تعتبر مسألة تدبير الوقت وتنظيم وثيرة الحياة الاجتماعية من الأمور التي لم تخل منها المجتمعات العتيقة، حيث كان كل وقت أو زمن يعرف بعمله الخاص حسب الفصول وطلوع الشمس وغروبها ( وقت دائري). إلا أن مرحلة الثورة الصناعية أفرزت تنظيما جديدا للأزمنة الاجتماعية وبرزت أزمنة جديدة في الحياة الاجتماعية ومن أهمها زمن الفراغ أو لوقت الحر فماذا يقصد به؟ وماهي أهميته بالنسبة للمتعلم والمدرس في نفس الوقت؟ يقصد بوقت الفراغ الزمن الذي يخلو فيه الإنسان من الشغل، أي الوقت الذي يخلو فيه الشخص إلى الراحة من أعباء المسؤوليات اليومية، أما تعريفه كظاهرة اجتماعية فقد اختلفت التعريفات، فمن السوسيولوجيين من ربط تعريفه بالشغل مثل"ثورستين فيبلن"( Veblen) ، فبالنسبة له "وقت الفراغ هو الوقت الذي لا ينتج فيه الإنسان، ويعتبر الشغل غير منتج في حالتين: 1 – عدم وجود شغل له قيمة. 2 – خلو ذالك الوقت من العائد الذي يمنح القدرة على شراء مستلزمات الحياة". أما السوسيولوجي الفرنسي "جوفر دومازدييه" (Dumazedier) والذي يعود له الفضل في استقلالية علم اجتماع الفراغ أو الترويح عن سوسيولوجيا الشغل فقد عرف الترفيه بأنه "مجموع الأنشطة التي يقبل عليها الشخص بملء إرادته، من اجل الاسترخاء أو التسلية أو زيادة في معلوماته أو إقامة علاقات اجتماعية وفق قدراته وطاقته، وذالك بعد القيام بواجبات العمل والأسرة والمجتمع". من خلال التعريفين يمكن أن نستنتج أن وقت الفراغ يمكن تعريفه تعريفا كميا وكيفيا من خلال التعريفين يمكن أن نستنتج أن وقت الفراغ يمكن تعريفه تعريف كميا وكيفيا ، فكميا هو الوقت المتبقي من اليوم بعد أداء جميع الواجبات الأسرية والعملية والاجتماعية، أما كيفيا فهو الوقت الذي يتحرر فيه الشخص من أي التزامات وواجبات حيث يستطيع القيام بأنشطة ترفيهية شخصية مسلية نابعة من رغباته وميولا ته. يعود تدبير الزمن بصفة عامة والزمن الحر بصفة خاصة بالأساس إلى التنشئة الاجتماعية حول دور الوقت في الحياة اليومية للفرد والمجتمع، فالملاحظ في مجتمعنا المغربي غياب العقلانية في تدبير المجال والزمن، فمجموع المشاكل التي نلاحظها في الإدارات العمومية والمدارس وداخل العائلة تعود إلى سوء تدبير الوقت حيث تتداخل الأزمنة الاجتماعية في ما بينها، وهذا ما يتجلى في تحديد المواعيد بين الأشخاص أو عند قضاء غرض إداري في مؤسسات الدولة حيث يغيب مفهوم تنظيم أو تدبير الوقت . تظهر أهمية الوقت في أي مجتمع من خلال ما يمارسه أفراده من أنشطة ومدى قدرتهم على الاستفادة منه، فقد نجد أن بعض المجتمعات تعتبر الوقت من ذهب وتعطيه قيمة وتربي أفرادها على احترامه للاستفادة منه، وهذا ما يتجلى في ضبط المواعيد وعدم هدره في ما لا يفيد، وما وصلت إليه من ازدهار وتقدم كما هو الشأن بالنسبة للبروتستانت في ألمانيا كما أوضح "ماكس فير" في كتابه "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية". وترى بعض المجتمعات الأخرى أن الوقت ليست له أهمية قصوى مثل مجتمعنا وهذا ما يتبين حتى في بعض الأمثال" لي بغا اربح العام طويل " . إن التربية على تنظيم الوقت- ووقت الفراغ خاصة - مسألة تعود بالأساس إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية الرسمية كالأسرة