- Civil Society Associations and the National Initiative For Human Development Program: A participatory approach ةتلعب الجمعيات المدنية أو ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني في عمومها دور وسيط بين الفرد كجزء من المجتمع والدولة، وهي بذلك كفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد وتهذيبا وتطويرها عن طريق نشر المعرفة والوعي وثقافة الديمقراطية، وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لمزيد من العطاء المثمر في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي. ويعتبر مجال التربية والتعليم كأحد القطاعات الحيوية داخل المجتمع إذ هو الموَرد المباشر لليد العاملة لسوق العمل وما يحتاجه من مهارات وكفاءات للنهوض بجميع المهن والوظائف. والمتتبع لهذا المجال في المغرب يلاحظ بأن هنالك دوماً نمواً مضطرداً في عدد الجمعيات المدنية التي تم استحداثها منذ فترة الاستقلال وحتى اليوم، وهذا إن دلَّ على شيئ، فإنما يدلُّ على الوعي الاجتماعي والثقافي وكذلك الحس الديموقراطي والسياسي لدى أفراد المجتمع الذي شهد في حد ذانه تطوراً ملحوظاً. وهكذا أصبح لدى المغرب آلاف الجمعيات وعبر جميع الأقاليم سواء في المدن أو البوادي، وكل جمعية تمارس أنشطة متباينة إما في التعليم أو الثقافة أو الأعمال الخيرية والخدمية أو في ميدان الصناعة التقليدية والأعمال الحرفية أو التجارة أو الفلاحة وغيرها من مناحي الحياة. وفي حقيقة الأمر فإن الجمعيات المدنية تُعد شريك هام لا يمكن إغفاله في تحريك دواليب التنمية والاقتصاد والتقدم ومسارها المتذبذب، لذا، وكما قلنا، فقد أفسحت الدولة، ومنذ إعلان استقلال البلاد، مجالاً كبيراً لظهور العديد من الجمعيات الطامحة إلى خدمة الفرد والمجتمع، كما قدمت لها كل سبل الدعم المادي والحماية القانونية المتاحة لتباشر عملها بكل حرية وتستقطب المنخرطين تحت لوائها، وأن تدخل في منافسة مع بعضها البعض من أجل تقديم عمل مميز وصورة مشرِّفة وانطباع ايجابي على ما تقدمه من خدمات جليلة يعجز المرء عن احصائها أوحصرها. وبما أن الجمعيات المدنية هي عبارة عن مؤسسات اجتماعية خارج السوق الاقتصادية والتنافس، فهي لا تسعى إلى الربح المادي كباقي المؤسسات الأخرى كغرض أساسي لوجودها، ولذلك فمجالها أو دائرة عملها تنحصر في توفير الخدمات التي تقابل احتياجات المواطنين. غير أن ما يهمنا اليوم، هو النظر فيما يُفضي إليه مجهود بعض تلك الجمعيات فيما يخص المساهمة في التدبير والنهوض بجودة المؤسسات التربوية والتعليمية من منطلق المقاربة التشاركية (participatory approach) من حيث البنية التحتية وجمالية الفضاء المدرسي ومرافق المدرسة التعليمية مثل حجرات الدرس والمختبرات ومسرح المدرسة ومطعمها ومراحيضها وقاعات العبادة فيها وساحتها وأغراسها ونباتاتها وفضائها ومنظرها الداخلي والخارجي أيضاً. ما المقصود ب"المقاربة التشاركية" في تدبير مجال التربية والتعليم؟