أمام التّطورات المُتسارعة التي شهدها ملف الصحراء المغربية، كان لافتًا أن تتّجه المملكة إلى اتخاذ خيارات "غير مسبوقة" لوضع حد لاستفزازات جبهة "البوليساريو" الانفصالية، التي باتت تتّخذ من شهر أبريل موعدًا سنويًا لرفع منسوب تحرشها بالمغرب. ففي الوقت الذي استنفرت فيه الوحدات العسكرية المغربية قواتها المرابطة في الصحراء لمواجهة أي خطوة استفزازية جديدة تقدم عليها "البوليساريو"، عادت هذه الأخيرة إلى شحن خطابها الموجّه إلى المغرب بالتهديدات ولغة الوعيد. وبالرغم من أن خيار المواجهة العسكرية الذي أقرته صراحةً الحكومة والبرلمان كحل لردع مخططات الجبهة الوهمية، التي باتت تفرض معطيات جديدة على أرض الواقع، لم يُتخذ بشأنه أي قرار رسمي بعد، خاصة وأن وجوها بارزة في التنظيم الانفصالي باتت تلوح بتكوين دولة داخل المناطق العازلة، الأمر الذي ترفضه المملكة بالمطلق، فإن عددا من المراقبين أقروا بأن تكلفة الحرب إن هي اندلعت ستكون كبيرة على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدين كبيرين هما المغرب والجزائر. ويقرُّ عدد من المراقبين بأن "حرب الصحراء، في حال نشوبها، سيكون طرفاها الرئيسيان هما المغرب والجزائر، لأن البوليساريو لا يمكنها مجابهة دولة لها عتاد عسكري قوي كالمغرب إلا بدعم جزائري؛ ما سيجعل كلفة الحرب تصل إلى مستويات غير مسبوقة". عبد الرحمن مكاوي، باحث خبير في الشؤون العسكريَّة، انطلق في تحليله من مقولة شهيرة في الاستراتيجيات العسكرية مفادها "حتى نتجنب الحرب علينا أن نعد لها جيدا"، ليؤكد أن "المغرب حضّر سيناريوهات متعددة في حالة ما إذا دخل في مواجهة عسكرية مفتوحة مع جبهة البوليساريو، التي ليست إلا ميليشيات عسكرية تابعة للجيش الوطني الشعبي الجزائري تأتمر بأوامر الجنرال أحمد قايد صالح ورئيس المخابرات العسكرية الجنرال طرطاق". وانطلق الخبير العسكري في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية من التحركات والاستفزازات الأخيرة للجبهة في المنطقة العازلة وفي الأقاليم الجنوبية التي لم تكن لتقع، في نظره، إلا "بفعل فاعل، يبقى معروفا، لأن البوليساريو ليست بمنظمة تحررية تملك قرار السلم وقرار الحرب بيدها، وإنما هي ميليشيا عسكرية تابعة لجنرالات الجزائر". وفي تحليله لأبعاد الحرب من الناحية الجيو استراتيجية، أوضح المحلل ذاته أن "الحرب مع البوليساريو ستجر لا محالة إلى مواجهة مباشرة مع الجزائر"، مضيفا أن "أي نزاع لن يفيد إلا التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة) التي تتحين الفرصة لوقوع انفلاتات أمنية بين الجارين حتى تتمكن من التسلل إلى المنطقة والاستفادة منها عسكريا، فلا مصلحة لأي طرف في نشوب الحرب، لأن المنطقة ملتهبة ومشتعلة، خاصة في الخط الشمالي من نيجريا مرورا بمنطقة سيناء". وبعدما توقف عند تهديدات "البوليساريو" الأخيرة، التي اعتبرها "هذه المرة أكثر جدية من أي وقت مضى"، صرح المكاوي بأن "الحرب مع الجزائر لن تكون لساعات أو أيام، وإنما ستكون طويلة المدى على شاكلة الحرب الإيرانية العراقية التي دامت لأكثر من 8 سنوات، وهذا من شأنه أن ينعكس على واقع التنمية الداخلية لكل بلد". وحول قراءته لتكلفة الصراع على المستوى الاجتماعي، كشف المكاوي أن "التهديد بجرٍّ المنطقة إلى أتون الحرب يوظَّف من قبل العسكر في الجزائر على حساب المشاكل الداخلية التي تعرفها البلاد، خاصة في ظل التطاحن الحاصل بين الأطراف لخلافة بوتفليقة"، قبل أن يضيف أن "الحرب ستجرُّنا إلى إغلاق ملفات تنموية واقتصادية لمواجهة الأخطار والتهديدات، خاصة بعد الإقلاع الكبير الذي عرفه المغرب خلال العشرية الأخيرة"، على حد تعبيره. بدوره، يتقاطع رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، محمد بنحمو، مع فكرة أن "البوليساريو ليس إلا أداة في يد الجزائر، التي تود الدخول في حرب مباشرة مع المغرب حتى تصدر مشاكلها الداخلية على المستوى الإقليمي"، وقال: "لا تجوز المقارنة بين المغرب والبوليساريو في هذه الحالة، لأن المغرب دولة لها سيادة، في حين إن البوليساريو مجموعة ميليشيات عسكرية مسلحة". وردا على سؤال تكلفة الحرب إن هي اندلعت بين المغرب والبوليساريو، كشف بنحمو أن "لكل حرب تكلفة"، قبل أن يشير إلى أن "ورقة النزاع العسكري تفرض توازنات تعيد الأطراف إلى طاولة المفاوضات، لأنه في بعض المواقف يستحسن أن يكون خطاب المملكة حادا وقويا خلال فترة قصيرة، على أن يظل باردا كما تريد ذلك الجزائر التي تسعى إلى جر المملكة إلى منطق المستنقع، أي البقاء في مرحلة هشة". وتوقف الخبير في الشؤون الاستراتيجية عند تكلفة "اللاحرب" التي تستنزف المغرب وتجعل خصومه يتمادون في مخططاتهم التخريبية، وقال: "يجب الخروج من المنطقة الرمادية واتخاذ مواقف ردعية، لأن خصوم المملكة ينتعشون من حالة اللاحرب". وبعدما أشار إلى أن "حربا من هذا القبيل ستخلق حالة من عدم الرضا داخل الأوساط الجزائرية لأنها ستجد نفسها أمام خسائر فادحة في الأرض وأنها كانت تعول على مشروع وهمي استنزف ميزانيتها"، أبرز الخبير الأمني أن "هذه الحرب ستكون لها انعكاسات على اقتصاديات الدول الإفريقية المجاورة". وتطرق الخبير في الشؤون الاستراتيجية للوضع الداخلي لطرفي النزاع، المغرب والجزائر، مبرزا أنه "كلما زاد التوتر، زادت معه الجبهة الداخلية المغربية قوة وتماسكا، عكس الجزائر التي تظهر عليها علامات الشك والقلق"، مضيفا: "في ظل الوقائع الحالية، لا يمكن للمغرب إلا اتخاذ قرارات قوية لحماية وحدته الترابية".