والمدرسة ودور الشباب والجمعيات ، فهذا الزمن الاجتماعي يمكن اعتباره الزمن الفاصل أو المتواجد بين الزمن العائلي والمدرسي، فالتمثل السائد تجاه الفراغ والترفيه في المجتمع على انه "وقت خاوي" أي فارغ من أي نشاط أو انه سبب "البلية" فلأنه مغيب في التنشئة الاجتماعية. إذا كانت الأسرة الخلية الاجتماعية الأساسية المكلفة بتزويد الطفل بمجموعة من القيم كاحترام الوقت وتدبيره، فان هذا الدور أصبح في مجتمعنا ثانويا في ظل سعي الآباء إلى توفير المسكن والغداء وعودتهم مرهقين تحت ضغط الأكراهات الاقتصادية، ولأن السياسة التربوية مقصرة في هذا الباب فتجد الطفل المغربي يدرس طيلة الأسبوع دون أي نشاط ترفيهي داخل المؤسسة التعليمية زد على ذلك كثرة الفروض المنزلية التي ترهقه وترهق معها الأسرة فلا يسمع الطفل في البيت إلا "سير تقرا" وذلك لاعتقاد الآباء أن النجاح الاجتماعي يمر عبر النجاح المدرسي . إذا كان وقت الفراغ يعتبر في الحس المشترك سببا "للبلية" كما أسلفت الذكر فلأن وظائفه لم تأخذ بعين الاعتبار في السياسة التربوية حيث لا تساعد برامج التعليم المغربي الطفل على الاستفادة من الأنشطة الترويحية، بل تدخل في تعارض معها، فرغم أن من بين أهداف أنشطة الحياة المدرسية في النظام التربوي المغربي تمكين المتعلمين من حسن تدبير أوقات الفراغ فان الملاحظ أن هذه الأنشطة شبه غائبة في الزمن المدرسي أو تكون مناسباتية فقط ولا يستفيد منها جميع المتعلمين لغياب اطر خاصة في التنشيط حيث يتطوع فقط بعض المدرسين لذلك مما يجعل الفضاء المدرسي سجنا بالنسبة للمتعلم وللمدرس. في دراسة قام بها "عبد الفتاح الزين" تحت عنوان "الوقت الحر لدى الأطفال وطرق استغلاله : تجربة أندية الأطفال بالمغرب"، أوضح أهمية تدبير وقت الفراغ لدى الأطفال وعلاقته بالنجاح المدرسي ومحاربة الهدر المدرسي حيث بين من خلال بحث ميداني أهمية مساعدة الأطفال في التحكم في ميزانية وقتهم لإنجاح عملية تمدرسهم، ودور الأسرة في ذلك من خلال دراسة نموذجين : نموذج النجاح المدرسي مقابل الفشل المدرسي، حيث خلصت الدراسة إلى أن الفشل الدراسي ليس مسألة شخصية تتعلق بالطفل أكثر ما هي مسألة تتعلق بالتنشئة وتربية الطفل على التحكم في تدبير وقته وفهم التعارضات المختلفة القائمة بين الأزمنة الاجتماعية المختلفة. إذا كان الاندماج في المجتمع الصناعي كان يتم عن طريق تعلم مهنة التي تعتبر مفتاح الحصول على العمل والمكانة الاجتماعية، فان هذا الأمر لم يعد وحده يكفي في القرن الواحد والعشرين حيث أصبحت الكفاءات الإبداعية الشخصية مطلوبة كذلك. إذا كان الوقت الحر في بداية المطالبة به وقتا فقط للراحة من تعب العمل فانه مع مرور الوقت أصبحت له أبعاد جديدة تربوية واجتماعية، فهو يمكن الأطفال خاصة من تنمية شخصيتهم وإظهار مواهبهم والانفتاح على الغير من خلال أنشطة رياضية ومسرحية تمكنهم من الاندماج الاجتماعي، لكن ناذرا ما يهتم بهذا الوقت من طرف المربين في البرامج التعليمية والمسؤولين السياسيين في توفير الفضاءات كدور الشباب والثقافة وملاعب القرب، حيث لا تكاد تجد شوارع وأزقة المدينة فارغة من الأطفال الذين يلعبون دون مراقبة أو تأطير نظرا لغياب هذه الفضاءات. "سير تلعب في الزنقة" إنها العبارة التي يسمعها الطفل داخل البيت المغربي، فالفضاء العام الذي يرسل إليه الطفل و الخالي من أية تجهيزات ومرافق تحتوي الطفل لقضاء وقته الحر، وتغييب أنشطة مدرسية تساعد المتعلمين على الاندماج في الحياة الاجتماعية- خاصة التربية البدنية التي تراجع دورها في المؤسسات التعليمية وبالتالي عدم تعويد الناشئة على ممارسة الرياضة التي يمكن مزاولتها في الفضاءات العامة دون مقابل مادي، فنجد غياب هذه المادة في التعليم الابتدائي وتخصيص ساعتين لها في الأسبوع بالنسبة للتعليم الإعدادي رغم أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين في الدعامة 12 المادة 131 نص على الزاميتها من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي، كما أن اعتقاد الأسرة أن توفير الغداء والمسكن والملبس هو المطلوب فقط منها، ألا يمكن أن يكون كل هذا سببا فعلا في ظهور مجموعة من المشاكل الاجتماعية؟ فيصبح الوقت الحر ضد المجتمع وليس لصالح المجتمع. إذا كان هذا الأمر بالنسبة للمتعلمين فان المدرسين أنفسهم لا يمكنكم أن يعطوا في مهنتهم إذا كانوا لا يستفيدون من وقتهم الحر، أو لا يعرفون كيف يستفيدون منه، فرغم أن مهنة التدريس في تمثل المجتمع أنها المهنة التي تتميز بكثرة العطل وان المدرس لا يمكنه الاشتغال إلا أربع ساعات في اليوم إلا أن هذه الفئة من الموظفين لا تتوفر على منشاءات ترفيهية خاصة بها ، سواء الخاصة بعطلة نهاية الأسبوع أو العطل السنوية لتكون المقهى الملجأ الوحيد المتواجد في المدن من اجل الترفيه ، إن استفادة المدرس من وقته الحر لا شك انه سيعود عليه بالنفع على صحته النفسية وبالتالي سيكون معطاء في عمله الذي يتطلب جهدا فكريا لا يمكن أن يكون جيدا إلا إذا استفاد من أنشطة ترفيهية مناسبة. إن غياب ثقافة الوقت الحر وقلة الفضاءات الترفيهية يجعل أنشطة الترفيه تنحو نحو الترفيه السلبي « loisirs passive » الذي تتميز أنشطته خاصة بالجلوس في المقهى أو أمام التلفاز أو شاشة الحاسوب لم يعد الوقت الحر أو الترفيه أمرا ثانويا في حياة الأفراد بل أصبحت له أهمية، إلا أن هذه الأهمية لا يمكن إدراكها إلا إذا تغيرت التمثلات الاجتماعية حول وظائفه وأدواره عبر التنشئة الاجتماعية من مختلف الفاعلين (الأسرة، المدرسة، المنتخبين، دور الشباب، الجمعيات، دور الثقافة...). إن المشاكل المطروحة في مجتمعنا تعود بالأساس إلى سوء تقدير قيمة الوقت خاصة الوقت الحر حيث نستحضر عبارات –من الحس المشترك-مشحونة بالسلبية نحو هذا الزمن من مثل تضييع الوقت أو قتل الوقت، ولهذا فاستغلال هذا الوقت غالبا ما يبقى خاضعا للعشوائية والصدفة والظروف فيضيع بذلك إذن قسط مهم من الوقت في حياة الأشخاص، إن الوقت الحر هو وقت الفرد الذي يعبر فيه عن فردا نيته وميولاته الشخصية لكن يمكن أن يكون سببا في بروز مشاكل اجتماعية عديدة إذا لم يؤخذ بالحسبان في السياسة التربوية. فإذا كانت المدرسة تسعى إلى إعداد الطفل إلى مجالات الحياة خاصة مجال الشغل من خلال برامج التعليمية، ألا يمكن للترفيه أن يكون موضوعا من مواضيع هذه البرامج؟ أو انه مجال يتعلم فرديا؟ أليس هناك هوة بين المدرسة والوقت الحر؟ ألا يمكن أن يكون الوقت الحر حلا للمشاكل التعليمية التي يتخبط فيها النظام التعليمي المغربي؟