: يمكن القول بأن الإنسان هو جوهر الفعل التنموي داخل مجتمعه الصغير والكبير (أي الوطن)، ولذلك فإن مشاركة الساكنة المحلية وانخراطها في العمل الجمعوي أو التطوعي هو جزء من المشاركة في صنع القرار ويمكن اعتبار ذلك أيضاً فلسفة حيوية ضمن المقاربات الحديثة في هذا المجال. وتبعاً لذلك فقد تنبثق عن الحديث عن العمل الجماعي الجمعوي أو التطوعي تساؤلات عديدة مرتبطة في جوهرها بالشروط الواجب إتباعها أو استصدارها لضمان تمكين مجموعة ما من الدفاع عن مصالح أعضائها من جهة والدفاع عن مصالح المجتمع (Community Interest)، وكذلك استصدار الوعي بالمصالح المشتركة المولدة للفعل الجماعي من جهة أخرى. ولا شك أيضاً أن للجمعيات دور تنموي مهم في مختلف مجالات الحياة وعلى رأسها المجال التربوي والتنموي (كونه الموضوع الحيوي الذي يشغل بال الكثير منا)، والواقع يشهد فعلا على مكانة الفعل الجمعوي في مجتمعنا من خلال انجازات وتراكمات و-إن صح القول -اقتحامات المجتمع المدني لميادين ظلت لفترة طويلة حكرا على الدولة ومؤسساتها الرسمية ونجحت فيها نجاحا ملحوظاً ولا يستهان به من خلال الأرقام والإحصائيات الواردة في العديد من الدراسات. وكنتيجة للنضج السياسي والفكري والثقافي في بلدنا، نلاحظ اليوم بأن هنالك آلاف الجمعيات في المغرب اعتبرتها الدولة -وبمقتضى الدستور- شريكا فعالاً وأساسيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية بمختلف أقاليم المملكة وكأداة تساهم في تحقيق الديمقراطية وسياسة القرب وجعلتها قوة اقتراحية (من خلال عملها) تستوعب كل البدائل المجتمعية التي يمكن اعتبارها مشتل لاستخراج الطاقات والقيادات الوطنية إلى الوجود. برنامج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" كنموذج لدعم البنية التحتية للمدارس: ترى ما المقصود بالمقاربة التشاركية في تدبير الشأن التربوي والتعليمي؟ هذا السؤال يجرنا إلى البحث أو التسائل عن علاقة المؤسسات التربوية بالجمعيات، ومدى استفادة المواطن من تلك العلاقة. وقد ورد في أحد البحوث أن عالم الإجتماع الاقتصادي، الأمريكي مانكور أولسون يؤكد في كتابة (منطق الفعل الجماعي) "أنه لايكفي لأشخاص عينيين أن يتقاسموا مصالح مشتركة للعمل معا" ليخلص إلى أن الفرد (منطقيا) ليس شديد الحرص على العمل المشترك باعتبار الاستفادة من نتائج هذا العمل ليست مرتبطة بالمشاركة الفعلية، فإن الفرد يرنو منطقيا إلى سياسة الراكب الخفي: (Stowaway) الذي يستفيد من استثمارات الآخرين. وهكذا فإن أهمية وفاعلية دور الجمعيات المدنية ومشاركتها في تنمية البلد وتطوره هي أهمية ذات دلالة عالية بالنسبة للمجتمعات التي انخرطت في مسار التحول الديمقراطي والبحث عن سبل وطرق التنمية الناجعة، ولذلك انخرط المغرب بجميع مكونات مجتمعه في هذا الميدان وفسح المجال للعديد من الجمعيات آخذاً في الاعتبار تأثيرات البيئة الخارجية وما يدور حولها، وكذلك ما يدور في المنطقة ككل من حراك له تداعياته الحتمية عليه، وهكذا فقد تبنى المغرب التحول إلى التفكير الديمقراطي والذي شكل قطيعة مع إيديولوجيات الماضي مركزاً على الاتجاهات السياسية والتنموية الحديثة. وتبعاً لذلك، نلاحظ على سبيل المثال الجهود التي تبذلها المدرسة والقائمون على إدارتها في الآونة الأخيرة في التعاون والتلاحم مع قوى المجتمع والبيئة المحيطة بها، والعملية التعليمية، وذلك لبناء جسور من العلاقات والثقافات والمفاهيم المشتركة والتبادلية والتي تهتم بالارتقاء والنهوض بالتعليم كمؤسسة وكعمليات مترابطة وإجراءات بغرض تفعيل الدور الذي تقوم بة المؤسسة التعليمية في المجتمع، وخير مثال على ذلك هو تسخير برنامج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" لدعم الجمعيات التي