بأزقتها القديمة وساحاتها المتناثرة لا بد أن تشهد حضور الأجانب بكثرة، يتجولون، يتسوقون، ويلجون المنازل القديمة ورياضات المدينة يمتلكونها وبها يعيشون ويستثمرون، هي مراكش الحمراء حيث يستنشق عبق التاريخ. جون لوك دوريس وزوجته بياتريس ثنائي قررا القدوم إلى المغرب والاستثمار بها، في رياضاتها عاشا منذ أن وطأت أرجلهما المدينة إلى أن قررا الاشتغال في تحويل هذه الرياضات إلى دور للضيافة تدر عليهما أرباحا مهمة. يقول دوريس: "قدمنا منذ ثلاث سنوات للاستقرار بالمغرب رفقة ابننا أرثير الذي يبلغ اليوم 13 سنة، كانت لدينا رغبة في تغيير حياتنا بشكل كامل عما كنا نشتغل فيه بفرنسا". وأضاف دوريس خلال لقائه مع هسبريس: "أنا وزوجتي نعرف مراكش منذ أكثر من ثلاثين سنة، أردنا التغيير؛ لكن دون الابتعاد كثيرا، فكانت مراكش هي الوجهة الممتازة نظرا لكون الرحلة بينها وبين فرنسا لا تزيد عن ثلاث ساعات، وبالتالي حينما نرغب بالعودة لا يكون هناك مشكل المسافة. كما لا يوجد حاجز اللغة؛ فكثير من المغاربة يتحدثون الفرنسية بطلاقة". منذ بداية التسعينيات صارت مراكش مكانا لاستقرار الأجانب من مختلف دول العالم وخاصة من القارة الأوروبية، استهوتهم المدينة وأيضا رياضاتها؛ فباتوا يستولون عليها، يشترونها بأثمنة زهيدة، يغيرونها، ويجعلون منها دورا للضيافة ووحدات سياحية متكاملة. يشير دوريس إلى أنه منذ أن قدم إلى المغرب وهو يرغب بشراء رياض من رياضاتها، مؤكدا أنه لم يرد الاستعجال إلى حين التأكد من أن المشروع سينجح وأن استقراره بالمغرب سيطول، قائلا: "حينما قدمنا إلى مراكش منذ ثلاث سنوات كنا في رياض ثان في حي القصبة؛ وهي تجربة لم تكن جيدة لأن الكاري لم يكن ولم تمر الأمور بشكل جيد لكن هذا مكننا من فهم كيف تتم الأمور وكيف يمكن إدارة رياض ومختلف أنواع الإدارة". ويضيف المتحدث: "بمساعدة صديق لنا تمكنا من إيجاد هذا الرياض، ومنذ سنتين ونحن هنا". فدوى أشبالي، مندوبة وزارة السياحة بمراكش، لهسبريس، تقول إن "رياضات ودور الضيافة هي نوع من أنواع الإيواء السياحي التي تميز الإيواء بمدينة مراكش، وتجلب عددا كبيرا من السياح الذين يرغبون في الاستمتاع بخصوصية الهندسة المعمارية المغربية التي تسافر بالسائح إلى عمق التاريخ والثقافة المغربية العريقة". وتضيف أشبالي: "مدينة مراكش تتوفر اليوم على ما يفوق 1300 وحدة دار الضيافة مصنفة؛ وهو ما يعادل ألف سرير، تقريبا خمسين في المائة منها إما أصحابها أجانب أو مسيرة من قبل الأجانب". تختلف أثمنة بيع الرياضات من زبون إلى آخر؛ فكلما تم تمريرها إلى زبون جديد يرتفع السعر ليكون البائع المغربي هو الحلقة الأضعف في هذه السلسلة. يقول دوريس: "الأثمنة مختلفة جدا، وهي ترتبط بالمساحة وحالة الرياض والحي الذي يوجد به وعدد الغرف، وتتراوح ما بين مائة ألف يورو ومليون أورو". رياضات كانت في يوم من الأيام بيت العائلة، بها يعيشون ويتقاسمون لحظات الحياة الحلوة والمرة، هي إرث الأجداد الذي كان الحفاظ عليه أمرا ضروريا على مر مختلف السنوات. أما اليوم فبات تمريرها إلى الأجانب يتم بشكل سلس، منهم من يغير ملامحها ويقضي على عراقتها، وآخرون يجددونها بلمسة تقليدية تحافظ على نوع من الإرث الضائع. يعترف دوريس وزوجته بالقيمة التاريخية لرياضات المدينة الحمراء ويؤكدون درايتهم بأنها كانت منزل الأسرة الذي لا بد أن يتوفر على نافورة في وسطه وأربع حدائق صغيرة في مختلف الجهات؛ ولكن بعد كل التغييرات التي تشهدها الرياضات فلم تعد كما كانت عليه سابقا، لكن يؤكدون أن الرياض الذي يقطنون به اليوم تم إجراء عدة تغييرات عليه. ويقول المتحدث: "لقد تم إدخال عدد من التغييرات على هذا الرياض؛ فالمكان هو عبارة عن رياضين تم دمجهما وتجديدهما بالكامل مع الاحتفاظ بعراقتهما وتاريخهما". تدر الرياضات اليوم على مالكيها الأجانب أرباحا مهمة. أما أغلب زوارها فيأتون من القارة الأوروبية وبلدان غربية؛ فيما يعمل أبناء الدار مقابل أجور بسيطة بها يعيلون عائلاتهم. ويقول دوريس: "يأتينا فقط السياح الأجانب، وهم أغلبية وأحيانا أناس من الرباطوالدارالبيضاء لتمضية عطلة نهاية الأسبوع، هناك منافسة كبيرة بمراكش؛ فالجميع يعملون جيدا". وتؤكد مندوبة السياحة وجود رواج كبير بالمدينة الحمراء، قائلة: "قطاع السياحة عرف انتعاشة مهمة خلال الفصل الأول من سنة 2017؛ فعدد ليالي المبيت وعدد الوافدين عرف نموا بنسبة 18 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية". وإن كان الأجانب يسهمون في تحقيق انتعاش اقتصادي ورواج سياحي، فإن الخوف هو أن تفقد المدينة هويتها وأن تتغير ملامحها التراثية لتتحول من أرض العلماء وموطن الصناع التقليديين إلى مدينة لا هوية لها بواقع مختلف تعاني غزوا من نوع آخر.