محمد، إبراهيم، عبد الرحمن، ثلاثة أصدقاء يحملون أسماء عربية، لكنهم ولدوا ونشؤوا في السنغال..منذ خمسة أشهر، حملهم القدر مسافة ألفي كيلومتر شمالا، وحط بهم في قلب المدينة الهادئة "بنسليمان"، لتبدأ بالمغرب فصول جديدة من حياتهم. يقول محمد، أحد الطلبة السنغاليين، إن الأقدار وحدها ساقته إلى المغرب، فمجيئه لم يكن اختيارا "بقدر ما كان استغلالا لفرصة سانحة له لدراسة مجال التسيير المعلوماتي"، وهو ما كان يود القيام به منذ البداية؛ وما شجعه على اختيار المغرب هو رغبته في التعرف على ثقافات مختلفة. "صدمتني نظرة الناس إلى بشرتي السوداء"، هكذا يحكي إبراهيم عن أكثر الأمور التي لم يحبها في المغرب؛ فالبعض حين يمر بهم ينظرون إليه "نظرة غريبة"، ما جعل الأمر يبدو "مزعجا" عند تكراره؛ إلا أن هذا لا ينفي وجود مغاربة يتعاملون معه معاملة طيبة ونسج معهم علاقات جيدة، وأغلبهم من ساكنة مدينة بنسليمان المعروفة بقلة الأجانب فيها. عن هذا التعامل المتباين بين القبول والرفض يقول محمد إنها مسألة نسبية، ويضيف: "العيش في المغرب ليس صعبا، فقد تصادف في الشارع مواطنين يلقون عليك التحية ويرحبون بك كما قد تصادف بعضا من الناس الذين يتفوهون بكلمات قد لا تفهمها أصلا"، ويؤكد أن المشكل الوحيد الذي يواجهه يتعلق بالتواصل واللغة. يبدو محمد متشبثا بالعودة إلى بلده، فالهدف من إقامته في المغرب محدد وواضح بالنسبة إليه؛ جاء للدراسة فقط وليس لأي شيء آخر، وحين سيُتم دراسته سيعود ليخدم بلده. إبراهيم، صديق محمد، لا يختلف معه وإن كان ينتظر ما تخبئه له الأيام المقبلة، فلم يخفنا أنه يفضل العودة إلى بلاده، ويقول: "أتيت للبحث عن شيء ما، وحين سأعثر عليه سأعود من حيث أتيت". أما عبد الرحمن فلا ينفي إمكانية استقراره بالمغرب بعد إتمام دراسته، في انتظار أن يحقق حلمه بالذهاب إلى كندا والاستقرار فيها. يكتري الثلاثة مع أصدقاء آخرين منزلا يعيشون فيه دون التخلي عن عاداتهم اليومية السنغالية، فهم يستيقظون صباحا، يرتدون لباسهم التقليدي الذي يشبه في تفاصيله اللباس الصحراوي المغربي، يؤدون فرائضهم الدينية، ثم يلبسون ثيابهم استعدادا للذهاب إلى المدرسة المتواجدة بالمدينة نفسها. يطبخون من حين إلى آخر بشكل جماعي أطباقا خفيفة تجنبهم شراء وجبات سريعة من الخارج، وفي أوقات فراغهم يتحلق الأصدقاء بغرفة المعيشة ليتبادلوا أطراف الحديث، أو ليشاهدوا القنوات السنغالية ويتابعوا آخر ما استجد من أخبار البلاد. بلباسه التقليدي الملون يؤدي عبد الرحمن فريضة الصلاة، وينتشي في حديقة المنزل بترديد مقاطع من الأمداح النبوية بلغة عربية فصحى. الأصدقاء الثلاثة يدينون بالإسلام، "ولحسن الحظ" كما قال محمد وجودهم في بلد دينه الرسمي هو الإسلام "جعلهم يمارسون طقوسهم الدينية بدون مشاكل". *صحافية متدربة