تكفلت وأخذت على عاتقها إنجاز مشاريع تروم إلى تحسين البنية التحتية للمدارس وكذلك خلق أو إصلاح أو ترميم المرافق والساحات والملاعب التابعة لها. وتعتبر تلك المشاركة المجتمعية في مجال التعليم "مشاركة مجتمعية متبادلة" بين المدارس والمجتمع المدني، كما تعد تلك المشاركة المجتمعية أيضاً إحدى الأدوات التي يمكن من خلالها النهوض بالمجتمع والارتقاء به من خلال مجال أو قطاع التعليم، والعمل على تحسين مستوى حياة المواطنين اجتماعيا واقتصاديا وذلك من خلال إسهام أبناء المجتمع أنفسهم تطوعا فى جهود التنمية سواء بالرأي أو بالعمل الميداني أو بالتمويل، أو الإقتراح، وحث الآخرين على المشاركة، وعدم وضع العراقيل أمام الجهود المبذولة من جانب قيادات المجتمع وغير ذلك من الأمور التي تؤدى إلى تنمية المجتمع وتحقيق أهدافه . ومن مزايا أهمية المشاركة المجتمعية هو أن المجتمع المدني يكتسب قوته من أنه يضم ويتعامل مع مجموعة مؤسسات الدولة التي تستطيع أن تخلق مناخا للتعاون والمشاركة بفاعلية مع المتغيرات فى السياق المحلى المجتمعي. أهمية تأطير وتخليق العمل الجمعوي: إن النشاط المجتمعي يعتمد في حد ذاته على الجهود التطوعية للأفراد والجماعات ويتميز بأنه عمل إنساني تطوعي يرمي أيضاً إلى مواجهة حاجات أكبر عدد ممكن من الجماهير واقتراح الحلول اللازمة لمشاكلهم واعتبارها حلولاً ذاتية، وتدريب الأفراد والجماعات على اعتمادهم على أنفسهم في حل هذه المشاكل دون الانتظار لتدخل الدولة. وتبعاً لذلك، فلابد من ضبط هذا العمل ووضع قوانين ومساطر قانونية تنظم مساره واجراءاته، فكان ذلك جليا من خلال الكم الهائل لمشاريع القوانين التي عُرضت على البرلمان بغرفتيه وتم الإجماع عليها. ولذلك لابد لنا من السير قدما في تأطير المنخرطين في تلك الجمعيات المدنية وتخليق عملهم الجمعوي سواء التطوعي أو المدعم مادياً للحصول على نتائج أفضل. فلا يمكن لجمعية مدنية يتخبط منسوبيها في مشاكل تأطيرية أو إجراءات داخلية وسلوك غير حضاري وتنافس على مناصب داخل الجمعية أن يُفضي ذلك إلى خدمة المواطنين بشكل إيجابي. وإذا أردنا أيضاً أن نلمس نتائج حميدة، فلابد من نشر الوعي بالمسؤولية والشفافية بين رؤساء الجمعيات ومنخرطيها وتوحيد الأهداف. وبهذه المناسبة، نثمن ما تقوم به بعض العمالات والمؤسسات من تأطير لجمعيات آباء وأولياء التلاميذ وشرح ما لهم وما عليهم وتذكيرهم بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم اتجاه أبنائهم وبناتهم من هذا المجتمع، وتذكيرهم أيضاً بأن مسؤولية التربية والتعليم لم تعد مسؤولية وزارة التربية والتعليم وحدها، بل هي مسؤولية يجب أن تكون مبنية على مقاربة تشاركية يكون قوامها (كما قال أحد المهتمين) أربعة زوايا: الأسرة والمدرسة والشارع (أي المجتمع) والووزارة المعنية. ولابد أيضاً من وجود قناعة لدى الجميع بأن المشاركة المجتمعية ضرورة قصوى فى هذه المرحلة لأنه لا يمكن أن يتحقق التميز في التربية والتعليم فى ظل الموارد الحالية أو الموارد الحكومية وحدها إلا بمشاركة مجتمعية حقيقية تساهم فيها جميع القطاعات والشركات الكبرى والمقاولين والهيئات الدولية المانحة والمحسنين وكل من يحب الخير لهذا البلد، علماً بأن المقاربة التشاركية لا تكتفي فقط أو لا تتمثل فقط فى المساهمة بالموارد سواء المالية أو غيرها ولكنها تتعدى ذلك إلى صياغة