مرة أخرى، اهتمام جماهيري كبير بالفيديو الأخير الجديد الذي انتشر في العالم الأزرق بشكل كبير والذي يظهر محاولة اغتصاب فتاة قاصر في وضح النهار في قلب شارع عمومي، وهو فيديو لا يصدمني كما لم يصدمني من قبله فيديو اغتصاب فتاة حافلة الدارالبيضاء، لأنه مجرد مقطع واحد من مسلسل الاغتصاب الدائم في المجتمع المسكوت عنه في بلد يفتخر بإيمانه وتشبثه بالتقاليد والدين. ولكن للأسف ما في أرض الواقع أمر، ومن الصعب ابتلاعه، وقد حان الوقت لنرى وجوهنا في مرآة الحقيقة. فكيف لنا أن نقرأ أو نحلل مرة ثانية ظاهرة الاغتصاب في وضح النهار وفي الفضاء العام؟ 1-واقع مظلم ومستقبل بلا رؤية أمام الشباب الشباب فقدوا الثقة في كل شيء وأصبح حلمهم الوحيد الهجرة إلى بلدان الأضواء، بعد أن فقدوا كل أمل في مجتمعهم، بل أصبحوا كأعداء له لا يشعرون بأنهم ينتمون إليه في غياب أي مرافقة لهم؛ فلا يجدون من يشفق عليهم، وصاروا يرون أنفسهم مرفوضين لا صوت ولا وجود لهم كأنهم أشباح تائهة. وتزداد الأمور تعقيداً وسوءاً حين لا تُعطى لهم الفرص للبناء؛ وهكذا لا يبقى أمامهم إلا الانجراف في دوامات التدمير لإبراز وجودهم والانتقام من المجتمع الذي أهملهم. 2-غياب التربية الجنسية التربية الجنسية ليست كما هو شائع في ثقافة مجتمعنا مجرد تشجيع على الجنس والفساد، وها نحن نرى يوما بعد يوم نتيجة غيابها في مدارسنا وبيوتنا، بل إن التربية الجنسية السليمة تستند إلى قواعد أخلاقية متينة، وتعلم أولا الاحترام التام للذات وللغير والمساواة بين الجنسين وتقنين الشحنة الجنسية وتقويم السلوك الجنسي. 3-التسيب في التعامل مع التحرش الجنسي في الشوارع المجتمع بكامل مكوناته ومؤسساته وأفراده يشاهد يوميا، وفي أي مكان ووقت، وقائع التحرش الجنسي؛ بحيث صار من المستحيل على الفتاة أن تخطو خطوة واحدة بدون أن تسمع نباح الذكور وتشعر بأياديهم تتلمسها كأنها الحجر الأسعد! إن هذا التحرش الفردي والجماعي يزيد في السُّعار الجنسي عند الذكر إلى درجة أعلى بعد كسر جميع الحواجز وتجاوز كل الاعتبارات، ثم لا يبقى أمامه إلا الاغتصاب. 4-فشل التعليم ما يقع في شوارعنا ما هو إلا مقياس حراري لدرجة جودة التعليم والتربية المنزلية. فبأي مبادئ وقيم تشبع هذا الشاب لكي يتجرأ على الاغتصاب في وسط الشارع وبمساعدة أصدقائه الذين يصورون مهارته في السعي وراء ممارسة الجنس والتفاخر بشدة فحولته؟ 5-فقدان الحس بالانتماء للمجتمع أصبح المجتمع يتفكك مع ارتفاع السعي إلى تحقيق النجاح الفردي والتشجيع على التنافس، مما أدى إلى تقوية النوازع الأنانية وبتر الحس بالانتماء إلى المجتمع وتعطيل مسؤولية الفرد تجاهه؛ فأصبح الشاب كالحيوان الاستهلاكي داخل غابة المجتمع، وأصبح كل شيء فريسة له. 6-فشل التربية الدينية لقد فشل الدين بصيغته الحالية داخل مجتمعنا في مهمته، وهي صيغة تهتم فقط بالطقوس والشكليات وتركز على الحرام قبل الحلال، وصارت فارغة من القيم الروحانية. إن الدين هو في الأصل القناة التي تمر بواسطتها كل الفضائل الإلهية والقيم الروحانية والأخلاقية النبيلة. فمتى تحول الدين إلى مجرد مجموعة من الطقوس والإكراهات الشكلية العاجزة على تحفيز وتنمية القدرات الروحانية لدى الشباب، صرنا، مع الأسف، نرى الكثير منهم يتحولون إلى وحوش تتصارع وتتسابق لتلبية رغباتها الغريزية الطبيعية وغير الطبيعية بدون حدود! *خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي