كان انيس العمري، الرجل الذي نفذ اسوأ هجوم ارهابي في المانيا، مجرما مغمورا، بدأ خطواته الأولى على طريق التطرف الإسلامي أثناء قضاء عقوبة في السجن في ايطاليا. في 19 دجنبر 2016، اقتحم الشاب التونسي العمري (24 عاما) بشاحنة محملة بالحديد سوق برايتشايدربلاتس لهدايا عيد الميلاد في برلين، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة أكثر من 70 آخرين، وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم. والآن وبعد مرور عام تقريبا على الهجوم الدموي ومقتل العمري في مواجهة عرضية مع الشرطة في 23 دجنبر بالقرب من ميلانو، تجرب إيطاليا برنامجا تأمل في أن ينجح في منع المحتجزين الآخرين من الاتجاه إلى التطرف. وقال جينارو ميجليور، وزير الدولة الايطالي للعدل المشرف على مصلحة السجون، فى مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "نريد أن نكون أقوياء ضد الارهابيين، وأن نكون أقوياء بنفس القدر في مواجهة أسباب التطرف". ووقعت وزارة العدل اتفاقا مع اتحاد الجماعات الإسلامية في إيطاليا للإستعانة بأئمة معتمدين من الدولة أو "مستشارين روحيين" في السجون الإيطالية لتعريف السجناء المسلمين بصحيح القرآن الكريم. وأوضح ميجليور أن الهدف من وراء هذه الخطوة، يتمثل في الحد من تأثير "الأشخاص الذين نصبوا أنفسهم أئمة" بين نزلاء السجون، وأيضا لضمان حرية العبادة. وقال يوسف سباعي، وهو عضو ومؤسس اتحاد الجماعات الإسلامية في إيطاليا لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ): "إنها خطة رائدة في كافة أنحاء أوروبا". وقام سباعي بتجنيد متطوعين للبرنامج، كما يشرف على دورة لتعريف حراس السجون بكيفية رصد علامات التطرف بين المحتجزين. وقال ميجليور إن اللحية الطويلة، والمواظبة على أداء الصلاة، او الابتهاج بعد مشاهدة أخبار عن هجوم إرهابى في التليفزيون، تعد بوادر ضمن المؤشرات الداعية الى دق أجراس الانذار، مضيفا أن 365 سجينا من بين 6 آلاف سجين مسلمون يخضعون للمراقبة حاليا. ومن بين متطوعي اتحاد الجماعات الإسلامية في إيطاليا، سورايا حولي، والتي تم ارسالها إلى سجن بولات بمدينة ميلانو. وتلقي هي ومتطوعة أخرى دروسا أسبوعية تدوم قرابة ساعتين تتضمن قراءة القرآن والإعداد لصلاة الجمعة، كما تقدمان الإرشاد الديني العام. وقالت حولي لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) "مهمتنا هي تعريفهم بالإسلام الصحيح.. . لقد رأينا أن العديد من السجناء يجهلون دينهم، وخاصة الأصغر سنا، ولذلك فإن تعلم أفكار خاطئة يكون سهلا بالنسبة لهم". وتابعت أن السجناء شعروا بالحيرة والارتباك في البداية لوجود امرأة كمعلمة و "في اليوم الأول، طلبوا معلما رجلا". ولكن يبدو أنهم تجاوزا انعدام الثقة، وسجل ما يقرب من 80 سجينا اسماءهم لحضور دروس صباح الخميس. ولم تثبت بعد فعالية الخطة. كما أن هذه الخطة التي أطلقت هذا العام في ثمانية من أصل 200 سجن إيطالي، قد تفشل في الوصول إلى أولئك الذين هم في أشد الحاجة إلى الابتعاد عن التطرف، خاصة إذا كان ينظر إلى أشخاص مثل حولي على أنهم جواسيس. وقالت حولي: "أولئك الذين يرغبون في الحضور، يحضرون "، مشيرة إلى أنها لم تصادف بعد أفرادا متطرفين. وأضافت: "نحن هناك لنفهم، ونساعد هؤلاء الأشخاص، ولكن في النهاية، إذا لم يتغير شخص ما، نقوم بالإبلاغ عنه". من جانبه، دعا باتريسيو جونيلا، أستاذ القانون ورئيس مجموعة "أنتيجون"، وهي مجموعة معنية بالدفاع عن حقوق السجناء، إلى استراتيجية وقائية أوسع نطاقا، لإزالة أى سبب لدى السجناء للشك فى نوايا الدولة ضدهم". وقال جونيلا ل(د.ب.أ) "أفضل أنواع الوقاية يتمثل فى تهييئة بيئة ملائمة بالسجون تقوم على أساس" توفر فرص العمل والتعليم. وأوضح "الكلام أسهل من العمل، لكن هذا هو السبيل الوحيد: لا يمكنك غسل أدمغة (الأشرار)..." ولاتتوافر أدلة كافية على حصول العمري على مثل هذه الفرص في الأعوام الثلاثة والنصف التي قضاها وراء القضبان في إيطاليا. في الواقع، تم الإبلاغ عنه على أنه خطير، وتم توجيه 12 تحذيرا بشأنه من السلوك العنيف، وتهديد حراس السجن والمحتجزين الآخرين. ووصل العمري إلى إيطاليا في مطلع عام 2011، وكذب بشأن عمره ليبدو كطفل لاجئ. وعندما تم رفض تصريح إقامته، أضرم النار في ملجأ المهاجرين، وتم ارساله إلى السجن. ثم توجه إلى ألمانيا في عام 2015، بعد أن رفضت تونس التعاون مع إيطاليا لترحيله إلى وطنه. وفي ألمانيا، تعقبته السلطات، ولكن التحقيقات الإرهابية التي استهدفته فشلت في توجيه إدانة إليه بسبب عدم كفاية الادلة. وعاد إلى إيطاليا بعد هجومه الدموي، لأسباب لم يتم توضيحها. وعلى عكس الدول الأوروبية الكبرى الأخرى، فإن إيطاليا نجت حتى الآن من إرهاب بعض المسلمين المتطرفين، إلا أن عددا من الجهاديين قضوا بعض الوقت فى إيطاليا، ومن بينهم أحد منفذي هجوم جسر لندن الثلاثة، الذين قتلوا ثمانية أشخاص فى العاصمة البريطانية لندن فى يونيو الماضي.