الفكر وتشكيل الثقافة المجتمعية وتحسيس المجتمع وتوعيته بطريقة يمكن أن تسمح بتحقيق المستوى الذي يطمح إليه الجميع فيما يخص التربية والتعليم، أي تعليم أجيالنا ليصبحوا قوة منتجة وفعالة فى المجتمع ولا تركَن إلى الخمول أو الإتكال. ولاشك أننا ربما نتفق على أنه لا زالت هنالك عراقيل تحول دون تحقيق ما تصبو إليه الجمعيات المدنية وربما ذلك يعود إل بيروقراطية العمل أو وجود عراقيل تنظيمية أو نقص في الموارد المادية أو البشرية وغيرها، لكن الأهم من ذلك هو ربما أن هنالك أسئلة ملحة تطرح نفسها ولا بد من وجود أجوبة عليها كي نمضي قدماً نحو تحقيق أهداف جماهيرنا المتوخاة. وللإجابة على تلك الأسئلة وغيرها لابد من الوقوف على الحقيقة التي لا مفر منها ألا وهي أننا في حقيقة الأمر ربما لا زلنا بعد في منطقة ضبابية أو رمادية لا ندري ما ذا نريد فعلاً ولم نقف بعد على كيفية النهوض بقطاع التربية والتعليم الحيوي هذا، بل هنالك بعض الأسئلة الجوهرية التي ربما يطرحها الكثير منا (أكثر من ذي قبل) وخاصة عندما نحس وكأننا على مفترق الطرق حيارى لا ندري أي اتجاه سليم يجب أن نأخذه! ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال لا الحصرما يلي: من نحن وماذا نريد؟: لازال البعض منا يتساءل عن هويتنا وأصولنا وأننا لازلنا نختلف حول تعريف موحد، رغم أننا لا نختلف حقاً وكلنا نؤمن بأننا مغاربة، فهل نريد بأن نظل ننتمي إلى الأمة الإسلامية والمنظومة العربية والكتلة الأفريقية، أم نطمح إلى القفز فوق الأبيض المتوسط ونصبح جزءا من العقد الأوروبي المزدحم؟ ما هو هدفنا الأسمى؟: ماذا نريد من هذا الوطن؟ وما هو الهدف الذي يدور في مخيلتنا جميعاً؟ هل نريد أن نكون قدوة لباقي البلدان، وهل قمنا بتطوير وتدريب المواطن حقا حتى يكون قدوة؟ والأهم من ذلك، هل رسمنا هدفاً رئيسيا وأجمعنا عليه كي يكون غايتنا ومبتغى الكبير والصغير ونعمل جميعاً على تحقيقه؟ أي مجتمع وأي هوية نريد؟: أنريده مجتمعاً عربياً أم أمازيغياً أم عربياً وأمازيغياً كما كنا ولا نزال؟ أم نبحث عن مجتمع حداثي ينسلخ عن موروثه الثقافي والاجتماعي إلى غير ذلك؟ أم نريد مجتمعاً محافظاً يستمد مقوماته من إرث أجداده ومن دينه الاسلامي الحنيف، أم نريد مجتمعاً يجمع بين الأصالة والحداثة ويطمح إلى التقدم دون التخلي عن قيمه ومبادئه، أم نحن فعلاً لا ندري ما نريد؟!!! أي تربية وأي تعليم نريد؟: يبدو أننا لاندري أي تعليم نريد لأجيالنا رغم أن الكل حريص على تربية أبنائه وبناته كي يضمن لهم مستقبلاً زاهراً، غير أن آرائنا لازالت متضاربة: لاندري أي تعليم وأي تربية نريد! أهو تعليم معرب أم هو تعليم مزدوج أم تعليم مفرني أم تعليم إنجليزي، أم ماذا؟ فمنا من يريد تربية على الأصول الدينية قبل اللتحاق بأي تعليم، أي أن تُربى أجيالنا في البيت أولاً على الأخلاق الفضيلة وتنهل من المعرفة لاحقاً ما يحافظ على مبادئها وموروثها الثقافي والاجتماعي ومن المهارات (Skills) والكفيات (Competencies) ما يمكنها من ولوج سوق العمل ومتطلباته؛ ومنا من لايرى ضرورة في المحافظة على موروث الأجيال، بل يجب القفز على ما وصلت إليه البلدان الغربية من تقدم في المجال التعليمي وتطويع التكنولوجيا لخدمة العلم واكتساب المعرفة. ولاشك أنكم تتفقون معي بأن الجمع بين كل تلك التيارات الرئيسية والخروج بإجماع يمزج بينها ويجعلها تكمل بعضها البعض سيظل ربما هو أفضل خيار والله أعلم. هل نحن فعلاً مختلفون عن باقي سكان هذه القرية العالمية؟ لا أحد ينكر بأن هذا البلد له خصوصيته التي تتجلى في قيمه ومبادئه واختلاف أطياف مكوناته الثقافية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن لا أحد ينكر بأن كاريزما الشخصية المغربية تختلف عن باقي سكان القرية العالمية مما يجعلها شخصية فريدة متباينة في صدق محبتها للخير والتسامح والأخوة مع باقي بني البشر والكرم وحسن الضيافة والطبخ الذي حير العالم، لكن البعض منا لم يصل بعد لتلك القناعة بأننا فعلا مختلفون في مناحي شتى منها الإيجابي ومنها السلبي، لكننا سنظل حقًّا نختلف!. هل نحن فعلاً نتطور ونتقدم؟ من يحمد الله على النعم يزده منها، ومن لا يشكر الله على نعمه قد يُحرم من حلاوتها ويزداد فتنة، فما من أحد عاد إلى المغرب بعد غيبة ولو لفترة قصيرة إلا وأقر بأن هنالك تغيير ملحوظ وواضح للعيان في ظل هذا العهد، أي عهد جلالة الملك محمد السادس (نصره الله) وقيادته الرشيدة. وبالفعل، لا أحد ينكر بأن مغرب اليوم هو مغرب آخر من حيث العمران ومن حيث الخدمات والبنية التحتية التي لازالت أوراشها قيد التطوير والتنفيذ. نعم يمكن القول بأننا من تلك الناحية وحتى من الناحية الاقتصادية والسياسية والقانونية قد قطعنا أشواطاً كبيرة تغيرت معها ملامح المدن والقرى والخدمات ونمط العيش. ومن ناحية أخرى، نلاحظ نقصاً وانكماشاً في التربية على الأخلاق الحميدة والمبادئ الضرورية لضمان تعامل نزيه وحضاري مشرِّف بيننا. نعم إنحطت أخلاق بعضنا وتفشت في بعض أحيائنا جميع أنواع الجريمة والموبقات والمخدرات والسلوك المشين الذي لم نشهده لا نحن ولا أجدادنا والذي إمتد كي يصيب حتى الوالدين، فإنحط مع ذلك التعليم في مدارسنا وتدنت مخرجات مؤسساتنا التربوية والتعليمية، فعاد بعضنا يتسائل من جديد: هل فعلا مجتمعنا يتطور ويتقدم؟!!!. كيف سيكون مستقبلنا؟: سؤال محير فعلا، والله تعالى أعلم بالجواب والأحوال، وما لم نحرص على تربية وتعليم أجيالنا بالطريقة السليمة والمشرفة المبنية على المبادئ الصحيحة والخالية من الغلو والحشو بأي أفكار ضارة، وما لم نغذيهم بمكارم الأخلاق وصفاء الذهن والمتابرة والتنافس الشريف والنزيه، وما لم نُعد للمعلم مكانته وكرامته وللمدرسة العمومية مجدها، وما لم نقضي (نحن الكبار) على جميع مظاهر الرشوة والفساد الإداري والمالي والخلقي والفكري، وما لم نُجمع على نمط ومنهج تربوي وتعليمي يجمع بين الأصالة والحداثتة ويضمن مخرجات معرفية مميزة وقادرة على تهيئة النشء لسوق العمل ومتطلباته التي هي في تغيير وتطور مضطرد، فلا ندري كيف سيكون مستقبلنا وإلى أي طريق سوف نتجه!!! ونسأل الله تعالى السلامة وأن يحفظ هذه البلاد بعينه التي لا تنام. خلاصة: لاشك أننا جميعاً نطمح إلى منظومة تربوية وتعليمية ترقى إلى مستويات عالمية نضاهي بها الأمم كوننا أصبحنا مرجعية لبلدان أفريقية كثيرة وغيرها فيما يخص مجال الإقتصاد والتدبير والفلاحة وغيرها، ومن أجل تحقيق ذلك لابد من: نشر روح التفائل والايجابية بين كافة شرائح المجتمع. النهوض بمشروع اصلاح قطاع التربية والتعليم بالشكل العلمي الصحيح والابتعاد عن الغوغاء والمحسوبية واقحام غير ذوي الاختصاص. ضرورة نشر ثقافة المقاربة التشاركية وأن مسؤولية التربية والتعليم هي