الخط الدفاعي الذي أقامه المغرب قبيل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، مشددا على أنه وضع لا يجب تغييره، بل وجب الحفاظ عليه وألا يتم القيام بأي تغيير في الوضع على الصعيد الميداني وعلى الوضع القائم نفسه كما هو حاليا، بل القرار ذهب أبعد من ذلك عندما أكد أن أي تغيير للوضع القائم يعد تهديدا للسلم والأمن في المنطقة؛ لذلك طالب الجبهة بشكل واضح بعدم القيام بأي أمر وتحرك يزعزع السلم والاستقرار في المنطقة، وأوصى بعدم نقل أو بناء أية منشآت في المنطقة العازلة، بما فيها بئر لحلو. وعليه، فالقرار عندما ينتصر لهذه الرؤية هو ينتصر لصوت المغرب بمجلس الأمن، وأن المغرب كان محقا في رد فعله القوي عندما قامت الجبهة بمحاولة نقل منشآتها الوهمية إلى المنطقة العازلة، وسيكون هذا القرار بفقراته هاته ورقة سيشهرها في وجه الأمانة العامة للأمم المتحدة والناطق باسمها الذي تلاعب بالكلمات غير ما مرة وحاول خلط الأوراق ضدا على روح اتفاق وقف إطلاق النار والفلسفة التي حكمته وحكمت قرار وضع المغرب رهن إشارة بعثة المينورسو للمنطقة العازلة لحفظ السلم، ولم يكن الأمر تنازلا عنها أو عن سيادته عليها. إذن، رؤية وقراءة القرار هي محكومة بهذا المعطى، بموقف مجلس الأمن من الصراع الأخير الذي كاد أن يعصف بالأمن والسلم في المنطقة، وهو انتصار لرؤية المغرب الحازمة تجاه أية محاولة لتغيير الوضع القائم ميدانيا. بالعودة إلى قرار مجلس الأمن، هناك نقطة تمديد بعثة المينورسو لستة أشهر بدل سنة كما المعمول به سابقا، وقد اتجه الخصوم نحو محاولة طمس حقيقة هذه التوصية وخلفياتها؛ حيث عمدوا إلى إيهام الرأي العام بالمخيمات على أنها انتصار لهم، لكن الحقيقة البادية من خلالها هي أن مجلس الأمن وهو يصدر هذه التوصية كان محكوما بالمنهج الجديد الذي تأثر برؤية ترامب لعمل المجلس والأممالمتحدة ككل؛ إذ إن الإدارة الأمريكية اليوم التي تعتبر الداعم الأول بميزانية تصل إلى مليارات الدولارات للأمم المتحدة، ومن خلالها بعثة المينورسو، تريد أن تعيد النظر في طريقة هذا الدعم وصرف هذه الأموال، وأنها لا تريد توقيع شيك على بياض للمينورسو بل الدعم الذي ستقدمه مقرون بدورها ونتيجة عملها، خاصة منه حفظ السلم بالمنطقة العازلة. كما أن تمديد بعثة المينورسو لستة أشهر فقط ليس موجها إلى المغرب بالأساس، ولا ضاغطا عليه قصد الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجبهة، بل الموقف واضح وهو نابع من إحساس مجلس الأمن بخطورة الوضع الأمني في المنطقة، وأن ستة أشهر هذه ستكون مناسبة لتقييم الوضع ميدانيا ومدى التزام الجبهة باحترامها لوقف إطلاق النار وعدم قيامها بأي إجراء يهدد السلم في المنطقة العازلة كاملة وفقا للقرار وكما حددها وفسرها- أي المنطقة العازلة- مضمونه، وغير معني بها المغرب ولا بموقفه من كيفية تدبير المفاوضات التي لا ترفضها المملكة مبدئيا، بل لها وجهة نظر حول كيفية تدبيرها لأنها وكما أكد الملك في خطاب المسيرة الخضراء الأخير ليست غاية في حد ذاتها كما هي بالنسبة للخصوم الذين يبحثون من خلال أخذ صورة مع الوفد المغربي لتسويقها على أنها انتصار سياسي، بل هي بداية الطريق نحو الوصول إلى الحل السياسي. هذه هي العناصر الأساسية المحددة في قراءة وتفسير هذا القرار الذي أنصف المغرب، وأكد على أن الشراكات الاستراتيجية كما حددها الملك أقوى من سياسة استقطاب الأصوات بهدايا تتعلق بشراء السلاح كما تقوم بذلك الجزائر، وأن مضمون هذا القرار بتوصياته هو نتيجة الترافع المغربي والوضوح الذي عبر عنه الملك مؤخرا في الرسالة القوية التي وجهها إلى غوتيريس وعكست موقف المغرب الواضح والصارم من أية محاولة للالتفاف على الوضع الحقيقي في المنطقة أو تقديم قراءات خاطئة حوله، كما أن الثقة التي يحظى بها المغرب لدى الأصدقاء ساهمت في إصدار هذا القرار المتزن.