نَال شهادة البطولة بختم من الملك والشعب، صال داخل عرين "الأسود" وجال بالكرة الوطنية في أدغال إفريقيا حاملًا هموم مستديرة عاكست مشاعر المغاربة طويلًا، فأبى إلا أن تكون لوطأته في الرباط بداية لمعالم ربيع كروي، تتكسّر معه قيود الأحلام، ويحرّك نشوة الشغوفين بالكرة صيف 1998 عندما قاد المنتخب المغربي لمشاركة مثيرة في كأس العالم، في معقله فرنسا، فشاءت الأقدار أن يغادر هذا العالم قبل أقل من شهرين من مشاركة مغربية جديدة في مونديال روسيا، بعد 20 عاما من الغياب. هو هنري ميشيل (1947-2018)، الداهية الفرنسي الذي خلق ثورة تقنية في الكرة المغربية، تألّق في موطنه لاعبا، برز في نادي نانت، وومض مع المنتخب الفرنسي، قبل أن يلج عالم التدريب الذي استهله بمسار من الأحلام، درب أولمبيي "الديكة" والمنتخب الفرنسي الأول، قبل أن ينفتح على تجارب في أوروبا، آسيا وإفريقيا، ما رسخ منها في ذهن المغاربة هو رقصاته بين المنتخب الوطني الأول والرجاء البيضاوي. ولأنه سريع البديهة، يفضّل الحسم باستعجال شديد حتى في القضايا المصيرية المتعلقة بحياته، ف48 ساعة كانت كافية لتلقي وقبول هنري ميشيل عرض تدريب "الأسود" في 1995 بتوصية من ميشيل هيدالغو، مستشار الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم آنذاك، بعدما طالب القصر بالتعاقد سريعا مع مدرب ينسي المغاربة عثرة المشاركة المخيّبة في مونديال 1994. بعد قيادته للمنتخب المغربي في مونديال 1998 التي أعادت رسم معالم الكرة الوطنية في خريطة العالم، وبعد الظروف والأجواء التي وفّرها له المغاربة لتحقيق أفضل مشاركة للمنتخب، بات يتنفّس عشق الوطن قدر عدد علب العلكات التي يستهلك كل يوم. كان وحيد زمانه، بصرامة تكتيكية يرسمها بحاجبيه ويلونها بنظرته المربكة للخصوم، استطاع أن ينال رضا الملك الحسن الثاني بعد "مونديال 98"، وأي رضا؛ فالأمر يتعلق بذوق كروي رفيع من ملك شارك الخطط التكتيكية مع المدربين الذين تعاقبوا على المنتخب المغربي، وشملت غضبته المتخاذلين في الدفاع عن القميص الوطني. وفي تلك اللحظة التاريخية التي حظي فيها رفاق بصير وحجي باستقبال ملكي منقطع النظير، نظير المشاركة المشرّفة في مونديال فرنسا، وجّه الملك كلمةً خاصة لهنري ميشيل: "من الآن فصاعداً، لك كل الحق في اعتبار نفسك مغربيًا.. لسنا شعبًا ناكرًا للجميل، ولن ننسى أبدًا ما فعلته لأجلنا"؛ هو خطاب اقشعرت له أبدان الحاضرين آنذاك من ملك القصر الراحل إلى ملك "الكوتشينغ" الراحل. ولأنه من الرجالات الأشاوس الذين مروا في تاريخ الكرة الوطنية، وأكثرهم غيرةً على مصيرها، فهنري ميشيل حاول مقاومة المرض الجبان وأبى أن يبدي له وهنا. كانت أشهرا طويلة من المعاناة، انتهت برحيل صامت، كما ذلك الخروج مرفوع الرأس من الدور الأول من مونديال 98. فبين خبث السرطان ومؤامرة البرازيل والنرويج، غادرنا هنري ميشيل كبيرا. * لمزيد من أخبار الرياضة والرياضيين زوروا Hesport.Com