مسؤولية الجميع وليست مسؤولية وزارة بعينها فحسب. ضرورة مضاعفة موارد برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليشمل متطلبات قطاع التربية والتعليم بشكل أوسع. ضرورة دعم وتسهيل عمل الجمعيات المدنية التي تسعى إلى تحسين بيئة المدارس ومردودية التعليم. تأطير وتثقيف آباء وأولياء التلاميذ والأسر فيما يخص العمل الجمعوي والتطوعي والمشاركة في إعطاء الرأي والمشورة في برامج وأنشطة المدارس. ضرورة تطوير المناهج التربوية والتعليمية كي تساير العصر دون التفريط في الموروث الديني والثقافي والاجتماعي واللغوي للأمة. نشر ثقافة الأخلاق الحميدة والسلوك السوي ومحبة الناس والتسابق في فعل الخيرات والاحسان وإعطاء المساجد دوراً في النهوض بتلك القيم ومساهمتها في تحسن مجال التربية والتعليم. إعطاء دورات خاصة للآباء وخاصة الأمهات في كيفية تربية الأطفال على الأخلاق النبيلة وحل الواجبات وتحمل المسؤولية والحفاظ على الأملاك العامة واحترام الغير واحترام من هو أكبر منا سناً والابتعاد عن قصّات الشعر المقززة واللباس الملفت للأنظار وأي سلوك غير لائق، والتربية على حب الوطن والاعتزاز بالدين والهوية. ضرورة الاقتناع بأن الوطن هو مثل الجسد: له قلب نابض يتمثل في مبادئه الاسلامية وفي قائده الهمام، وله رئتين؛ رئة تمثل مغاربة الداخل، ورئة أخرى تمثل مغاربة العالم، فلابد من تلك الرئتين لهذا القلب كي ينساب ويَضُخ الدم في سائر عروق ذلك الجسد (الوطن). وعليه، فلابد من الاستعانة بخبرائنا من أبناء الجالية المغربية في الخارج وكفانا ما قدموه للجامعات والمؤسسات في الخارج، وقد حان الوقت ليساهموا في إقلاع حقيقي لقطاع التربية والتعليم في وطننا وغيره من القطاعات الأخرى. وأخيراً يمكن القول بأن تدخلات جمعيات المجتمع المدني وما يطمح إليه برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الهائل، كفيل بأن يحقق لهذه الأخيرة تحسين في المكتسبات والمهارات وجودة الحصيلة الدراسية من خلال جودة شاملة تراقب مدخلات ومخرجات المداس والمؤسسات التربوية والتعليمية. وعليه فلابد من الاقتناع بأن لجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة المختلفة أدواراً متكاملة ومواقف قد تظل مختلفة بين الرفض والقبول، إلا أنها سوف تساهم وبدون شك في الانفتاح على قطاع التربية والتعليم وتجلب اهتمام ورضى الجميع طالما الغاية هي الرفع من مستوى التعليم في بلادنا ومردودية مدارسنا ومؤسساتنا التربوية والتعليمية، ولن يتحقق ذلك الا بالقناعة التامة والوعي التام بأن "يداً واحدة لاتصفق" كما يقال، وأن مسؤولية تربية وتعليم الأجيال هي مسؤولية مشتركة تستوجب إحياء الضمير واستحضار مخافة الله عز وجل عند وضع أي خطة شاملة أو سن قوانين أو رصد أي موارد مادية أو بشرية للقيام بأي نشاط جمعوي في هذا المجال أو تبني مقاربة تشاركية تستوجب مشاركة الجميع، وضرورة تفهم المجتمع للمشاكل والمعوقات التي يعانى منها قطاع التربية والتعليم، وتقدير وتثمين حجم الإنجازات التي تقوم بها الجمعيات ومؤسسات الدولة وتشجيعها طالما أنها تهدف إلى خدمة المواطن والوطن. وهكذا لايسعني إلا أن أقول لكم ما قاله لي صديقي إبراهيم هذا الصباح وهو يودعني عند باب المقهى المهجور: "أكعاون ربي". والله ولي التوفيق،،، *خبير دولي في مجال الربية والتعليم، مستشار [email protected]